أرواد (سوريا) - في السنوات التي سبقت الحرب السورية اعتاد صناع القوارب في جزيرة أرواد بيع زوارقهم الخشبية على امتداد ساحل البحر المتوسط من لبنان إلى تركيا. غير أن تجارتهم كسدت رغم تنوعها، منها المركب واللنش والزورق والفلوكة، التي توارثوا صناعتها أبا عن جد.
وتعد الجزيرة الصغيرة واحدة من المناطق القليلة في سوريا التي لم تصل إليها ويلات الحرب خلال سنواتها الثماني إذ كانت صلتها المباشرة الوحيدة بالحرب أصداء انفجار بعيد أو مشاهدة دخان يتصاعد من انفجار في الأراضي السورية في 2016.
ففي حين عانت مناطق أخرى من قصف شديد وغارات جوية ومعارك بالأسلحة النارية أو شهدت تفجيرات لسيارات ملغومة أو هجمات انتحارية استمرت الحياة بهدوء في أرواد.
وتقع الجزيرة مباشرة قبالة مدينة طرطوس التي ظلت معقلا لأنصار الرئيس بشار الأسد خلال الحرب وموقعا لقاعدة بحرية روسية.
ورغم ذلك فقد وصلت تداعيات الحرب إلى أرواد بما خلقته من تعقيدات لصناعة صيد الأسماك وصناعة القوارب والدفع بالشباب إلى ساحات القتال وإيواء نازحين من مناطق أخرى من البلاد.
كما تسبب الانهيار الاقتصادي في سوريا في تراجع شديد في حركة السياحة التي كانت في وقت من الأوقات صناعة رائجة في جزيرة تفتخر بتراثها البحري.
قال صانع القوارب فاروق محمد بهلوان (50 عاما) إن أجداده اعتادوا صناعة مراكب تجارية كبيرة.
أما هو فيصنع قوارب أحدث، طول الواحد منها 14 مترا من أخشاب أشجار الكافور والسرو مع عدد من زملائه يعدون على أصابع اليد ويتولون تركيب المحركات والمراوح بعناية مستخدمين مخارط كهربائية في تسوية الجوانب المقوسة.
ونظرا للخبرة الكبيرة التي يتمتّع بها صانعو الزوارق في أرواد، فإنه يتم تصنيع هذه الزوارق دون أي مُخطّط هندسي، وإنما يقوم الصانع (نجار الزوارق) بوضع المُخطّط المُناسب في ذهنه، ويعمل على تنفيذه. لكنه لا يرى مستقبلا في هذه الصناعة إذ اتجه لبنان إلى فرض رسوم استيراد أعلى بينما أغلقت الحدود مع تركيا بسبب الحرب كما أن الأسعار ارتفعت بسبب صعوبة استيراد بعض المواد.
ويخشى الحرفيون في أرواد خطر زوال هذه الصناعة العريقة بسبب وفاة أكثر شيوخ المهنة القدامى وعدم تعلم الجيل الجديد هذه الحرفة التي تكمن أهميتها في كونها مميزة ونادرة ومنحصرة في منطقة ضيقة في الساحل السوري وهي مهددة بالزوال بسبب قلة مردوديتها، ومنافسة المراكب الحديثة.
وقال بهلوان “من يشتغل في صناعة القوارب اليوم لا يمكن أن يحصل منها إلا على مصاريف الأكل والشرب ولا يدخر منها المال، حتى أبناؤنا لم نعلمهم أصول هذه الحرفة، فهم لا يرضون اليوم بالعمل في مهنة لا تكفيهم مصروفهم اليومي كما نعيش نحن اليوم، فلجأوا للتعليم بالأكاديميات البحرية”.
وقال صانع شباك الصيد خالد عثمان إن عدد صيادي الأسماك زاد عما كان من قبل. لكنه أضاف أن الأسماك قلّت عن ذي قبل لأسباب منها زيادة عدد من يتجاهلون حظر الصيد خلال موسم التكاثر في الصيف.
وأضاف أن سكان الجزيرة لم يشعروا بالحرب نفسها بل بالأزمة الاقتصادية.
قال علي نجم رئيس المجلس البلدي إن حوالي عشرة آلاف يعيشون على جزيرة أرواد يلبون احتياجاتهم اليومية باستخدام القوارب التي تجلب المواد الغذائية وغيرها من السلع من طرطوس في رحلة تستغرق نحو 20 دقيقة.
لكن نجم قال إن المظهر الرئيسي لتداعيات الحرب على الجزيرة تمثل في انخفاض عدد السائحين. وتراجعت حركة بيع السفن التزيينية التي اشتهرت بها الجزيرة، ويشير مروان جمعة صاحب أحد محلات صناعة سفن الزينة إلى أن هذه الحرفة ذات طابع تزييني دقيق وتعتمد على حس الفنان المرهف ودقته في تطبيق الصورة الأساسية للسفينة القديمة أو الحديثة على النماذج المصنوعة يدويا وبأجهزة بسيطة لا تتجاوز المثاقب الصغيرة والشفرات البسيطة.
وأضاف أن هذه الصناعة مصدر دخل مهم لسكان الجزيرة وتعتمد على خشب التوت كمادة أولية للهيكل وخشب السويد المستورد من روسيا ورومانيا وبلغاريا للتغليف وبعد ذلك تصقل من الداخل وتدهن ببعض المواد العازلة
مؤكدا أن الزورق الواحد ذا الحجم المتوسط تستغرق صناعته نحو خمسة عشر يوما من قبل ورشة لا تقل عن ثلاثة أشخاص.
وكانت أرواد وجهة رائجة بين السوريين الراغبين في قضاء عطلة على الشاطئ قبل نشوب الحرب.
وقال عروى محمد أبوبكر، وهو صاحب مطعم، إن بعض السياح بدأوا يعودون إلى الجزيرة.
وقال أبوبكر (35 عاما) إن الجزيرة تشهد زحاما في الأسابيع الأخيرة من الصيف وأيام الخميس والجمعة والسبت.
وأضاف أن الناس كانوا يخشون في بداية الحرب الخروج من بيوتهم لكنهم بدأوا يخرجون بعد عامين ويزورون الجزيرة مع تحسن الوضع قليلا.
تداعيات الحرب تصل إلى صناعة السفن في جزيرة أرواد السورية !!
21.08.2019