*يعود تاريخ النبيذ في العراق إلى أقدم العصور حيث تظهر الخمر في أقدم أساطير حضارات العراق، مشروبا يرافق البشر منذ أول التاريخ.
العمادية (العراق) - على مدى ثلاثة أجيال، تتخذ أسرة موشي المسيحية من صنع النبيذ، في قبو منزلها الريفي بقرية قرب الحدود العراقية التركية، حرفة يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.
وأحدث من يتولى مسؤولية هذا العمل في شجرة الأسرة هو كوركيس إسحاق موشي البالغ من العمر 70 عاما.
وبدأ كوركيس صنع النبيذ الأحمر والأبيض منذ 60 عاما مع والده وجده، إذ يقوم بجني العنب وتنظيفه قبل عصره باليد أو القدم مع آخرين من أفراد الأسرة.
ويعود تاريخ النبيذ في العراق إلى أقدم العصور حيث تظهر الخمر في أقدم أساطير حضارات العراق، مشروبا يرافق البشر منذ أول التاريخ.
تعج آثار حضارات ما بين النهرين بمئات الألواح الطينية والقطع الأثرية التي تسجل طرق ووسائل صنع الخمر، وتصور مجالس الشراب، وآنية لشرب الخمر وتصنيعه.
وأحدث موشي ثورة في العملية التي تتم على نطاق ضيق عندما اشترى عصارة لسحق العنب وبدأ يبيع نبيذه لأصدقائه وجيرانه في قريته المسيحية الصغيرة النائية في العمادية بشمال العراق. كما يمد الكنائس المحلية بالنبيذ.
وقال “تعلمنا من أجدادنا صنع النبيذ، وأنا أعصر العنب نبيذا منذ خمسين سنة ومازلت اصنع النبيذ لكن تغيّرت الطريقة قليلا فقد كنّا نعصره باليد ونصفيه مرتين أو ثلاث مرات، نعصره حتى يكون خمرا جيدا نشرب منه ونبيع منه لمن يريد أن يشربه من أهل القرية”.
وتتم عملية تصنيع النبيذ على مراحل تبدأ بجمع العنب وغسله، ثم يوضع في آنية ويدق دون ماء، والآن أصبح كوركيس يضعه في الطاحونة، بعد ذلك يوضع العصير في مصفاة يدوية لتصفيته من القشور والبزر.
وبعد أن يتحوّل العنب إلى عصير نقي يضيفون إليه كميات من السكر والخميرة وتقع عملية التخليط، ثم يضعونه في آنية ويغطى بالقماش ليسهل على الخليط طرد الغازات أثناء عملية التفاعل ويترك لمدة عشرة أيام.
ويقول كوركيس، بعد مرور عشرة أيام يتحول العصير إلى نبيذ فنحوّله إلى إناء آخر حتى ننظفه من الرواسب التي خلّفتها عملية التفاعل السابقة، بعد ذلك نغسل البرطمان جيدا ونضع فيه النبيذ من جديد ونغطيه بالقماش مرة أخرى ونتركه لمدة يوم كامل لنجد بعض الرواسب لكن بكميات أقل فنتخلص منها بنفس الطريقة السابقة، ونكرر العملية مرة أخرى حتى يصبح النبيذ نقيا تماما.
ويشتهر العراق أيضا بصناعة العرق الذي يحبذه العراقيون كمشروب يومي لهم ولهم فيه طقوس وعادات، كما عرفت صناعة البيرة في بلاد ما بين النهرين منذ فجر الحضارات.
يقول كوركيس إننا مازلنا نصنع نبيذ الكنيسة بالطريقة اليدوية كما كان بفعل أجدادنا، مضيفا، “في السابق كنا نعصر النبيذ للاكتفاء المنزلي فنشربه في البيت في المناسبات، لكن الدنيا تطورت فطورنا صناعة النبيذ وصرنا نبيع منه”.
ويقول شيخ صناعة النبيذ في العمادية إن للنبيذ فوائد عديدة للقلب والأوعية الدموية وأمراض أخرى كثيرة، كما أنه يجعل من السهرات في العائلة أو بين الأصدقاء أكثر مرحا.
وتشير الدراسات إلى أن احتساء النبيذ مفيد لشرايين القلب، والأوعية الدمويّة ومعدّلات الكوليسترول في الدم والرئتين، وصولاً إلى دوره في مكافحة السرطان والسكّري. وتؤكد هذه الدراسات على كمية النبيذ التي يشربها الشخص لا يجب أن تكون أكثر من كاس في اليوم؛ وإلا يفقد الإنسان الفوائد الصحيّة وتنقلب إلى أخطار على الصحة.
وكشفت دراسة حديثة فوائد أخرى للنبيذ، إذ يحتوي على مواد مضادة للأكسدة الموجودة تساعد في المحافظة على صحة الجهاز الهضمي.
ويقول، إن تكلفة الزجاجة تبلغ 5 آلاف دينار عراقي (4.20 دولار) مع ارتفاع الطلب على النبيذ الأحمر.
وعندما يقرّر موشي التوقف فإن أولاده الثلاثة، الذين ساعدوه في جمع آخر محصول، على استعداد لتولي المسؤولية بعده.
وشرب أهل العراق الخمر منذ قديم الزمان، حيث عرفه السومريون والآشوريون والبابليون ويعتقد بعض الباحثين بأن السومريين كانوا أول من توصّل إلى صناعة البيرة، لكن العراقيين يفضلون اليوم العرق ويسمونه بحليب السباع لأن العرق بعد إضافة الماء له يصبح بلون الحليب.
يذكر أن محلات صنع وبيع المشروبات الكحولية في العراق تراجعت منذ 2003 وأصبحت صناعته وترويجه جريمة بحسب القانون العراقي، لكنها لم تتوقف بشكل نهائي إذ يصنعونها في البيوت ويبيعونها بعيدا عن الأعين!!
النبيذ في العراق مازال يحتفظ بوصفة الأجداد !!
05.10.2018