يمتاز لبنان بمناخ وطبيعة يسمحان له بتنشيط الحركة السياحية على مدار العام، ففيه البحر والغابات للسياحة الصيفية، إضافة إلى المعالم التاريخية التي يشتهر بها، كما يمتاز بموسم ثلجي طويل في المرتفعات ومراكز تزلج بمواصفات عالمية، لذلك يأمل المستثمرون والعاملون بالقطاع السياحي في استقرار سياسي، وقرارات تساهم في عودة السائح العربي والأجنبي إلى بلادهم.
بيروت - بعد أن تكلّلت جبال لبنان بالثلوج، انطلق موسم التزلج هذا العام باكرا مقارنة بالسنوات السابقة، خاصة وأن الثلوج التي حملتها العاصفة “نورما” تبشّر بموسم زاهر سيمتد إلى شهر أبريل دون انقطاع.
وتزداد مخاوف اللبنانيين من أن الطقس سيكون اليوم الجمعة قليل الغيوم إلى غائم جزئيا بسحب مرتفعة مع ارتفاع إضافي بدرجات الحرارة، بحسب مصلحة الأرصاد الجوية في لبنان.
وتتوقع المصلحة وصول المنخفض “ترايسي” إلى لبنان الأحد المقبل، وسيتبعه منخفض آخر قادم من أوروبا الوسطى ويندمجان ليحملا إلى لبنان أمطارا غزيرة، لكنها أقل وطأة من المنخفض “غطاس″، إضافة إلى رياح قوية وخصوصا في بيروت، ومع ذلك يتحمّس عشاق التزلج لحضور اليوم مع بدء افتتاح موسم التزلج، مع استعدادهم للعودة من حيث أتوا إذا كان الطقس غير مشجع على التزلج.
وينتظر “العريس الأبيض” في لبنان هواة التزلج من اللبنانيين والعرب بداية من الجمعة، موعد فتح مراكز التزلج بعد إعداد منصات التزلج تقنيا، علما وأنّ ثمّة مراكز افتتحت أبوابها بين عيدي الميلاد ورأس السنة كما أكد رئيس الاتحاد اللبناني للتزلج شربل سلامة.
وبالمقابل يعاني العديد من الفقراء واللاجئين السوريين من قسوة البرد مما اضطر بعض العائلات السورية في المخيمات إلى إشعال ثيابها بحثا عن الدفء.
ويرتاد أعالي جبال لبنان متزلجون من جنسيات مختلفة لاحتوائها على مراكز تزلج بمواصفات عالمية مخصصة لمختلف المستويات والأعمار من هواة ومحترفين، ليمارسوا فيها الألعاب الشتوية بمختلف أنواعها.
وتوجد في مناطق التزلج مراكز تجارية لتأجير “السكي دو” و”سنوموبيل”، وهي مركبات مخصصة للتزلج السريع على الجليد، كما يوجد فيها “تلفريك” ينقل المتزلجين إلى أعالي القمم والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة.
ويتطلع الأمين العام لاتّحاد المؤسسات السياحية البحرية في لبنان جان بيروتي إلى موسم سياحي زاهر هذا الشتاء يدعمه الحضور الخليجي الذي سجّل في بيروت في موسم الأعياد حضورا لافتا.
وتوقع أن يشهد الموسم عودة خليجية مع مطلع فبراير تزامنا مع العطل المدرسية في دول الخليج.
مراكز جاهزة
وقال طوني أبوزيد، وهو مدرب التزلّج وصاحب مدرسة لتعليم التزلج في لبنان، “التزلج أجمل هواية وأحلى رياضة، لأنها رياضة في الطبيعة بعيدة عن الزحمة في تعلّمها”.
ويضيف، “أن الموسم بدأ باكرا مقارنة بالسنيتين الماضيتين، وآمل أن يكون الحضور كثيفا ويشمل كل الأعمار مع صباح الجمعة”.
ويؤكد مدرب آخر يدعى شربل من مركز تزلج المزار الذي يجتذب مبتدئين ومحترفين على السواء حيث تتراوح منحدراته بين مستويات سهلة ومتقدمة، أن “الطرقات ومناطق التزلج جاهزة، ولا خطورة للحوادث بالنسبة للمبتدئين، هناك فريق من الصليب الأحمر، إضافة إلى منطقة لجوء للراحة والمعالجة”.
ويقع مركز تزلج المزار، الذي يعتبر أول مركز في لبنان وتأسس العام 1957 في منطقة عيون السيمان التي يتراوح ارتفاعها بين 1850 و2465 مترا فوق سطح البحر، ويتوفر على عدد من النشاطات الأخرى للمتزلجين المبتدئين ومتوسطي المهارة بفضل المنحدرات المنخفضة والعريضة وشبه المنبسطة التي تسهل عملية تعلم فنون التزلج بواسطة مدربين محترفين.
مدربون بشهادات من الاتحاد اللبناني للتزلج بعد دورات مخصصة تتخللها دروس نظرية وتطبيقية
ولا يمكن للمدربين العاملين بمراكز التزلج مزاولة مهنتهم إلا بعد دورات مخصصة تتخللها دروس نظرية وتطبيقية وبنتيجتها يحصل كل مدرب ينجح في هذه الدورات السنوية على شهادة من الاتحاد اللبناني للتزلج ليصبح قادرا فنيا وقانونيا على العمل في جميع منحدرات التزلج في لبنان.
وقال جوي، أحد المغتربين اللبنانيين في أستراليا، “لا أفوّت فرصة الرجوع إلى لبنان في فصل الشتاء لكي استمتع مع عائلتي برياضة التزلج التي تعلمتها منذ صغري، والأجواء أفضل من فصل الصيف بالنسبة إلي، لذلك أنصح الجميع بالقدوم إلى لبنان في هذه الفترة من العام، لأن منصات التزلج ومنتجعات جبال لبنان تضاهي جبال الألب”.
ومحبّو التزلج يعرفون متعة هذه الرياضة في لبنان، وهو طبيعي، كما يقول المسؤولون، لأن هذا النوع من السياحة غير مكلف مقارنة مع دول العالم كسويسرا والنمسا وفرنسا.
وقال نيكولاس وهو متزلج كندي “كنت أتزلج على مدار 50 عاما من عمري في كندا كل شتاء. التزلج في لبنان هو أكبر مفاجأة في حياتي.”
ويؤكد جان بيروتي أن “المشكلة عندنا تكمن في تنظيم رحلات شارتر وعلى الدولة أن تعمل على تأمين سياسة تسهيل الطيران باتجاه لبنان، وذلك خدمة لاقتصاد لبنان”.
ميرنا زوجة جوي كانت تكتفي مع طفلتها سيرين بالتجول على “السكي دو” الذي تؤجره بالساعة، تقول “أنا لا أعرف التزلج ولكن هذه المرة قررت التعلم بتشجيع زوجي، لذلك استأجرت معدات وثياب التزلج، واتفقت مع مدرب سيتقاضى مني مبلغ 45 دولارا ليعلمني المبادئ العامة للتزلج”.
ويتميز لبنان بستة مراكز للتزلج مجهّزة لتلبية حاجات المتزلّجين وراكبي ألواح التزلّج من ذوي المهارات المختلفة.
وتتوزع هذه المراكز في كل من منطقة الأرز التي تعد أعلى نقطة تزلج في البلاد، ومناطق فاريا، وعيون السيمان، واللقلوق وفقرا وقناة باكيش والزعرور، حيث تحتضن هذه المناطق خلال الموسم الشتوي عشاق التزلج من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية بالإضافة إلى المغتربين اللبنانيين.
المتعة في حضرة الثلج
وتشكل منطقة الأرز أحد أبرز مراكز التزلج في منطقة الشرق الأوسط لما تتمتع به منحدراتها من مواصفات عالمية من ناحية التدرج في الارتفاع الذي يبدأ من 2066 مترا وصولا إلى 3 آلاف متر، ويقبل عليها العديد من اللبنانيين خلال العطل الأسبوعية التي يكون فيها الطقس مشمسا، علما وأن منطقة الأرز توجد بها مدرسة للتدرب على التزلج تابعة للجيش اللبناني وتقدم خدماتها للمدنيين.
وتعد قرية فاريا، من قرى قضاء كسروان في محافظة جبل لبنان، من أهم المعالم السياحة الشتوية حيث تتميز بقربها من بيروت، إذ لا تبعد عنها سوى 50 كيلومترا، ويفضلها السياح الذين يريدون أن يكتشفوا ليل بيروت.
وتشتهر فاريا أيضا بالشاليهات والفنادق والمطاعم التي يقصدها الأفراد والعائلات في الشتاء خصوصا خلال مواسم الأعياد وأثناء العطل.
وتقول فاطمة (36 سنة) وتعمل مهندسة في قطاع الاتصالات بالعاصمة اللبنانية، إنها اعتادت أن تنظم رحلات مع عائلتها أو أصدقائها حين يكون اليوم مشمسا، وهي لا تحسن التزلج مثلها مثل صديقاتها أيضا، لكنهن يأتين للاستمتاع بالصور مع “العريس الأبيض” وهن العازبات، والاستمتاع بالأجواء في المحلات، “اللعب مع العريس الأبيض منعش، نضرب بعضنا بالثلج، إنها لحظات طفولية بعيدا عن أجواء العمل وزحمة المدينة”، مضيفة أنها لا تعرف إن كانت ستذهب هذه السنة، فموجة البرد قادمة وهو ما لا يشجعها على الذهاب خلال هذا الأسبوع، أو الأسبوع القادم.
ويذهب اللبنانيون للتزلج في الغالب في عطلات نهاية الأسبوع، في حين يخطط آخرون للحصول على العطلات الشتوية في أيام الأسبوع حسب أحوال الطقس، على أمل قضاء يوم أكثر هدوءا على المنحدرات.
وتسببت العاصفة “نورما” بسقوط الأمطار الغزيرة والثلوج على المناطق المرتفعة وأحدثت أضرارا في العديد من المناطق اللبنانية، وذلك وسط انخفاض شديد في درجات الحرارة.
ويؤكد البيروني أن ما لا يشجع عامة اللبنانيين على تعلم رياضة التزلج هو “كلفتها المرتفعة، رغم أنها من أضعف الأسعار مقارنة مع بقية الدول الأوروبية”، لكنّ المغتربين من اللبنانيين يفضلون بلادهم على جبال الألب في سويسرا أو فرنسا، لأن الأسعار مناسبة لهم، ويغتنمون الفرصة لزيارة العائلة والأصدقاء، كما يقول المغترب في فرنسا أنطوان الذي يعمل طبيبا، “كل سنة نأتي في موسم التزلج لنستمتع بهذه الرياضة عشر مرات على الأقل خلال العطلة التي تكون عادة أسبوعين أو ثلاثة، فنحن نستمتع وكذلك نأتي بالأولاد ليتعلموا هذه الرياضة من مدربين لبنانيين”.
ويجتذب موسم التزلج الكثير من السائحين العرب الذين يزورون المنطقة كل عام للاستمتاع بمنحدراتها مثل المتزلج السعودي رائد الذي يأتي مع عائلته منذ صغره لتعلم التزلج في منطقة فاريا، وهو يعود في كل سنة ليستمتع بأيام ممتعة كما يقول.
أما عبدالله وهو أيضا سعودي الجنسية، فقد حضر احتفالات رأس السنة وزار منطقة فاريا، لذلك عاد برفقة أصدقائه ليعيشوا أياما من التزلج في المنطقة التي استأجر فيها شاليه. ويقول عبدالله “عندنا فصل الشتاء أيضا، لكن موسم الثلج تأخر علينا، لذلك اخترنا أن نعيش أجواءه هنا بالقرب من بيروت التي نزورها في بعض الأحيان، فهي قريبة ولا تبعد إلا حوالي ساعة إلا ربع بالسيارة”.
وتقول مفيدة بوصباط (32 عاما)، تونسية مقيمة في لبنان منذ ثلاث سنوات، “في بلادنا يوجد الثلج في المناطق الغربية، لكن لا توجد نشاطات رياضية وأجواء سياحية كما في لبنان، وأنا أزور هذه المناطق مرات عديدة في الموسم الواحد، لكنني أختار الأيام الدافئة، لأنني لا احتمل البرد، كما أنني لا أمارس رياضة التزلج وأكتفي بمشاهدة المغامرين في هذه اللعبة وتسليني قفزاتهم، وأكتفي بصور السيلفي التي أنشرها على حسابي في مواقع التواصل الاجتماعي”. ولتنشيط الحركة السياحية في المرتفعات اللبنانية، ينظم الاتحاد اللبناني للتزلج على الثلج بطولة الدول الصغرى لفئات الرجال والسيدات والناشئين والتي انطلقت الخميس وتستمر إلى غاية 13 من الشهر الجاري.
وتبلغ مسافة السباقات الثلاثة السبيرنت 1.2 كلم، و5 كلم و10 كلم، بمشاركة متزلجين ومتزلجات من المجر وأرمينيا والبوسنة والهرسك وصربيا وتشيلي والأرجنتين ولبنان.
رامي ورائد هما أخوان يدرسان في الجامعة وقد اعتادا على ارتياد هذه المقاصد السياحية خلال الفترة الشتوية للتزلج، لكن هذه المرة سيتابعان البطولة التي يشارك فيها محترفون أجانب، هما لن يشاركا كما يقولان لأنهما ببساطة ليسا محترفين، ولكنهما مغرمان بهذه الرياضة لذلك سيقتصران على متابعة إبداعات المحترفين.
ويشار إلى أن الاتحاد الدولي لرياضة التزلج يضم أكثر من 100 دولة ومن بين هذه الدول توجد أكثر من 25 دولة تشكل اتحاد الدول الصغرى، ومن ضمنها لبنان، حيث يشغل أمين عام الاتحاد اللبناني ورئيس بلدية بشري فريدي كيروز منصب أمين صندوق اتحاد الدول الصغرى منذ سنوات عدة.
وإلى جانب النشاطات الخاصة برياضة التزلج توجد العديد من النشاطات الخاصة والرحلات التي تنظمها جمعيات من الأدلاء السياحيين لتعريف زوار مناطق التزلج بلبنان، بحيث يتمكن السائح من التعرف على لبنان الذي تكثر فيه الأماكن الطبيعية وتستهوي السائحين بروعتها وسحر جمالها.
طلّة العريس الأبيض في لبنان تبهج عشاق التزلج !!
11.01.2019