أكثر من 150 قصرا صحراويا بالجنوب التونسي يعاني من الإهمال رغم الأهمية التاريخية التي تمثلها.
تطاوين (تونس) - رغم صافرات الإنذار التي أطلقت من قبل عدة أطراف ناشطة في مجال التراث الثقافي والحضاري الإنساني التي تحذّر من تحول القصور الصحراوية في الجنوب التونسي إلى ركام، لم يتمّ بعد بحث السبل لدرء المخاطر المحدقة بهذا الكنز الحضاري المميز. فإلى جانب أهميتها التاريخية تعدّ القصور الصحراوية بالجنوب التونسي قطبا سياحيا مهمّا خاصة في منطقة الجنوب الشرقي حيث تستقطب عددا هاما من السياح، وهي كذلك نقطة ارتكاز هامة للسياحة الصحراوية التي يتميّز بها الجنوب التونسي.
مشاهد الخراب البادية على جانب من قصر حدادة بغمراسن من محافظة تطاوين، الذي ذاع صيته عالميا بعد أن تم فيه سنة 1997 تصوير الجزء الأول من فيلم حرب النجوم للمخرج الأميركي، جورج لوكاس، تبعث الأسى في نفس كل زائر لهذه التحفة المعمارية العريقة التي بدأت تفقد بريقها شيئا فشيئا بفعل الإهمال الذي يطالها.
هذا القصر، وتحديدا الجزء الذي لا يزال متماسكا، والذي تستغله شركة سياحية خاصة، ما زال قبلة للسياح والزائرين الذين تسحرهم بوابته التي يعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع عشر، وتستهويهم مداخله، وغرفه العديدة والمتشابكة والمترابطة وعددها لا يقل عن 567 غرفة، والتي تفصلها متاهات تمتد على مساحة 6400 متر مربع.
عديد الغرف من هذا القصر تهدمت، وسقطت أسقفها وأقواسها ومدارجها، وكشفت متاهاتها، وأصبحت خرابا لا صلة لها لا بالتاريخ ولا بالعمارة القديمة والجميلة. الباحث في الآثار والتراث، علي الثابتي، حذّر من تواصل هذه الوضعية التي قد تؤدي إلى خراب غرف أخرى قد تصعب عملية ترميمها من جديد، أمام صعوبة الحصول على مواد الجبس بالطريقة التقليدية المعتمدة في سالف العصور.
هذا الباحث أشار إلى تهدّم أكثر من 50 غرفة حفرية بقصر حدادة، خلال السنوات الأخيرة، دون حصول أي تدخل، داعيا السلط المعنية إلى لفتة عاجلة، خاصة وان هذا القصر، يحتاج عمليات ترميم قدرت كلفتها بـ200 ألف دينار. وأضاف قائلا لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات)، “أن قصر حدادة مقسم إلى جزأين، جزء مستغل من قبل شركة سياحية، وكان في السابق صالحا للإيواء، لكنه أصبح الآن مزارا فقط، فيما ظل الجزء الثاني مهملا، ولم يرصد له التمويل الكافي لإجراء عمليات الترميم والصيانة”.
وأكد، “أن السعي إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه هو مسؤولية المجتمع المدني والهياكل الرسمية، وأبناء المنطقة المتشبثين بتراثهم كرمز للهوية في تلك الربوع”.
الحصى والحجارة وجذوع النخل والتربة الرملية التي خلطها البربر قبل آلاف الأعوام لتشييد الغرف والصوامع لتخزين الحبوب والقمح والزيتون وغيرها من المحاصيل، من أجل مواجهة المناخ الجاف والقاسي في تلك المنطقة الصحراوية، تحوّلت مع السنوات إلى ركام، وتشوهت بالتالي معالم الغرف الحفرية.
محافظ تطاوين، عادل الورغي، أكد صعوبة مهمة إعادة الغرف إلى وضعها السابق، وتحسين البنية التحتية بالقصر، خاصة وأن العملية تتطلب ورشة خاصة يشتغل فيها عمال لهم دراية ومعرفة بهذه العمارة الشعبية القديمة.
وأكد ارتفاع كلفة مثل هذه الأشغال، وعدم توفر الاعتمادات المالية الكافية لها من قبل السلطات المعنية، مشيرا إلى أن المعهد الوطني للتراث رصد في الثماني سنوات الأخيرة اعتمادات لا تكفي، لترميم قصر واحد أو على الأقل لتحسين بنية قصر أولاد دباب المتميز بإطلالته العالية
وبنايته المغلقة المستوحاة من الحصون والقلاع.
وقال إن عدم انتظام الشركتين السياحيتين المستغلتين لقصر حدادة وأولاد دباب في خلاص معاليم الكراء لفائدة المجلس الجهوي الذي تعود ملكية القصور له، زاد الطين بلة، إذ وصلت ديون مستغلي قصر أولاد دباب إلى الملايين من الدينارات، وهو مبلغ كان بالإمكان تخصيصه للانطلاق في تحسين وضعية القصر.
وقد شدّد الورغي، على أن عملية الترميم يجب أن تتم وفق كراس شروط مضبوط، وبحسب المواصفات التي تحافظ على الطابع المعماري، وهذا الأمر لا يقبل المراجعة أو الاستثناء، على حد تأكيده.
ويأمل الأهالي أن تتولى مصالح وزارة الثقافة والمعهد الوطني للتراث والمجلس الجهوي توفير الاعتمادات الضرورية حتى تلملم هذه القصور الأثرية شتاتها، وتنتصب شامخة لمقاومة العواصف وفعل الطبيعة القاسية هناك، وحتى تحافظ على جمالها وبريقها الخلاب، وحتى تظل قبلة السياح والزائرين بما يدعم حظوظ الجهة في أن تصبح قطبا سياحيا وثقافيا قادرا على المنافسة.
وثمة اليوم أكثر من 150 قصرا صحراويا في مدن الصحراء التونسية وترجع أشكال الحياة البشرية فيها إلى عهود غابرة تعاني من الإهمال ما يهددها بالتحوّل إلى ركام.
الخراب يتهدد القصور الأثرية في الصحراء التونسية !!
15.01.2019