الرياض - الربابة آلة موسيقية تحرك بأنغامها وألحانها أحاسيس ومشاعر البدو في دول الخليج والشام، وعرفت بكثرة استعمالها من قبل الشعراء المداحين وهي السمة البارزة في مجالس شيوخ البادية.
ويكمن سر تعلق أهل البادية بهذه الآلة كونها تتناسب مع طبيعة البادية من حيث صنعها وملاءمتها للمناخ الصحراوي.
ففي الزمن القديم لا يخلو بيت شعر أو خيمة بدوية من الربابة، تراها معلقة على واسط الخيمة أو بيت الشعر، ويكثر استخدامها في السهرات اليومية في خيمة أحد الوجهاء، حيث يقوم أحد البارعين في العزف على الربابة لإمتاع الحاضرين وينشد مع العزف قصائد الشعر التي تتناول الكرم والمروءة والفخر بالعشيرة وحماية الجار ورد الظلم والعدوان والدعوة إلى التسامح والصفاء بين القبائل والعشائر.
الفنون غذاء روحي ضروري في حياة الإنسان، حتى الحيوانات تطرب للموسيقى والإيقاع، فالإبل تطرب للحداء، كما تطرب الأغنام والماعز لأصوات الأجراس وتطرب الخيل لأصوات الفرسان وصيحاتهم. وقد بدأ البدوي أداة طربه من الجلد والشعر، فصنع آلات الإيقاع ثم ربط بها شعرا طويلا، فحركه فكان له صوت وكانت الربابة عند العرب تعزف لحنها المتواصل إلى اليوم رغم أنها أصبحت مهددة بالاندثار
ورغم أن العزف على الربابة بدأ يتراجع وصوتها يخفت في السنوات الأخيرة لعدم إقبال الشباب على تعلمها، إلا أن عشاقها مازالوا يتمسكون بألحانها أمام انتشار أنماط موسيقية جديدة تستهوي الشباب العربي.
ويقول عازف الربابة عبيد بن عايش الرشيدي (52 سنة) من السعودية، “إن الربابة رفيقة دربي كما كانت رفيقة أهل البادية قديما عند المناسبات والأعياد في حلهم وترحالهم”.
ويضيف أن الربابة آلة موسيقية قديمة ذات وتر وحيد، أول من أوجدها العرب الرحل في الجزيرة العربية، وهي من التراث البدوي، وأكثر من يستعملها شعراء المدح، وتكاد تكون الأداة الفاعلة في مجالس شيوخ البادية.
ويفسر البعض تعلق البدو بها، لأنها تتناسب مع طبيعة البادية من حيث مكونات صنعها وملاءمتها للمناخ الصحراوي، إذ تصنع من الأدوات البسيطة المتوفرة لدى أبناء البادية، كخشب الأشجار وجلد الماعز أو الغزال وشعر الفرس.
وعن أجزاء الربابة يبيّن الرشيدي أنها مكوّنة من الهيكل الذي هو عبارة عن عصا طويلة تسمى عُنق الربابة ويُركب عليها وتر الربابة، كما يُثبت في أسفلها طارة، وفي أعلاها مجرى يُثبت بها “الكراب” الذي يعمل على شدّ الوتر من أسفل العصا لأعلاها مارا بطارة الربابة.
ويشير إلى أن أفضل الجلود التي تصنع منها الربابة هو جلد الذئب الذي يعد الأقوى والأغلى في السوق، وكذلك شعر ذيل الحصان الذي يصنع منه وتر الربابة ووتر القوس.
ويرى البعض من عشاق الربابة أنها انتقلت مع العرب إلى الأندلس ثم إلى أوروبا وكان ذلك حوالي القرن الحادي عشر الميلادي، بل يعتبر البعض أنها الجد الشرعي لجميع ما يعرف اليوم من الآلات الموسيقية الوترية التي يعزف عليها بواسطة الأقواس.
ويحتاج العزف على الربابة إلى أجواء خاصة مثل الجلوس بالقرب من النار في الصحراء، أو في البيت البدوي «بيت الشعر»، بحضور حلقة من الشباب والشعراء.
ويقول الإماراتي سعيد العويسي أحد الشباب المحافظين على أداء فن الربابة، “مساء بعد الانتهاء من معاينة الإبل وتغذيتها، يجلس الرجال والشعراء ضمن أمسية يحيونها بقصائد المدح والغزل، تتخلل هذه الفترة وصلات غنائية على أوتار الربابة، كما يمكن استخدام قصائد كبار الشعراء وتلحينها، بشرط تداخل الألحان مع الكلمات بطريقة منسجمة خالية من نشاز الصوت أو وتر الربابة”.
ويتذكر أيام زمان قائلا “لعل أبرز ما كان يميز أيام زمان هو اجتماعنا الدائم مع الأهل والأقارب بمناسبة ودون مناسبة، حيث كنا نتسامر ونتبادل الأخبار والنكت وكان يزيد السهرة سرورا قيام أحد الأقارب بالعزف على الربابة مما يطرب القلوب ويبعث البهجة”.
ويرى البعض أن هذا النوع من الفن والأطوار الغنائية انتهى بسبب التطور التقني السريع وانفتاح الشباب.
ويقول الطالب الكويتي جاسم البلوشي (20 سنة)، “نحن الآن في القرن الحادي والعشرين، ولا أعتقد أن هنالك الكثير من الشباب مازال يستمع إلى هذا الغناء القديم، وإن وجدوا فهم قليلون جدا، فجيل الشباب في الخليج متأثر بالحياة التقنية الجديدة، حيث نرى أن التكنولوجيا الحديثة غزت كل بيت وأصبح العالم قرية صغيرة بفضل خدمات الاتصال والإنترنت، مما أدى إلى عزوف الشباب عن الاستماع إلى الموسيقى البدوية القديمة”.
ويضيف “نفضل أنا وبعض أصدقائي متابعة الأغاني الحديثة والغربية حتى وإن لم نستطع فهم كلماتها، حيث نقضي معظم أوقاتنا في تصفح الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للاطلاع على ثقافات الشعوب والتواصل مع العالم الخارجي”.
ويرى أن شريحة كبيرة من الشباب غالبا ما تتأثر وبسرعة بالموسيقى والفنانين الغربيين، حيث يصل البعض منهم إلى “تقليد المطربين من خلال قصّات شعرهم وأزياء ملابسهم وحتى طريقة مشيهم”.
وفي المقابل مازال بعض الشباب متعلقا بموسيقى الربابة معتبرينها هوية عربية تتميز عن بقية الموسيقات الأجنبية.
ويعبر الشاب السعودي عبدالله بدري عن محبته لصوت الربابة والغناء البدوي، حيث يحتوي هاتفه المحمول على عدد كبير من الأغاني البدوية، إضافة إلى ما تحويه مكتبته الخاصة من أشرطة صوتية لمعزوفات وأغان على آلة الربابة.
ويعتبر “أن الغناء والعزف على الربابة موروث ثقافي توارثته الأجيال ويتميز ببساطة وعذوبة ألحانه وإن غلب عليه الحزن والشجن، بعكس ما نراه ونسمعه من الأغنية الحديثة التي تتسم بالسرعة فضلا عن كلماتها البسيطة حد السذاجة”.
ولصوت الربابة عشاقها من الأجانب، فالشاب الأندونيسي عبدالرحيم المقيم بالسعودية يتردد منذ سنوات على جناح منطقة الجوف المشارك بمهرجان الجنادرية؛ وذلك فقط من أجل سماع صوت جرّة الربابة الذي تقدمه منفردة كل عام منطقة الجوف ممثلة بالشاعر محمد حضوان العازمي، والتي يجذبه صوتها ويشدّه حنينها الخارج منها أثناء العزف عليها من شاعرها، فجعلته زائرا دائما لجناح الجوف لمدّة تتجاوز الثلاثة مواسم.
ويقول عبدالرحيم “إن صوت عازف الربابة شجيٌّ ومتناغم مع الحنين المنبعث من ربابته، وهو ما أثار إعجابي ودهشتي، الأمر الذي دعاني لأطلب من منشدها تعليمي طريقة العزف عليها ومساعدتي في ذلك!!
الربابة في الخليج تعزف لحن الخلود!!
03.04.2018