أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
استاء من رأى حال المئذنة الملوية في سامراء!!
01.05.2019

*منارة أثرية تعد من أبرز معالم عهد الدولة العباسية في سامراء قاومت هولاكو لكن الإهمال وعدم الصيانة هزمها.
التراث جزء لا يتجزأ من الهوية، والحفاظ عليه هو حفاظ على هويات الشعوب ودليل على ما قدمته تلك الشعوب للإنسانية، لذلك يجب أن يظل شامخا في وجه أعدائه، وهم كثر كما نراهم في العراق اليوم، من الغزو الأميركي إلى المتطرفين الدواعش الذين يؤذيهم الماضي المشرق لبلاد ما بين الرافدين، وعلى الرغم من ذلك مازالت الحكومات المتعاقبة على بغداد لا تولي اهتماما لهذه الكنوز الأثرية وحمايتها وصيانتها، فملوية سامراء تعاني اليوم من الإهمال على الرغم من إصرار اليونسكو على ضرورة صيانتها.
بغداد - مثل كثير من آثار العراق، تقاوم المئذنة الملوية، في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين (شمال)، مخاطر الانهيار، بعد أن تجاوز عمرها الألف عام، وحل بها ما حل من الإهمال.
ويجمع باحثون في التاريخ على أن تلك المئذنة، من بعد مدينة بغداد، هي أفضل ما بناه العباسيون بين عامي 848 و852. والمئذنة الملوية هي أحد معالم العراق المميزة، بفضل طرازها المعماري الفريد بين مآذن العالم الإسلامي.
بُنيت في الأصل منارة مئذنة للمسجد الجامع، الذي أسسه المتوكل على الله، في الجهة الغربية لسامراء، وكان يعد حينها من أكبر مساجد العالم الإسلامي.
وحصلت المئذنة الملوية على اسمها من شكلها الأسطواني الحلزوني، وهي مبنى من الطابوق الفخاري يبلغ ارتفاعه 52 مترا، ويقع على بعد 27.25 متر من الحائط الشمالي للمسجد.
ويرى علماء الآثار أن فكرة بناء المئذنة ذات الدرج الحلزوني، مشتقة من الزقورات البابلية القديمة، لأنها على طراز الزقورة التي كان يتخذها العراقيون القدامى في بيوت العبادة، ويسميها العرب باسم “الهيكل”، وعادة تقع معظم الزقورات في بلاد ما بين النهرين وهي عبارة عن معابد مدرجة كانت تبنى في سوريا والعراق ثم إيران.
وترتكز المئذنة على قاعدة مربعة ضلعها 33 مترا وارتفاعها ثلاثة أمتار، يعلوها جزء أسطواني من خمس طبقات، وتتناقص سعتها مع الارتفاع.
ومن الخارج، يحيط بالمئذنة سلم حلزوني من 399 درجة، بعرض مترين، يلتف حول المئذنة بعكس اتجاه عقارب الساعة.
ووفقا لما جاء في ‘موسوعة المدن والمواقع في العراق-الجزء الثاني’ لبشير يوسف فرنسيس، يعتقد الأثري الألماني هرزفلد بأن هذا الدرج كانت به قديما ستائر خشبية لأن بالدرجات ثقوبا يظن أنها عملت لتثبيت قوائم هذه الستائر الخشبية.
وفي أعلى القمة توجد طبقة يسميها أهل سامراء “الجاون” لأنها تشبه آلة طحن الحبوب، وكان يرتقيها المؤذن ليرفع الأذان.
وكان الناس يعتمدون حينذاك على رؤية المؤذن على قمة الملوية نهارا، وعلى فانوسه الذي يحمله معه عند الصعود لقمة المئذنة ليلا، لتحديد أوقات الصلاة، حيث يتعذر وصول الصوت إلى مسافات بعيدة في المدينة.
وكانت النساء غير المتزوجات أو اللواتي لا يلدن، أو يلدن إناثا فقط، أو أي امرأة لها أمنية وتريد تحقيقها ترتقي الدرب إلى قمة المئذنة الملوية وتلقي من الجاون عباءتها السوداء التقليدية إلى الأرض، فإذا وصلت الأرض مفروشة ومفتوحة فهذا دليل خير، وإذا نزلت مكورة، فهذا يعني أن أمنيتها لن تتحقق.
ويعد المسجد الجامع مع المئذنة الملوية من أبرز معالم عهد الدولة العباسية في سامراء، وقد قاومت عوامل التخريب الطبيعية على مر القرون، لكن عمر محمد، وهو مؤرخ منحدر من مدينة الموصل، حذر من أن “وضع المئذنة الملوية يستدعي صيانة مستمرة، خاصة بعد التفجيرات المتكررة في المدينة، ونتيجة التغييرات المناخية”.وأضاف محمد أنه “من دون ترميم وصيانة مستمرة فمصير المئذنة هو الانهيار عاجلا أم آجلا”.
وعن كيفية ظهور تلك المئذنة، قال محمد “حين قرر العباسيون بناء عاصمة جديدة للخلافة العباسية، كان التحدي الأكبر لهم هو، هل يمكن بناء مدينة أجمل من بغداد؟ فلم يكن أحد في ذلك الزمن يملك القدرة على بناء مدينة أجمل من بغداد أو حتى تضاهيها في الجمال”.
واستطرد “تم بناء ملوية سامراء وقصورها، وأصبحت المدينة تسحر الناظرين، فصار اسمها (سُرًّ من رأى)”.
وتابع “ثم بني قصر الجوسق الخاقاني على أعقاب دير اشتراه العباسيون وأبقوا على منحوتاته وصوره، فزادت من رونق المكان وحولته إلى أحد أبرز معالم التراث العراقي”.وأردف “الملوية تضررت على يد هولاكو قائد مغولي غزا بغداد ومدنا عراقية أخرى، ثم تم ترميمها لاحقا”.
وبحسب ما أفادت به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، على لسان المتحدث باسم مكتبها في بغداد، ضياء صبحي، حاجة مئذنة الملوية للترميم ليست وليدة اليوم، بل منذ عام 2003.
وقال صبحي “وضعت المئذنة في تسعينات القرن الماضي على قائمة المعالم المعرضة للخطر، أي القائمة الحمراء”. وأضاف “كان يُفترض أن تخضع للترميم والصيانة، لكن ظروف الحصار حالت دون ذلك”.
بعد 2003 كان هناك قرار بإعادة إعمار المئذنة مع مرقد الإمامين العسكريين اللذين تعرضا لتفجير عام 2006 كسلة واحدة، لكن هذا لم يكتمل لأسباب كثيرة، بينها أعمال الإرهاب وعدم الاستقرار
وأردف “وبعد 2003 كان هناك قرار بإعادة إعمارها مع مرقد الإمامين العسكريين اللذين تعرضا لتفجير عام 2006 كسلة واحدة، لكن هذا لم يكتمل أيضا لأسباب كثيرة، بينها أعمال الإرهاب وعدم الاستقرار”.
وأوضح صبحي أن “اليونسكو تقدم حاليا تقارير إلى الحكومة العراقية حول أهمية ترميم وصيانة المعالم الأثرية، والحكومة تقرر ما يحظى بالأولوية حسب الميزانيات المتاحة”.
ويشدد خبراء الآثار على أن تكون أعمال الصيانة للمئذنة الملوية بحرفية كاملة، وأن تعتمد على جهات وشركات مختصة وحرفيين من ذوي الخبرة والدراية بنوعية الفخار والجص ومواد البناء التي استخدمت في بناء الموقع الآثري.
المتحدث باسم مكتب اليونسكو شدد على أن “العراق، ومنذ عام 1949، مستمر في الانضمام والتوقيع على اتفاقيات عالمية تمنع الإضرار بالمعالم الأثرية والتاريخية”.
وبَيَّنَ أن “الحكومة تعي تماما أنها ملزمة بإعداد خطط وحماية كل معلم تاريخي تجاوز عمره المئة سنة، وفق اتفاقية التراث العالمي”. وبحكم تمتع اليونسكو بسلطة تقديرية على المعالم الأثرية في الدول الأعضاء، فإن المنظمة، بحسب صبحي، “تراقب أسلوب تعامل الدول وجديتها في الحفاظ على آثارها”.
وشدد على أنه “لا يمكن المساس عمدا بأي أثر أو الإضرار به، سواء عبر تشريعات أو بشكل تنفيذي، وتحت أي دافع من الدوافع”.
وأضاف أنه “بخلاف ذلك، وفي حال كان البلد موقعا على اتفاقيات حفظ التراث العالمي، فإن الأمر قد يصل إلى تدخل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أو وضع البلد تحت البند السابع، وصولا إلى دخول قوات أجنبية عسكرية لحماية المعلم”.
ونوه إلى “وجود استثناءات تكون خارج إرادة الدول، مثل الحوادث الطارئة والكوارث الطبيعية والحروب والإرهاب”.
وتحتل السياحة الدينية في العراق المساحة الأكبر من الاهتمام، لكن ثمة توجه لزيادة التوعية بأهمية السياحة الأثرية أيضا.
وقال عمر أحمد، مدرس مساعد في كلية الآثار بجامعة سامراء، “نحتاج إلى توجيه الجهود للتعريف بأهمية السياحة الأثرية في سامراء، بجانب السياحة الدينية.. نسعى إلى أن تصبح السياحة في سامراء دينية وأثرية وترفيهية وأكثر تطورا”.
ولم يمر وقت طويل منذ أن استعادت سامراء ومئذنتها الملوية جانبا من عافيتها واستقبالها أعدادا خجولة من السائحين، لاسيما بعد زوال خطر تنظيم داعش، وإعلان بغداد تحرير كافة المدن العراقية أواخر عام 2017.

1