أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
الطبل ضابط إيقاع حياة ومشاعر الناس في المغرب !!
09.04.2019

*كتب فيصل عبدالحسن.. يبدو أن الشعوب لا تستطيع العيش دون إيقاع، فهو الذي يضبط للناس حياتهم ومشاعرهم، فالطبل في المغرب، كما في الوطن العربي لا يغيب عن مناسبة، كما لا يغيب عن فرقة موسيقية. فعلى إيقاعه تتحرك الأجساد في رقصات شعبية في الأعراس وأخرى صوفية كما عند القناوة، ومن يستطيع أن يمنع جسده من التفاعل مع الطبل؟ ربما قليلون من الأجيال الشابة.
مَنْ يقرأ عن تاريخ وحاضر الطَّبل في المغرب، والعالم سيصاب بالدهشة لما له من أهمية في رسم السلوك البشري، فعندما ننصت لما يصدره من أصوات يعزفها الطّبَّال بخبرته، ومما يتيحه له الطَّبل من إمكانيات نغمية واسعة تشعرنا بالمتعة والحيوية، ويدفعنا الإيقاع مهما بلغنا من التعقّل والرزانة، وضبط النفس إلى تحريك أقدامنا، وأيدينا لننسجم في الرقص مع ما يصدر عن الطَّبل من أصوات تحرك الوجدان.
وللطَّبل تاريخ طويل في موسيقى الشعوب، فقد تم استخدامه منذ أكثر من 4500 سنة في المعابد، لبعث الرهبة، والخوف في نفوس زائريها، واستخدمته الجيوش لبثّ الشجاعة في نفوس الجنود، وهم يواجهون الأعداء.
واستخدم في الأعياد والأعراس وفي تأبين الضحايا، وفي الصيد، وعند جني المحاصيل، وأوقات السَّمر، والرقص الجماعيّ، وفي كل مناسبة حزن أو فرح أو استقبال، فهو يصدر إيقاعا خاصا بكل مناسبة.
زائرو المناطق الأثرية بالمغرب يُستقبلون في كثير من الأحيان بفرقة شعبية فلكلورية موسيقية، وعندما لا تتوفر الفرقة تجد طبّالا يعوّضها، فيبعث صوت الطبلة البهجة والفرح في نفوس الزائرين، ليتفاعل البعض مع الطبَّال، فينغمسون في رقصة توجهها النغمات المتسارعة حينا والمتباطئة حينا آخر.
صابر زينون (30 سنة) بائع مصنوعات تراثية يستقر مع بسطته عند بوابة قلعة شالة التاريخية في الرباط، لكنه بين الحين والآخر، وحالما يلمح عددا من زائري القلعة، يحييهم بقرع طبله الضخم بنغمات وإيقاعات مختلفة. يطلق على طّبله اسم” كانكة”، ويقدّم رقصة إيقاعية يسميها زينون “الكدرة”.
يقول للعرب، بأن ليس مهنته التَّطبيل، بل هو بائع حاجات تراثية، كالأوشحة وأغطية الرأس والمُطرَّزات وآلة القرقب الإيقاعية، كما أنه لا يقبل الدراهم التي تقدّم إليه بعد أن يحيّي الزائرين بطبلته ورقصته، التي تستمر لعدة دقائق، لذلك يحرص بعضهم على شراء تذكار مما يبيعه.
منذ سنوات وزينون يزاول عمله وحده في هذا المكان، مما جعل له العديد من الأصدقاء من العائلات المغربية التي تزور القلعة الجمعة، أو من الزوار العرب والأجانب. هم وأطفالهم لا يخفون استمتاعهم بما يقدمه لهم من إيقاعات مختلفة، وحركات راقصة.
إن استخدام الطبل بين فترة وأخرى يريحه، فهو مثل التمرين الرياضي له يجعله مرتاحا، ومنفتحا على التعامل مع الناس والحياة، ويتابع زينون، “أكون أكثر سعادة حين أشاهد ما يفعله الإيقاع على وجوه وحركات من يحيط بي”. ويضيف وهو ينظر صوب سيارة قادمة تحمل عددا من الزائرين الجدد للقلعة، فتأهّب لاستقبالهم بطبلته، لكن ذلك لم يمنعه من التأكيد، “أن الطّبل كل حياته، ومن دونه يشعر بالحزن والوحدة”.
ويؤكد محمد الكمرة أشهر الطبّالين بالرباط (45 سنة) مشاعر الفرح التي يشعرها الطبَّال عند العزف على طبلته بإيقاعات خاصة، مؤكدا، ورثت المهنة عن والدي، الذي كان مسحَّراتيا معروفا بالمدينة العتيقة”.
الكمرة يقول بحسرة، “الوقت تبدل ولم يعد الطّبّال يجمع الناس حوله ليستمتعوا بالفرجة، وسماع ما يردده من قصائد الملحون والتسابيح والتهاليل، كما في أيام رمضان والأعياد وعيد المولد النبوي، وصار عملي مقصورا بحفلات الخطوبة والأعراس والختان، وأثناء مباريات ألعاب كرة القدم. وفي فترة الموسم السياحي في الربيع، وبداية الصيف ارتاد الأماكن الأثرية كالأوداية وشالة، وصومعة حسان، وأبواب السور المحمدي، وما يقدّمه لي الناس لقاء ما أقدمه لهم من فرح وسعادة يوفر لي ولأسرتي ما يكفي للعيش الكريم”.
بدأت فكرة المشروع عند بعض الطلبة الجامعيين في عام 2005، على شكل عروض خاصة حققت في ما بعد شهرة بفضل المتابعة، قبل أن تتبلور الفكرة بشكل أكبر في عام 2009، وانتقلت لتصبح أول مجموعة عربية لقرع الطبول الحضرية.
فرق مغربية كثيرة مقرها مدينة الرباط تخصَّصت بالقرع على الطبول، وقدمت فنونها في شوارع العاصمة في مناسبات عديدة منها، فرقة “طبول المغرب” فكرة بدأت عند بعض الطلبة الجامعيين في عام 2005، على شكل عروض خاصة حققت في ما بعد شهرة بفضل المتابعة، قبل أن تتبلور الفكرة بشكل أكبر في عام 2009، وانتقلت لتصبح أول مجموعة عربية لقرع الطبول الحضرية وتضم 15 عازفا، يستخدمون طبولا مصنوعة من صفيح الزيت الفارغة، وكذلك فرقة” تيمينغ بويز باتوكاداــ أولاد الوقت” وفرقة “الشمس” لقرع الطبول. التي استخدمت طبولا مصنوعة من أدوات مستعملة.
يقول أمين بدوي منسق فرقة طبول المغرب عن أعمال فرقته، “أملنا في ما قدّمناه سابقا في مناسبات عديدة، وما سنقدّمه مستقبلا للتعبير عن ضرورة إحياء فنوننا الشعبية باستخدام آلات بسيطة نصنعها بأنفسنا، علينا ابتكار ما يشابه أداء الأصلية، لنتمكن من تقديم تراثنا إلى الجمهور في الشارع، والتشجيع على تحديث وابتكار الأدوات من دون المساس بطرق الأداء الفني والتراثي الأصيل”.
ويقول الإعلامي الجزائري محمد ياسين رحمة، عن تاريخ الطبل، “أن استخدام الطبل بدأ في معابد السومريين ويعود ذلك إلى 2600 سنة ق.م. كانوا يطلقون عليه اسم بالاق، وهو نوع من الطبول الكبيرة المستديرة، وجدت رسمته على المسلة السومرية، ‘مسلة بدرة’، أما الطبل المتوسط، فقد كان يسميه السومريون ‘أُب’، والأكاديون أطلقوا عليه اسم ‘أوبو’، أما الطَّبل الصغير، الذي يربط على الوسط بحزام، فتضاف إليه كلمة ‘تور’ التي تعني الصغير، فتصير التسمية ‘أوب تور’.
ومن بلاد سومر انتشر الطبل إلى بقاع مختلفة من العالم، لما حملتْ نغماته من تأثيرات نفسية وسلوكية على مَنْ يستمع إليه، وقد استخدم في الحروب لإخافة العدو، كما استخدمه البدائيون لإخافة الحيوانات باستخدام صوت قرعه المرتفع”.
ويتابع رحمة، “تعرفنا في البلدان العربية على العديد من تسميات الطبول، كطبل المسحَّراتية، وطبل الحجيج، وطبل المواكب، وطبل العيد، وطبل الملاحين، وطبل الجمّالي، والطبل المُطوّق، والطبلة الكبرى، والدربوكة، وهي طبل صغير تكون أسطوانته ضيقة في الوسط، ومتسعة عند القمة، وغيرها.
وتصنع الطبول عادة من أسطوانة معدنية أو خشبية أو من الفخار أو من الخزف، وتثبت على وجهي الأسطوانة جلدتين من جلد البقر أو الأغنام أو الإبل، وتسمى الجلدة التي يتم القرع عليها بجلدة الضرب، والجلدة المواجهة لها بالجلدة الرنانة”.
ويضيف، “تستغرق فترة ترويض الطبل عدة أيام بعد صناعته، ويسمح في هذه الفترة بالقرع عليه لمن يشاء، ويقوم بصناعة الطَّبل في الوطن العربي حرفيون ورثوا صناعته عن أبائهم وأجدادهم.
وكانت قديما لصناعة الطبول في وادي الرافدين تقاليد خاصة، لأهمية الطبل دينيا، تبدأ باختيار الحيوان، الذي سيؤخذ جلده لعمل جلدتي الطَّبل منه، وحتى إتمام صناعته، ووضعه في مكان بارز من المعبد، وكل فقرة يصاحبها ترديد لتعاويذ، وطلاسم وفق الطقوس الدينية المقدسة لديهم، لأنهم كانوا يعتبرون أن صوت الطبل سيخاطب القوى العلوية، لما فيه من قوة وقدرة على بلوغ المسافات البعيدة”.
إيقاعات الطبول تحمل في العادة مشاعر الإثارة والهيبة والقوة لسامعيها، لذلك استخدمت ضمن فرق خاصة بالطبّالين لمصاحبة الجيوش في الحروب والاستعراضات، كما أنّ للطّبل لازمة ضرورية لمصاحبة الغناء والأهازيج والرقص الجماعي.

*المصدر : العرب

1