جربة (تونس) ـ في جزيرة جربة التونسية، يشكّل لباس النساء وثيقة هوية تكشف عن أصولهن ومكان سكناهن، سواء كنّ عازبات أو متزوجات.
ففي ذلك المكان الساحر الواقع جنوب شرقي البلاد، ترتدي النساء “البسكري” أو “الملحفة”، بتفاصيل تكون في الغالب محددة للمناسبة أو للوضعية العامة، في تقليد توارثته نساء الجزيرة منذ المئات من السنين.
والبسكري هو كساء تلبسه نساء الجزيرة، وخصوصا في المناسبات، يلبس ويُلفُّ على كامل جسد المرأة، ويحمل في تفاصيله تراث المنطقة، وتختلف أنواعه باختلاف الخيوط المنسوجة بكل قطعة، حيث يستعمل الحرير وتضاف إليه أحيانا خيوط الفضّة.
أما الملحفة الجربية فتلبسها المرأة عند الخروج من البيت، ولا تختلف كثيرا في مستوى لباسها عن البسكري، فهي لحاف يستر كامل جسدها، وعادة ما يكون لونه أبيض ناصعا أو أحمر قانيا، وتتميز عن البسكري ببساطتها من حيث الألوان والزينة.
تتميز الملابس التقليدية النسائية في جزيرة جربة التونسية بالكثير من الخصوصيات، فهي تختلف عن بقية اللباس التقليدي المنتشر في البلاد التونسية، إضافة إلى أنها مختلفة داخل الجزيرة من منطقة إلى أخرى، ومن جهة إلى أخرى، كما أنها تختلف أيضا حسب الاستعمالات، فمنها اللباس اليومي الذي يستعمل سواء داخل المنزل وفي “الحارة” أو للخروج إلى الشارع، وهناك ملابس للمناسبات باختلافها، إذ أن التنوع في الملابس جعل صناعة المنسوجات في الجزيرة تحتل حيزا مهما من حياة نسائها وحرفييها المختصين.
سوسن اللويزي، إحدى نساء الجزيرة، تقول إن المرأة الجربية تلبس 5 أنواع من اللحاف وهي الِبليري والفوطة والملحفة والرداء والبسكري.
ويكمن الفرق بين هذه الملابس في اختلاف الألوان والعديد من التفاصيل البسيطة الخاصة بطريقة اللباس.
وأوضحت اللويزي أنّ “البسكري تلبسه النساء في الأفراح، أما الِبليري فيلبس أيام الحداد، وعادة ما يكون لونه أحمر، والفوطة تلبسها النساء لتقديم العزاء”.
وتروي الأسطورة أن تسمية البسكري تعود إلى مدينة بسكرة الجزائرية، مصدر القماش الحريري، لتتحول إلى أحد أهم عناصر التراث الحرفي في جزيرة جربة.
يقول صانع البسكري الموجود بحومة السّوق إنّ هذه الصناعة قدمت إلى جربة من الجزائر تقريبا سنة 1920.
أما بخصوص الملحفة فتقول اللويزي إن المرأة الجربية ترتديها أثناء خروجها من البيت إلى السوق، فيما تلبس “الرْداء” (يسمى أيضا “الحولي”) في البيت، ويمكن أن تخرج به إلى الأماكن القريبة مثل بيوت الجيران”.
وتطورت الملحفة الجربية بتقدم الزمن فأصبحت المبدعات في صنعها يواكبن العصر إذ أُضيفت إليها الرسوم والعقيق وأصبحت الخطوط الحمراء ملونة بل تحولت من لباس فضفاض إلى لباس مخاط حسب الرغبة (فستان، تنورة، سروال، وقميص…)، علما وأن الملحفة تلبس معها المظلة لتكون متكاملة.
وعند موت أحد سكان الجزيرة بالإمكان تمييز أسرة الميّت عن بقية الموجودين في المكان، وذلك من خلال اللباس الأحمر الذي ترتديه النساء.
كما يمكن التمييز بين نساء الجزيرة أيضا، بحسب لون الملحفة التي يرتدينها عند الخروج للتسوّق، أو من خلال التفاصيل الموجودة في البسكري الذي يلبسنه في المناسبات السارة.
ووفق الوليزي ترتدي المرأة في مدينة قلالة بالجزيرة -والمعروفة بأنها مدينة أمازيغية- ملحفة كاملة البياض.
أما في منطقة الماي على بعد نحو 10 كيلومترات عن مركز الجزيرة، فترتدي النساء الملحفة المميزة بالخيوط العمودية والمزينة باللون البرتقالي.
وفي منطقة مليتة الواقعة على بعد نحو 7 كيلومترات عن مركز الجزيرة، تلبس النساء ملحفة “الزويزات” المميزة بالخطوط الصفراء الرقيقة جدا.
وفي مدينة ميدون (على بعد 20 كيلومترا عن الجزيرة) يرتدين ملحفة زرقاء اللون.
ومن المميزات الأخرى التي تشكل خصوصية لباس المرأة في الجزيرة أن النساء في منطقة الماي يشددن أحجبتهن باستعمال جزء من اللحاف تحت الرقبة، فيما تضع النساء في منطقة سدويكش (على بعد 30 كلم عن الجزيرة) طرحة الحجاب على الجهة اليسرى للرأس.
ورغم التطور الكبير الحاصل في الموضة فإنّ المرأة الجربية تحافظ حتى اليوم على لباسها المميّز، في خصوصية يمكن أن تُلاحَظ من خلال جولة صغيرة داخل أسواق المدينة.
ويُعتبر البسكري في جزيرة جربة جزءا أساسيا من جهاز العروس المقبلة على الزواج. وعلى الرغم من طابعها السياحي وانفتاحها على العالم حافظت الجزيرة على خصوصياتها في الحرف التقليدية، ورسخت صناعة البسكري جذورها، وصارت ميزة أصلية لا تغيب عن حلي النساء وحفلات الزواج، وتجلب اهتماما متزايدا من قبل الوافدين من مختلف أنحاء العالم.
يقول شكري الطبجي -وهو حرفي بالجزيرة- “خلافا لبقية المناطق الأخرى في تونـس، حـافظت جربـة على لباسها التقليدي”.
ويضيف الطبجي أن سكان الجزيرة يتهافتون بشكل كبير على شراء البسكري، خصوصا أثناء موسم الأعراس.
وخلافا لصناعة الزربية، تجري حياكة البسكري بشكل أفقي، ويسمى القائم بهذه الحرفة “حوكيّا”. وتُطلب من الحوكي الدقة الكبيرة في التعامل مع الخيوط الموجودة أمامه على طاولة الحياكة.
ويستغرق إنجاز البسكري (يتراوح طوله بين 3 و4 أمتار) ما بين 15 و30 يوما من التركيز والعمل المتقن للرداء الواحد. ورغم قلة اليد العاملة المختصة في هذا المجال يسعى الطبجي إلى تكوين جيل آخر من الحرفيين، يكون قادرا على الإبداع في هذا المجال الذي يعتبره “الأرقى دون ريب”.
ويتراوح سعر البسكري بين 350 دينارا (ما يعادل نحو 144.6 دولار) و1.600 دينار (661 دولارا).
وتختلف الأسعار بحسب الزينة الموجودة في كل قطعة، وبحسب المواد المستخدمة فيها. ويتابع الطبجي “نحاول تطوير المواد المستعملة، مثل الحرير والفضة أو دمجهما معا في قطعة واحدة”.
وبمرور الوقت نجح حرفيو البسكري في تطويره من شكله القديم إلى آخر جديد يتماشى مع تطور العصر، دون التنازل عن خصـوصيته التـراثية المـميزة لـهذا المنتوج.
اللباس التقليدي للنساء التونسيات في جربة هوية وموضة !!
17.04.2018