أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
سياقة التاكسي مهنة تليق بالنساء في تونس !!
08.03.2018

خدوجة سائقة سيارة أجرة خبرت نقل الركاب بكل لطف وتؤكد أن الرجال يعتقدون أن المرأة تجهل مخاطر الطريق.
تونس - بابتسامة لا تفارق محياها، تتوقف سائقة سيارة الأجرة في أحد شوارع العاصمة التونسية، لتطل من نافذة العربة برأسها مُؤْذنة للركاب بالصعود، قبل أن تضغط على زر تشغيل عداد الأجرة، وتنطلق بالوجه المشرق ذاته.
خدّوجة بن سليمان، تونسية اختارت مجالا كان حكرا على الرجال، متحدية جميع ما تطرحه مثل هذه المهنة من صعوبات، لتختار بذلك كسر المألوف، وصنع مسيرة مهنية استثنائية مستمرة منذ 32 عاما.
في تمام الساعة السادسة من صباح كل يوم، تغادر خدوجة منزلها بمحافظة منوبة غرب العاصمة التونسية، لتبدأ يوما جديدا مفعما بالنوادر، وبالصعوبات أيضا كغيره من الأيام.
سياقة التاكسي مهنة استولى عليها الرجال في عالمنا العربي، لكن بعد أن غزتها النساء بدت هذه المهنة كأنها مهنة نسائية بامتياز؛ لأنها تتطلب الأناقة واللباقة والحرص على السلامة والأمان، وهي خصائص تحرص عليها النساء في المهن التي عرفن بها كالتمريض، فسائق التاكسي الذي نراه اليوم في تونس لا يمتلك من هذه الصفات شيئا إلا القليل
رحلة عمل يومية دأبت خدوجة القيام بها منذ 32 عاما، وتنتهي في الثالثة أو الرابعة مساء، لتعود في نهاية اليوم إلى منزلها، محمّلة بقصص جديدة ونوادر غالبا ما لا تخلو منها رحلاتها عبر مختلف مناطق العاصمة.
تقول خدوجة “أردت مثل غيري من نساء هذا المجال إظهار أن المرأة التونسية والعربية عموما، قادرة على أن تكون فاعلة في مختلف القطاعات المهنية”.
وأضافت قائلة “لا شيء يمنع المرأة من أن تمتهن جميع المهن حتى تلك التي يعتبرها البعض صعبة، أو التي احتكرها الرجال”.
وبعودتها إلى البدايات، وتحديدا إلى سنوات عملها الأولى (منتصف ثمانينات القرن الماضي)، تذكّرت أن البعض كان يرفض ركوب سيارتها، وخصوصا الرجال وكبار السّن الذين كانوا يعتقدون أنها لا تتقن السياقة، وأن الرحلة معها غير مضمونة العواقب.
مواقف غالبا ما تدفعها إلى إبرام اتفاق طريف -كما تقول- معهم، لتقترح عليهم إيصالهم إلى وجهاتهم، وفي حال عدم رضاهم عن الرحلة لن تتقاضى أجرا عن عملها.
أسلوب قالت إنها وجدت نفسها مضطرة إلى تبنيه، في محاولة لتغيير الصورة النمطية التي كان الناس يحملونها، حينها، عن النساء ممن يقررن اكتساح عالم اعتُبر حكرا على الرجال.
ففي الفترة التي بدأت فيها خدوجة عملها، لم يكن هناك الكثير من النساء ممن يجرؤن على خوض مغامرة مماثلة، ما جعلها بمثابة “نشاز” يكسر مشهد سيارات الأجرة الصفراء التي تزدحم بها شوارع العاصمة التونسية.
لكن بمرور الوقت أضحى وجود امرأة وراء مقود سيارة أجرة من الأمور العادية في مختلف أنحاء تونس، غير أن المهنة بالنسبة للنساء لا تزال تحتفظ ببعض المخاطر.
والمرأة على عكس ما يعتقد الرجال تتقن فنون السياقة وتطبق قواعد المرور بحرفية لتصل وتوصل الركاب بسلامة وأمان، هذا إلى جانب أناقتها وحسن تواصلها مع من يركب معها فهي لطيفة في محادثاتها قليلة الكلام حين تكون مع من لا تعرفه لذلك تعتقد أغلب سائقات التاكسي أن المهنة خُلِقت لهن رغم ما يعانينه من نظرة المجتمع.
صعوبات بالجملة تواجهها مهنة سياقة سيارات الأجرة، وفق خدوجة التي تابعت قائلة “هذه المهنة ليست هيّنة بل شاقّة وتتطلب يقظة شديدة”.
وأضافت “أنا أجهل هوية الركاب، وأحيانا أخشى أن يصعد شخص تحوم حوله شبهات، وقد أكون معرضة لعملية سطو أو اعتداء، وهذا ما يجعلني في أحيان كثيرة أنتقي الركاب، ولا أشتغل لساعات متأخرة من الليل”.
فهذه المهنة تتطلب “نفسا طويلا وصبرا جميلا”، وهذا ما يجعل الاستمرار فيها أمرا صعبا، ويتطلّب عزيمة وإرادة قوية.
وتطالب خدوجة السلطات المعنية بـ”إيلاء سائقي التاكسي المزيد من الاهتمام، وأيضا بالمزيد من تأمين عملهم”، خاصة في ظل الغياب الأمني الذي تشهده البلاد منذ سنة 2011.
حين قررت خدوجة اكتساح عالم سيارات الأجرة في بلادها لم يكن هناك الكثير من التونسيات اللاتي اتخذن قرارا مماثلا، وفي هذا السياق تقول “هناك نساء تونسيات سبقنني في هذا المجال لكن العدد في تلك الفترة كان ضئيلا جدا”، مضيفة “وهو ما دفعني وشجعني على خوض غمار هذه التجربة التي أعتبر أنها بمثابة المغامرة والتحدي، قبل أن تتوالى السنوات لتصبح مهنتي كل شيء في حياتي”.
ودعت السيدة التونسية جميع النساء إلى اختيار المجال الذي يعشقنه مهما كانت صعوبته، وأن يتحدّين نظرة المجتمع، وعدم الاهتمام بما يقوله الآخرون، والتركيز على تحقيق النجاح في ما يقمن به.
وتابعت “إذا عملت المرأة بإخلاص وإتقان بحثا عن قوت يومها، فستنجح حتما وستحقق ذاتها، وهذه رسالتي لكل نساء تونس والعالم في عيدهن”. ومنذ 1945، تحتفي نساء العالم في 8 مارس (اليوم العالمي للمرأة) من كل عام بما حققنه من مكتسبات.
ورغم النجاح الذي حققته خدوجة في عملها، إلا أنّها لم تتخلص حتى اليوم من تلك النظرة النمطية التي يرمقها بها بعض الرجال، نظرة تعتبرها خدوجة “بدائية”، ولم ترتق إلى درجة احترام المرأة باعتبارها كيانا ذا أهمية من حيث أدوارها في أسرتها وفي مجتمعها بشكل عام.
وبالاستياء ذاته تقول خدوجة “أغلب الرجال يعتبرون أن المرأة التي تقود سيارة عموما تجهل قواعد الطريق، ما يجعلهم لا يتقبّلون حتى مجرد أن تتجاوزهم في الطريق، بل يرون في ذلك تعديا على كرامتهم”.
وبخصوص علاقتها ببقية سائقات الأجرة في بلادها، قالت إنه لا يجمعها بهن “سوى الطريق، في ظل غياب جمعيات أو هياكل مدنية يلتقين من خلالها أو يتواصلن بشأن مسائل تهم القطاع أو تخص حقوقهن”.
أما عن تفاعل النساء مع عملها، فتقول إنهن يسعدن كثيرا حين يكتشفن أن السائق امرأة، ويتحدثن إليها دون تحفظ، بل يحدث أن تنشئ مع الكثير منهن علاقات صداقة تستمر وقتا طويلا.

1