لايعتبر المقهى العدني عنصرا هامشيا لتبديد الوقت، وشرب القهوة والشاي كما لم يكن حكرا على بعض الفئات مثلما هو حاصل في بعض المقاهي العربية، وإنما ظل حاضنا للأديب والمثقف والسياسي والرياضي والنقابي والطلاب والبسطاء دون استثناء.
على مدى أكثر من قرن من الزمن، لا يزال مقهى” سكران”، في مدينة عدن، جنوبي اليمن، يجذب العديد من الزوار من مختلف فئات المجتمع، لارتشاف الشاي العدني الشهير ذي الرائحة الفواحة والجذابة، والذي كان ولا زال له مكانة خاصة لدى السكان هناك.
في عام 1910 أسس الراحل عبدالله سكران هذا المقهى الذي يحمل لقب عائلته، بمدينة كريتر في قلب عدن، واستمر حتى اليوم يقدم الشاي العدني لمرتاديه الذين يقدر عددهم بالمئات يوميا.
وعلى الرغم من مختلف الظروف الصعبة التي مرت بها عدن على مدى أكثر من 100 عام، استمر المقهى في تقديم خدماته للسكان الذين بات العديد منهم ينظرون إليه كجزء مهم من حياة وتاريخ عدن الحديث.
واستمر العديد من العمال في العمل بالمقهى جيلا بعد جيل، دون كلل أو ملل، في الوقت الذي تزداد فيه شهرة هذا المقهى مع مضي الوقت.
ويتميز المقهى عن غيره، بالخبرة الكبيرة في كيفية صنع الشاي وتقديمه للزبائن بجودة عالية تنال استحسان المرتادين، وهو ما جعله يحافظ على مكانته، رغم تواجد العشرات من المقاهي الأخرى في المدينة. ويقدم المقهى الشاي العدني الذي يتكون من ماء مغلي وشاي يضاف إليه الحليب الذي يتم غليه بطريقة جيدة، ويتم إضافة مقدار مناسب من السكر مع بعض التوابل.
ويقول ياسر سكران المالك الحالي للمقهى إنه تم تأسيسه عام 1910 من قبل جد والده عبدالله سكران. وأضاف، أن والده توارث عن أبيه وجده العمل في هذا المقهى الشهير خلال الفترة الماضية.
وأشار إلى أنه بات حاليا هو من يدير المقهى، ويستقبل زواره بفرح بشكل يومي.
الشهرة الكبيرة لمقهى سكران وقدمه الزمني، جعلاه محل إعجاب واهتمام من قبل اليمنيين من مشارب متنوعة وأعمار مختلفة، بالإضافة إلى معاصرة المقهى لأحداث يمنية كبيرة خلال القرن الماضي والقرن الحالي.
ويذكر بعض المؤرخين اليمنيين، أن المقهى كان شاهدا على الكثير من التحولات والأحداث التي شهدها جنوب اليمن، بدءا بالعمل فيه أثناء الاستعمار البريطاني، حتى التحرر من الاستعمار عام 1967، إضافة إلى معاصرته الصراعات الداخلية.
وقد كان المقهى ولا يزال مكانا يتجمع فيه السياسيون والرياضيون والفنانون والنشطاء والصحافيون والبسطاء، ويعقدون اجتماعاتهم ونقاشاتهم فيه، على وقع رائحة الشاي العدني الفواحة التي تعد جزءا رئيسيا من حياة العدنيين حتى اليوم.
ولمقهى سكران العديد من الحكايات والتجارب مع العدنيين، الذين عاشوا معه وعاش المقهى معهم لفترة طويلة، حتى إن بعض الشباب لا زالوا يتذكرون كيف أنهم ارتبطوا مع هذا المعلم منذ فترة طويلة ومازال الارتباط مستمرا.
ويقول الشاب الرياضي مروان موفق، إن مقهى سكران في عدن، له مكانة خاصة في قلوب العدنيين منذ فترة طويلة، مشيرا إلى أن المقهى أصبح معلما مهما للسكان الذين يتواجدون فيه بشكل مستمر من أجل تناول فناجين من الشاي العدني الشهير في المدينة. وأضاف، أنه “يرتاد المقهى منذ أكثر من 20 عاما، هو والعديد من زملائه الرياضيين”.
وتابع موفق الذي يلعب كرة السلة في فريق التلال بعدن، أنه وزملاؤه اتخذوا المقهى منذ فترة كمكان للاجتماع ومناقشة شؤون أعمالهم والتخطيط لها، بالتزامن مع تناول الشاي هناك. ومضى قائلا “حتى في سفرنا إلى محافظات أخرى من اليمن، كنا نتخذ المقهى مكانا للتجمع ومن ثم الانطلاق”.
وأفاد أنه بسبب شهرة وأهمية المقهى، تقيم العديد من منظمات المجتمع المدني بعض فعالياتها في المقهى، كما يتم إقامة المعارض المجتمعية فيه. وأشار إلى أن أصدقاء الرياضة والفن والدراسة، يتواجدون في المقهى الذي بات وسيلة لجمعهم ولقائهم.
وبيّن أن مرتادي المقهى، يتدفقون بشكل متكرر من مختلف الأعمار والأجيال، في إشارة إلى احتواء المقهى لكافة شرائح المجتمع. وذكر أن المقهى يقدم أيضا إلى جانب الشاي العدني بعض الوجبات الغذائية التقليدية.
من المعروف في اليمن أن مواطنيه يحبون كثيرا الاجتماع من أجل مناقشة هموم بلادهم وأحداثها، وهو ما يجعل المقاهي واحدة من الأماكن التي تكون مساعدة للقاء.
و يقول الصحافي شكري حسين وهو من مرتادي مقهى سكران، إن المقهى يتميز بالمذاق المتميز للشاي العدني وأصناف أخرى من الشاي مثل الشاي العيدروسي والشاي الكشري.
وأضاف “نظرا لشهرة وقدم المقهى الذي يعود تأريخ تأسيسه لأكثر من قرن، أصبح بمثابة ناد وملتقى ثقافي رياضي يتجمع فيه الأكاديميون والمثقفون والرياضيون”. ولفت إلى أن عدن أيضا تشتهر بمقاه أخرى معروفة، غير أن مقهى سكران أكثر شهرة، لذلك يحرص الزائر إلى عدن بأن يذهب إليه.
من جانبها تسرد الإعلامية نور سريب أهمية مقهى سكران بالنسبة لسكان عدن، وتقول، “إن لهذا المقهى محبة خاصة في قلوبنا اعتدنا زيارته والتجمع فيه لعقد الاجتماعات الشبابية واللقاءات”. وأضافت، “هذا المقهى مزار ثقافي لمختلف أجيال عدن…فيه أجد مدينتي”.
وتابعت سريب “الجلوس فيه واحتساء كوب الشاي يسعدنا كثيرا… نحن ممتنون للمقهى الذي يعد ملتقى للمثقفين، ولا يتردد القائمون عليه بالسماح لنا بإقامة الأنشطة الثقافية والتوعوية فيه”. ومضت قائلة “رغم كل التحديات التي مرت بها عدن؛ أصبح مقهى سكران محطة تجذب كل من يزور عدن
اليمن : "مقهى سكران" معلم تاريخي يفوح برائحة الشاي العدني !!
18.01.2019