أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41135
النبيذ الأردني يعود محملا بنكهة العصور البيزنطية والرومانية !!
09.12.2018

الأردن عرف منذ قدم التاريخ صناعة النبيذ التي أثبتتها الحفريات، لكن هذه الصناعة توقفت، لتتكفل عائلتان بإحياء عصر العنب رغم العراقيل وإنتاج مشروب مميز قد يجد له مكانا على الخارطة العالمية للمشروبات الروحية
عمان – تسعى عائلتا زعمط وحداد الأردنيتان إلى وضع اسم الأردن على خارطة الدول المنتجة للنبيذ والمصدرة له، مع التأكيد على أنه نبيذ الأردن من أجود الأنواع وكان يصنع في هذا البلد حتى قبل المسيح، لكن مشوار العالمية لا يزال في أول الطريق.
يقول صانع النبيذ عمر زعمط الذي تدرب في فرنسا -وهو يدير مصنع زعمط الذي ينتج نبيذ “سان جورج”- إن “صناعة النبيذ في الأردن تعود إلى أكثر من 2000 سنة خلت، لقد ضاعت تماما منذ قرون، ومن مسؤوليتنا إعادة إحياء هذه الصناعة”.
ويقوم زعمط بجولة في مصنع “سان جورج” في سحاب بضواحي عمان الشرقية، ويضم المصنع حوالي 700 برميل من خشب البلوط، وهي براميل فرنسية الصنع معبأة بمختلف أصناف النبيذ.
ويروي “في عام 1996 شرعنا في إنتاج النبيذ واليوم نحن ننتج سنويا حوالي 400 ألف لتر، مع 30 نوعا من النبيذ بعنب صحي دون مواد كيميائية أو مبيدات”، مضيفا “ما زلنا في بداية الطريق، وحلمي أن يصبح النبيذ الأردني على الخارطة العالمية”.
لكنه يؤكد أنهم نجحوا في شق طريق خاص في صناعة النبيذ الأردني من خلال الاعتماد على الطرق الطبيعية تماما.
وحول صناعة النبيذ في بلد غالبية سكانه من المسلمين يقول إن “هذا هو أفضل إثبات (للرأي الذي يفيد بـ) أن الأردن بلد متسامح”.
ومن جهته يروي فراس حداد، مدير التسويق في شركة “معامل النسر للتقطير” التي تنتج نبيذ جوردان ريفر، “في عام 1975 أنشأنا أول مصنع متخصص في صناعة النبيذ وكنا ننتج نوعين، الأحمر والأبيض، ونأتي بالعنب من السويداء في سوريا، أما اليوم فنحن ننتج حوالي 45 نوعا، معظم شتلات هذه الأنواع جئنا بها من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا”.
ويضيف “نريد إعادة النبيذ الأردني -الذي كان يصنع على هذه الأرض 30 سنة قبل الميلاد- إلى الواجهة”.
ويؤكد عالم الآثار السويسري أويلي بلوالد الذي يعمل في منطقة بترا الأثرية منذ 27 عاما، أن الأردن عرف صناعة النبيذ قبل آلاف السنين. ويشير إلى أن الإنتاج تزايد كثيرا في العصر الروماني والعصر البيزنطي، مشيرا إلى أنه وجد في منطقة شمال بترا آثار “82 مصنع نبيذ” بعضها ضخم جدا.
وبحب حداد، فإن سبب تميز النبيذ الأردني هو “زراعة الكروم في محافظة المفرق، وهي واحدة من أكثر المناطق خصوبة في المملكة مع تربة بازلتية شهدت براكين قبل آلاف السنين، وتقع على ارتفاع 840 مترا فوق مستوى سطح البحر وتتمتع بمياه جوفية و330 يوما مشمسا في السنة”.
وتنتج الشركة حوالي نصف مليون زجاجة من النبيذ الأحمر والنبيذ الأبيض سنويا، وتصدر منها كميات محدودة إلى الخارج وقد حازت 96 جائزة منها خمس ذهبية من فرنسا وآخرها “تشالنج انترناسيونال دو فان” لعام 2016.
ويقول حداد “صدرنا شحنات إلى أستراليا قبل أشهر، والآن لدينا شحنة في طريقها إلى كاليفورنيا ولدينا شحنة أخرى ستتوجه قريبا إلى باريس”.
في محل التذوق “واين إكسبيرينس” الذي افتتحته شركة حداد المنتجة لنبيذ جوردان ريفر وسط عمان، علقت على الجدران صور لبراميل نبيذ وكروم خضراء وجوائز حصل عليها المصنع.
تقول السائحة الأسترالية الستينية بيغي التي كانت جالسة مع زوجها في المكان “لم نكن نعلم أن الأردن ينتج النبيذ… نحن مندهشون”.
ويقول السائح الفرنسي فريدريك الذي أمسك بكأس نبيذ أحمر “كانت مفاجأة بالنسبة لي عندما علمت بأن بلدا مثل الأردن ذي غالبية مسلمة ينتج النبيذ”.
وعائلتا زعمط وحداد مسيحيتان، لكن المشروبات الكحولية إجمالا تباع في الأردن بشكل علني.
ويرى فريدريك وبيغي أن سعر النبيذ الأردني مرتفع بعض الشيء.
ويقول زعمط “نبيذنا غامق ذو تركيز عال وغني الطعم. وبسبب قسوة المناخ (…) إنتاجنا ضعيف، وبسبب قلة الإنتاج نبيذنا يعد من أجود الأنواع، عنبنا مختلف له شخصيته، يقول لك أنا أردني”.
ويشرح قائلا إن صناعة النبيذ عملية معقدة وتحتاج إلى خبرات طويلة، مضيفا “لا توجد مؤسسات تساعدنا. أحيانا أضطر إلى السفر إلى فرنسا من أجل تحليل عينة من التراب”. ويضيف “كما أن الرسوم الجمركية مرتفعة تجعل من النبيذ مادة مكلفة، وبالتالي زجاجة النبيذ الأقل ثمنا يتراوح سعرها بين 15 إلى 20 يورو”.
وتزرع شركة زعمط 250 هكتارا (2500 دونم) بشتلات كروم فرنسية وإيطالية وبرتغالية في منطقة المفرق الحدودية مع سوريا.
ويقول عمر إن طقس وتربة وطبيعة الأردن تشكل عناصر مهمة لزراعة طبيعية خالية من المواد الكيميائية. وفي هذا المجال تم تطوير أساليب طبيعية للزراعة ابتداء من استخدام الغنم لشذب كروم العنب ونقل حشرة “أبوعلي” للتغلب على الحشرات الضارة. أما في مجال المياه فيتم اللجوء إلى عملية “التنقيط” للتوزيع المتساوي وغير المضر بالمياه.
وتصدر الشركة التي حصلت على 23 جائزة عالمية -ثلاث منها ذهبية بينها ميندوس فيني الألمانية- كميات بسيطة محدودة إلى دول عربية وأخرى أوروبية، بسبب “أجور الشحن العالية” والتي ترفع من سعر النبيذ الأردني التي لا تجعله قادرا على منافسات أنواع أخرى من النبيذ.
في مصنع “جوردان ريفر” الواقع في محافظة الزرقاء (23 كلم شمال شرق عمان) والذي يحوي أكثر من 500 برميل خشبي لتعتيق النبيذ تتراوح سعتها بين 200 و550 لترا، رسمت على الجدران صورة كبيرة للعاهل الأردني الملك عبدالله الذي يشجع هذه الصناعة التي مازلت فتية والبابا يوحنا بولس الثاني.
يقول مسؤول التصنيع علاء منصور الذي يعمل في المصنع منذ 24 عاما خلال جولته اليومية وهو يشم ويتذوق كأس نبيذ أحمر، “النبيذ ليس صناعة فقط بل شغف وحياة وفن، وحده الشخص الذي يحب النبيذ يستطيع أن يصنع النبيذ بطريقة ممتازة”.

1