الأكل ثقافة تكتسبها الشعوب من المحيط الذي تعيش فيه، والموائد عند الشعوب تعتمد على نفس المكونات من الحيوانات والنباتات مختلفة في إعدادها، منها ما هو شهي لذيذ لمن ذاقه، فانتشر في مطاعم العالم وصارت الناس تفتخر بتناوله. ومن الأطباق التي تقبل بعض الشعوب على تناولها وتبدو مقرفة للبعض الآخر، أكل الحشرات عند بعض الشعوب الآسيوية، وفي الدول العربية هناك من يتناول الجراد وكأنه عنبري الصحراء كما عند بعض الكويتيين ويبدو غريبا عند بعض الشعوب العربية الأخرى.
الكويت - شهد سوق الجراد الذي يقع في سوق الجمعة وهي سوق تقليدية بمحافظة الفروانية بالكويت، زيادة بالنشاط في الآونة الأخيرة، حيث كان التجار يعرضون بضاعتهم في أكياس يقبل عليها المتسوقون ليشتروها بالميزان أو بالمزاد.
ويحرص التجار على بيعه حيا لأن ذلك يؤكد للمستهلك عدم تعرضه للرش بالمبيدات، كما يحرصون على بيعه صباحا أي بعد صيده مباشرة.
واعتاد الكويتيون قديما على أكل الجراد، ويعتبرونه طعاما صحيا ذا مذاق لذيذ حتى أن البعض من الأجيال الشابة يطلقون عليه قنبري الصحراء، ويقول كبار السن “إذا ظهر الجراد انثر الدواء.. وإذا جاء الفقع احفظ الدواء”، لاعتباره طعاما صحيا لا يسبب أي أمراض للجسم كونه يتغذى على الأعشاب والنباتات البرية المفيدة.
ويقول أبوعلي الحريجي، وهو تاجر في السوق، لوكالة أنباء “شينخوا”، “إن الجراد هو مصدر البروتين البديل وله فوائد غذائية عديدة”.
ويضيف قائلا “الجراد يعتبر غذاء غنيا بالبروتين والدهون الصحية والحديد، والأطباء يمدحون أكله، ليس فقط عندنا بل حتى في الدول الأوروبية والآسيوية،
يأكلونه لأنهم وقفوا على فوائده العديدة، والعديد من الكويتيين كانوا يأكلون الجراد بشكل دائم، يأكلونه بعد نزع الأجنحة والأفخاذ و الرأس، وبعضهم يأكلون الأفخاذ والرأس كذلك”.
ويقول التجار في السوق عن الفوائد المزعومة لأكل الجراد، إنه يقوي المناعة ويعالج داء السكري وآلام القولون، كما أن البعض يرى فيه علاجا للروماتيزم وآلام الظهر وتأخر نمو الأطفال.
ويشبهه آخرون بحبوب الفياغرا، حيث يقوي الباءة خاصة لكبار السن، وينشّط الجسم ويزيد من الطاقة، لاحتوائه على مواد متنوعة فهو يأكل من كل شجرة ومن كل نبتة يمر بها. ويقول أحدهم إنّ غالبية المستهلكين من كبار السن والبعض من فئة الشباب، يطلبونه لهذا السبب، نافيا كل ما يقال إنّه علاج للأمراض المختلفة.
وتتراوح أسعار أكياس الجراد ما بين 5 و10 دينارات كويتية (الدينار الواحد يساوي 3.3 دولار أميركي) ويبدأ موسم الجراد من فبراير حتى نهاية أبريل.
ويتكاثر الجراد في فصل الربيع تزامنا مع موسم ظهور الفقع أو الكمأة، وتزحف أسرابه التي تملأ السماء قادمة من شرق أفريقيا عبر الجزيرة العربية عبر الكويت وما جاورها من بلدان.
وكان الناس قديما يستبشرون بقدوم الجراد لأنه يشكل غذاء رخيصا ولعدم وجود محاصيل زراعية من الممكن أن تتأثر سلبا من قدوم الجراد نظرا لقلة المساحات المزروعة آنذاك.
ومازالت عادة أكل الجراد منتشرة في أوساط الكثير من الكويتيين، لاسيما مع كثرة ظهوره حاليا بعد هطول الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة وظهور الأعشاب والنباتات التي يتغذى عليها الجراد.
ويقول عبدالله الخنيني، البالغ من العمر 47 عاما، الذي خبر أكل الجراد منذ صغره، “إن أسراب الجراد ليست دائما أنباء سيئة في الكويت، حيث يعتبره الكثيرون مصدرا للغذاء”، مضيفا “كانت ساحة الصفاة هي المكان الرئيسي التي يتم فيها بيع الجراد في الماضي بعد جمعه ووضعه في أكياس كبيرة”.
ويوضح أن العديد من الثقافات في جميع أنحاء العالم تأكل الحشرات، وأن الجراد يحتوي على حوالي خمسة أضعاف بروتين صالح للأكل لكل وحدة مقارنة بأعلاف
البقر حيث عرف بفوائده الغذائية والصحية لكبار السن.
وجرت عادة صيد الجراد عند البدويين أن يخرج الناس في الفجر، لأن برودة الجو تؤدي إلى تخديره وصعوبة حركته، فيقوم الصيادون بجمعه من هذه الأشجار أو قطعها ووضعه داخل الخياش (الأكياس) كما يقوم البعض الآخر بجرفه بالمجراف.
ويقوم البعض الآخر بحفر حفرة كبيرة تسمى الواحدة منها (خدد) يبلغ طولها حوالي مترين وعرضها مترا واحدا وعمقها حوالي نصف متر، ويتم كنس الجراد بداخلها ليلا ثم يعبأ في الخياش. وكان الجراد يؤكل في القديم مسلوقا مع القليل من الملح، تقول بيبي جعفراوي (51 سنة)، “إن الجراد كان يطبخ في قدور كبيرة يوضع فيها الماء، ويضاف له الملح، ثم توضع على النار وعندما يغلي الماء تفرغ فيه أكياس الجراد الحي، ويؤكل بعضه ويتم تجفيف بعضه الآخر، ويحفظ ليؤكل كغذاء متوافر طول السنة”.
وبالنسبة لأهل البادية، كانوا في القديم لا يطبخون الجراد بالماء نظرا لندرته، حيث يوقدون النار، وعندما يسخن الرمل ويكون حارا يدفن الجراد في الرمل حتى يستوي، وبعدها يتم تنظيفه من الأتربة ثم أكله. أما حديثا، فقد تفنن الناس في طبخه متبلا ومشويا، والبعض يجففه، لذا يباع في الأسواق مجففا في غير موسمه.
وتقول جعفراوي “يمكن طهي الجراد بطرق عدة، لكن غالبا ما يقدم مقليا أو مدخنا أو مجففا، وأحيانا يتم طحنه، ويضاف إلى حليب البقر أو الماعز ويقدم كوجبة صباحية”.
وتقول أريج الحوطي البالغة من العمر 64 عاما، وهي ربة منزل، إن هناك نوعين من الجراد الصالح للأكل؛ الأول هو أنثى الجراد ولونها بني فاتح، كبيرة الحجم وفي بطنها البيض الذي يعطي المذاق الشهي، أما الذكر فهو أنحف من الأنثى ولونه أصفر.
وبالنسبة لعادات كانت مرتبطة بأكل الجراد، ذكرت أريج أن الأولاد قديما كانوا يملأون جيوبهم بالجراد المجفف ليتناولوه بالمدرسة، مضيفة “في الماضي، لم تكن لدى أجدادنا المعدات اللازمة لطهيه مثل هذه الأيام، لذلك كن يقمن بتسخين الرمال ويدفن الجراد بالرمل حتى يستوي وبعدها يتم تنظيفه من الأتربة وهي طريقة قديمة عرفها العرب”.
وتقول مريم الهندي (25 عاما) عن تجربتها في تناول الجراد، “تجربتي الأولى في أكل الجراد كانت شيقة للغاية، كان المذاق مألوفا، وذكرني بأكله شعبية كويتية تسمى ‘النخي’، وهي أكلة تتكون من الحمص بنكهة حارة”.
وجبة الجراد التي يعتبرها البعض غير ذلك تجعلهم يشعرون بالاشمئزاز دون أن يجربوها فقط لأنهم لم يعتادوا عليها منذ الصغر، وتضيف مريم “كانت عائلتي وأصدقائي يفخرون بي من جهة ويشعرون بالاشمئزاز من جهة أخرى بسبب أكلي للحشرات”، وتابعت “كنت أشعر بالفضول بشأن تاريخ الجراد ولماذا بدأ الكويتيون بتناوله كطعام، فسألت جدتي عن هذا الموضوع فقالت إن الجراد كان يأتي بأسراب في مواسم معينة له في الصحراء، حينها يستخدم الرجال مهاراتهم للقبض عليه حيا وبيعه”.
ويبقى أكل الجراد الوسيلة الأكثر نجاعة لمقاومة زحفه، فهو الذي ياتي على الأخضر واليابس ولا يخلف شيئا وراءه حتى الملابس، وتستعد له الدول بالمبيدات للحد من مخاطره على الزراعة والأشجار المثمرة.
الجراد "المقرمش" وجبة تسيل لعاب الكويتيين !!
01.03.2019