بقايا الزيتون بعد عصره وإقبال الناس عليه بسبب ارتفاع أسعار المحروقات يدفع بأصحاب المعاصر إلى وضع تلك الصناعة في صلب اهتمامهم.
بيروت - تقلبات أسعار المحروقات وخصوصا المازوت دفعت بالفئات الشعبية وذوي الدخل المحدود في الأرياف، إلى التفتيش عن بدائل أقل كلفة لتأمين الوقود، حيث تحتاج العائلة إلى حوالي ثمانية براميل مازوت سنويا لمواجهة البرد والصقيع، وتتفاوت هذه الكمية حسب موقع البلدات والقرى وارتفاعها عن سطح البحر.
استعمال الحطب للتدفئة يؤثر أيضا على البيئة، إنْ لجهة تلوث الجو أو لجهة قطع الأشجار الغابية لتأمين الوقود مجانا، وهناك من يتخذ من قطع الأشجار مهنة للتجارة بحطبها.
مشكلة التدفئة أثارت نقاشات عديدة خاصة وأن الاحتطاب يؤثر على البيئة والثروة الغابية، لكنها أدت إلى البحث عن مصادر أخرى للتدفئة مع الحفاظ على البيئة والاستفادة من موارد طبيعية أخرى، تهدر عشوائيا.
ابرز هذه المصادر هو جِفت الزيتون (بقايا الزيتون بعد عصره) الذي يحوّل من فتات متناثر إلى قطع حطبية متساوية الأحجام والأوزان، عبر معالجتها في آلة خاصة سميت بـ"معمل الحطب الصناعي"، لتغدو بعدها جاهزة للاستهلاك المنزلي بفارق هام في السعر مقارنة بالمازوت.
وتمر عملية تصنيع ذلك الحطب الغني بزيت الزيتون بعدة مراحل، تبدأ بتجميع الجفت، ومن ثمّ عزله ليخضع بعدها للتخمير على مدى أربعة أشهر، وفي مطلع شهر يونيو تنطلق عملية التصنيع، ويتميز حطبه بسرعة اشتعاله مع طاقة حرارية قوية اللهب، الأمر الذي جعله يلاقي رواجاً في الأسواق الشعبية، حيث يتزايد الطلب عليه من سنة إلى أخرى، خاصة مع مطلع فصل البرد، ما دفع بأصحاب المعاصر إلى وضع تلك الصناعة في صلب اهتمامهم، فعملوا على تزويد معاصرهم بالماكينات المخصصة لصنع الحطب من الجفت.
تجارة حطب الجفت تأثرت بأسعار المازوت بطريقة معاكسة صعودا ونزولا، وقد يصل الفرق إلى نسبة خمسين بالمئة
يشرح صاحب معصرة زيتون زياد الكفروني كيفية صناعة هذا الحطب وتجارته وأهميته كوقود بديل، فيقول، “بدأت الفكرة انطلاقا من مجموعة عوامل عامة وخاصة، أبرزها التصريف السريع للجفت الذي يحتاج تخزينه إلى مساحات واسعة، إضافة إلى إنتاج سلعة تجارية جديدة بأسعار أفضل مما كنا نحصل عليه عند بيعها دون تصنيع، وما شجعنا أكثر هو ظهور سوق تصريف حطب الجفت، بعد ارتفاع أسعار المحروقات منذ عدة سنوات، وهذا ما دفع بالمواطنين إلى التفتيش عن حلول بديلة، خصوصا أن تجارة حطب الأشجار باتت مقيدة بعد التشدد في ممارستها من قبل السلطات المختصة”.
ويضيف، “انتشار حطب الجفت يساهم في الحفاظ على البيئة والأشجار الغابية النادرة”.
ويشير الكفروني إلى أن “سعر طن الجفت قبل التصنيع كان في حدود أربعين دولارا أو أكثر بقليل، إذا كان محصول الموسم ضعيفا، ويتدنى إلى ما بين 10 و15 دولارا إذا كان محصول الموسم وافرا، بينما يصل سعر الطن المصنع حطبا إلى حدود 130 دولارا”.
ويوضح، أن “الإقبال على شراء حطب الجفت كان ضعيفا في بداياته، إلا أنه تزايد عاما بعد عام، وهذه السنة كان الإقبال جيدا”.
ويتابع، “نلاحظ أن الإقبال يتحسن باستمرار، وقد انتشرت هذه الصناعة في الكثير من المناطق العكارية التي توجد فيها معاصر الزيتون”.
ولفت الكفروني إلى تأثر تجارة حطب الجفت بأسعار المازوت بطريقة معاكسة صعودا ونزولا، وقد يصل الفرق إلى نسبة خمسين بالمئة.
وعن التلوث الناجم عن احتراق الجفت في المواقد المنزلية، أوضح أن “المسألة تتعلق بمستوى جفاف هذا الحطب، فعندما يكون جافا كما يجب، فإن رائحة احتراقه تكون معدومة، وبالعكس في حال كان الحطب رطبا”.
وتقول أم علاء ربة بيت حول اختيارها لهذه المادة “لأن الجفت الممتاز يشتعل بسرعة ويعطي نارا قوية جدا، والدخان المنبعث منه خفيف بالمقارنة مع دخان الحطب أو المازوت، أما الرائحة التي تنبعث منه فهي أقل ضررا من نفخة مدفأة المازوت، لكن المشكلة الوحيدة تتمثل في عدم قدرة المدفأة الخفيفة المعادن، أي الرقيقة، على مقاومة قوة النيران، التي تحوّل لهب المدفأة في دقائق إلى اللون الأحمر. وذلك يعني أن المدفأة يمكن أن تتعطل خلال عام فقط”.
وعن إمكانيات إدخال عناصر أخرى مع الجفت مثل بقايا الأخشاب والورق وما شابه، قال الكفروني، “إن هذا الأمر غير متوفر حاليا لعدم وجود آلات خاصة بذلك، وإن توفرت فإن أسعارها غالية جدا وتفوق قدرتنا على توفيرها”.
ولا تقتصر مصادر الوقود البديل في الأرياف على حطب جفت الزيتون، فهذه الشجرة المقدسة والمعطاء، يمكن أن تقدم عنصرا آخر منها وهو الأغصان التي لا تحتاجها، من خلال عمليات التنقية والتشذيب.
يقول جرجس الحلو معلم التنقية والتشذيب الذي يمارس هذا العمل منذ عشر سنوات، حول كيفية التشذيب وكمية ما ينتج عنه من حطب وأخشاب، في الموسم الذي يبدأ مباشرة بعد الانتهاء من قطاف الزيتون، “إن هناك نوعين من التشذيب، تنقية الأشجار من الأغصان اليابسة الفائضة، والتشذيب الكبير الذي يطال أغصانا باتت تشكل ضغطا على الشجرة ويؤثر على عملية تغذيتها وبالتالي يخلف ضررا بكمية الإنتاج”.
ويضيف، أن “عملية التنقية تجري سنويا، لتجديد الشجرة، وتنجم عنها كمية كبيرة من الأغصان التي يمكن استخدامها في التدفئة”.ويتابع “في السابق كانت بقايا التشذيب مادة أساسية في المنزل لاستعمالها وقودا في الطبخ وفي تنور صناعة الخبز البلدي، واليوم انتفت هذه الحاجة مع توفر الوقود النفطي بكل أشكاله”.
مصادر أخرى يمكن الاستفادة منها في تصنيع الحطب، وهي عمليات التنظيف للبساتين والطرقات العامة من الأعشاب الطفيلية والتي يتم إتلافها بالحرق أيضا، لأنها تشكل خطرا عندما تجفّ في الصيف وتتسبب في إحداث الحرائق.
مصدر آخر هو الكرتون والأوراق التي تتصرف بها السوبر ماركت والمحلات التجارية، بطريقة عشوائية وأغلبها ينتهي في مكبات النفايات.
وتقول نجوى يوسف، موظفة في أحد المخازن الكبرى، “إن عملية التصرف في علب الكرتون الفارغة والأوراق التي تبقى بعد حفظ المواد، تشكل عبئا قبل أن تبدأ البلديات بجمعها. وتفتقر الأسواق اللبنانية إلى المعدات اللازمة لتصنيع هذه المواد وتحويلها إلى حطب للتدفئة وإلى فحم عضوي. والآلات التي تقوم بهذه المهمة ضخمة وأسعارها باهظة، وتحتاج إلى مؤسسات لاستقدامها وتشغيلها وتتطلب تأمين إطار بشري يتولى جمع المواد من مصادرها إلى مكان تصنيعها!!
جفت الزيتون يقي العائلات الفقيرة في لبنان من برد الشتاء!!
28.01.2018