أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
الأعراس الصيفية في المغرب توائم بين التقليد والمعاصرة!!
17.08.2017

لا تزال العديد من العادات والتقاليد متوارثة في أعراس الشعب المغربي رغم دخول بعض المظاهر العصرية في الأفراح وخاصة لدى الطبقات الغنية والمتوسطة، ومن هذه التقاليد من يراها غريبة بل باعثة على الضحك وخاصة من أهل المشرق مثل هدية قوالب السكر التي يصل وزنها بالكيلوغرامات
الرباط – العرس في المغرب سلسلة من الحلقات منها الخطوبة وليلة الحناء وعملية الدفوع قبل ليلة الدخلة وهي عملية تقديم هدايا مالية للعروسين لمساعدتهما على تكاليف العرس، وكذلك هدية قوالب السكر التي يحملها أقارب العريس إلى العروسة في الخطبة، وتختلف هذه العادات من منطقة إلى أخرى، فالعرس الرباطي يختلف عن العرس الفاسي والعرس في المناطق الجنوبية، لكن بعض المظاهر العصرية للعرس بدأت توحد احتفالات الزواج في كل المملكة.
وتبدأ تحضيرات العرس عند أول لقاء بين أهل العروسين، ويتم الاتفاق على كل التفاصيل من شبكة وملابس العروس وحفلة العرس وما إلى ذلك من جزئيات صغيرة وكبيرة.
عادات لا يعرفها المشارقة
بعد موافقة أهل الفتاة على الشاب الذي تقدم لخطبتها، يقدم الخطيب هدية لخطيبته تتكون من كسوة وسكر وحناء، بالإضافة إلى بعض أنواع الطعام.
ويعتبر السكر ركنا أساسيا في هدية العروس، لا يزال جميع المغاربة يحرصون على هذا العرف مهما اختلف المستوى المادي والاجتماعي لأهل العريس.
ويشترط أن يكون وزن قوالب السكر ما يساوي 64 كيلوغراما، وإذا نقص الوزن أو زاد كان ذلك فألا سيئا. وعندما يرفض أهل الخطيبة الخطيب تعاد قوالب السكر إلى أهل الخاطب، وهذا يعني رفض أهل البنت زواج ابنتهم من المتقدم لها.
ومن العادات الأخرى التي يراها المشارقة غريبة، حمل العروس على هودج يسمى في المغرب عمارية، ويطوف حوله راقصون يرتدون الزي التقليدي المغربي، ويعود أصل هذه العادة إلى فترة ما قبل دخول الإسلام حيث كان الأفارقة والأمازيغ يحتفلون بعروسهم بهذه الطريقة وكأنها غنيمة اجتهدوا في الحصول عليها.
وتعزف للعروسين في زفتهما فرقة موسيقية شعبية تسمى “الدقاقية” فتعلو أصوات طبولهم وأهازيجهم الدارجة إلى الهزيع الأخير من ليلة العرس.
ومن العادات الغريبة والتي لا تزال حاضرة في حفل العرس المغربي وخاصة في الرباط، كسر بيضة على رأس العروس أملا في أن تكون المرأة ولادة كثيرة النسل. وفي البوادي المغربية تقوم عائلة العريس بتحضير طبق وريقات الحناء المجففة، وفوقه بيض الدجاج ليكون ضمن الهدايا التي تحمل للعروس، حيث تطلي العروس أطرافها بالحناء قبل الدخلة، وفي الصباح تقوم بسلق البيض لتأكله مع العريس أملا في أن تكون حياتهما سعيدة ويرزقا بالذرية.
وعلى الرغم من تنوع هذه العادات واختلافها من منطقة إلى أخرى، إلا أنها بدأت تتوارى في المدن مع مرور الأيام لتبقى الأرياف والقرى محافظة على هذه العادات التي تميز المغرب عن الشعوب الأخرى.
في يوم الحناء تستعد عائلة العروس لاستقبال ما يسمى “بالدفوع” وهو عبارة عن هدايا العريس لعروسته وهي أطباق محملة بالأثواب ذات الألوان الزاهية لخياطة ألبسة العروس التي ترتديها ليلة العرس مع أقمشة أخرى لخياطة الجلباب، إضافة إلى الأحذية وملابس النوم والملابس الداخلية والعطور وأكياس من الحناء والحلويات، فضلا عن الذبيحة التي تكون حسب المستوى المادي للعروس.
وفي الليل تأتي “النقاشة” لتزيين كفي العروس، وقدميها بنقوش جميلة وطلاسم خاصة لمنع الحسد، والنظرات الشريرة وأعمال السحر.
وفي صباح يوم الزفاف يقوم أهل العريس بحجز حمّام عمومي للعروس، فيزين ويعطر، ويبخر، وتوقد فيه الشموع لاستقبال العروس التي تصحبها إلى الحمام أمها وأخواتها وقريباتها وجاراتها وصاحباتها. وتستقبل فيه العروس وموكبها بالبخور، والزغاريد والشموع، وترديد الصلاة على الرسول الكريم، وتعلو أثناء ذلك الأهازيج والأغاني وسط رقصات صديقات العروس.
التريتور
مع تسارع نمط الحياة وخاصة في المدن بدأت عادة أهل العريس والعروسة في الاهتمام بطبخ أشهى المأكولات للضيوف تتلاشى، فبعد أن كانت النساء من أقارب العريس وجاراته يتنافسن على إعداد المأكولات المغربية التقليدية أوكلت هذه المهمة لمتعهد الأعراس الذي يهتم بكل تفاصيل العرس المتعلقة بالاحتفال وطعام الضيوف والحلويات وما إلى ذلك.
يقول الحاج زهيراني (75 سنة) لـ”العرب”، “الأعراس في الخمسينات والستينات بالمغرب كانت أكثر بذخا ومتعة للضيوف، وكانت مكلفة أيضا كما اليوم، ومتعبة لأهل العريس والعروس، فقد كانت الأعراس تستمر لأسبوع كامل، وتذبح خلالها عدة ذبائح، ويبقى الطعام مبذولا لكل أبناء الحارة والأقارب كبيرهم وصغيرهم، لكن اليوم تغيرت الأعراس وأصبح التريتور أو متعهد الأعراس والحفلات هو الذي يقوم بتنظيم الأعراس مقابل مبلغ مالي محدد”.
وأضاف الحاج “متعهد الأعراس يعدُّ طباخيه، وأدواته لتقديم الطعام للضيوف، بعد أن يتفق مع العريس على عدد الضيوف، فيعد الطعام والحلويات ويقدمها نادلوه في أحسن الأطباق، وأفضل الأعراس اليوم في المغرب لا تدوم سوى ليلة أو ليلتين، تجد فيها الأطباق المغربية الشهيرة، كالكسكسي، والطاجين والبسطيلة، والدجاج والحمام المحشي، والحلوى بأنواعها بالسَّمن البلدي والشاي الأخضر بالنعناع”.
التريتور راجي توفيق (45 سنة) قال لـ”العرب” عن الأعراس التي نظمها في الصيف “عملي الحقيقي يكون في الصيف. ففي هذا الفصل يعود المهاجرون المغاربة إلى الوطن، وكل واحد يحلم بقضاء ليلة العمر في بلده. فالصيف بالنسبة لي هو فصل العمل، ودخلي الشهري فيه أكثر من 15 ألف درهم (1621 دولارا).
وإذا صادف أن كلفت بتنظيم عرس من نوع ‘عرس ألف ليلة وليلة’ لأحد الأغنياء، فيكون دخلي أكثر من هذا بمرتين أو ثلاث مرات. وكذلك يتضاعف دخل من يعمل معي في هذا النوع من الأعراس”.
ويتذكر توفيق، فيقول “قبل أيام قليلة نظمت عرسا في الرباط، أراد فيه أبو العريس أن توضع العمارية (هودج العروس) على جمل، وأن يقام العرس في حديقة قصر كبير تم تأجيره لقضاء عدة ليال لضيوفه فيه.
وكان عدد الضيوف أكثر من 200 مدعو. وقد كلفت بجزء من العمل إضافة إلى خمسة آخرين من ممولي الحفلات من الدار البيضاء”.
ويضيف راجي “الأعراس الصغيرة والمتوسطة تقام في ساحة أمام بيت العريس في الحارة، مما يتطلب إقامة خيمة، ونحاول أن نجعلها محكمة، فلا يدخلها أحد غير الضيوف، لأن عادة في الأحياء الشعبية يكثر الفضوليون الذين يتسببون في مشاكل في الأعراس ويضايقون الضيوف.
ونقوم بتهيئة شبكة الإنارة فيها، وننصب أجهزة الصوت لبث الأغنيات، والموسيقى لإشاعة البهجة في الحاضرين.
أما الأعراس الفقيرة، وهي التي يتم إعدادها فوق سطوح العمارات أو البيوت فنقوم بترتيب خيمة خاصة بها حسب المساحة المتاحة، ونزينها بالإكسسوارات، ونهيئ عددا من الموائد، ومكانا شرفيا لجلوس العريسين. ولدينا للمكان الشرفي كرسي (ملوكي خاص مذهب) يجلس عليه العروسان. كما نهيئ طعام العشاء والشاي الأخضر والحلوى”.
ويقول جمال زكريا (30 سنة) عن تكاليف عرسه، وقد اختار تريتور من معارفه لتنظيم حفلة عرسه “العرس المتوسط ومع عدد معقول من الضيوف في المغرب يكلف 15 ألف درهم (1621 دولارا)، وطبعا هذه مصاريف ليلة الزفاف التي أشرف عليها التريتور، وقدم خلالها لنا ولضيوفنا خدمة ممتازة، مع طعام عشاء مكون من عدة أطباق والحلوى. وكلفتنا ‘النكافة’ (مزينة العروس) نحو 2500 درهم (270 دولارا) وهي التي أشرفت على زينة العروس، وتغيير أطقم ملابسها خلال حفلة العرس”.
واستطرد زكريا “لا تختلف أعراس الأغنياء عن أعراس متوسطي الحال في المغرب سوى في مكان العرس وعدد الضيوف. وللمقتدرين، ومتوسطي الحال، الخطوات ذاتها في الاستعداد للعرس، التي تبدأ بالاتفاق بين عائلتي العريس والعروس على الشبكة وجهاز العروس والمهر”.
النكافة
النكافة هي المرأة المسؤولة عن فساتين العروس يوم العرس، حيث ترتدي العروس الفساتين من اختيارها، كما تساعدها على ارتداء الفساتين والإكسسوارات طيلة سهرات العرس، وعادة ما تحضر النكافة اللباس المغربي التقليدي، ومجموعة من الفساتين المغربية التي تظهر بها العروس في فترات مختلفة من السهرة.
وما بين النكافة والعروسة تحصل طرائف عديدة خاصة إذا كانت الملابس ضيقة أو متسعة على العروس. تحكي نزيهة رحّال (40 سنة) لـ”العرب” عن ذكريات عرسها ضاحكة “النكافة التي ساعدتني على ارتداء فستان العرس؛ ‘المنصورية’ التي كانت أكمامها طويلة مصنوعة من الحرير، ومطرزة بأحجار ملونة، كانت الأحجار الصغيرة والأصداف في الثوب قاسية الملمس في منطقة ظهري، وأخذت أحكّ جلد ظهري بسببها في كل فرصة أرى فيها العريس وأهله مشغولين عن النظر نحوي، حدث ذلك أثناء جلوسنا في ‘القعدة’ أي كوشة العرس، وكانت مشدات الصدر ضاغطة أيضا على صدري”.
وتروي فاطمة شريكان وهي نكافة (65 سنة)، ذكرياتها عن عرس زينت فيه العروس، وساعدتها في ارتداء فساتين العرس الأربعة التي ظهرت فيها العروس للضيوف ليلة العرس. وكانت أم العريس من المُوسوسات من أن تعمل الحاسدات لابنها سحرا يضيع عليه وعليهم فرح تلك الليلة. “لذلك طلبت مني أن أحضر معي ثلاث حارسات (مساعدات للنكافة) يجلسن على كراس قرب كوشة العروسين، لمنع كل من تسول لها نفسها الاقتراب من العروسين وإيذائهما بعمل سحر ضار”.
وتكمل شريكان قصتها الطريفة “طمأنتها بأني مستعدة للأمر وتوفير ثلاث حارسات محترفات في دفع الأذى عن العروسين، وأخبرت جارات لي بأن يحضرن العرس، وكل واحدة لها بالطبع أجرتها عند انقضاء الحفل.
وكانت كل واحدة منهن تذكر بقنديشة عيشة (جنية أسطورية لها شكل مخيف)، فاطمأنت أم العريس لاختياري الصائب للحارسات، ومرت الليلة بسلام واستلمت في تلك الليلة أجرتي، واستلمت جاراتي الحارسات أجورهن”.
وتضيف فاطمة النكافة “منذ ذلك العرس صارات جاراتي يصاحبنني إلى كل حفلة زواج، لأجل حماية العروسين من الأعمال الشريرة والحسد”.
الشيخات
لا يخلو عرس في المغرب من السهرات التي تؤثثها مغنيات الفولكلور الراقص اللاتي عرفن باسم “الشيخات” ومفردها شيخة، حيث تصدع الموسيقى والغناء الشعبي.
يقول الحاج “تستمر كل ليلة من ليالي العرس في الغناء والرقص حتى الصباح، كما تحيي الشيخات المشهورات في المغرب حفلات الغناء فتعلو أنغام العيطة والغناء الجبلي والموسيقى السوسية لتصل إلى آخر بيت في الحارة.
وكانت الأعراس تبدأ بالدقة المراكشية التي تبث في نفوس الناس الفرح، وتنتهي بالعيطة الجبلية بأصوات ساحرة بهيجة”.
وتزدان خيام الأعراس بالأضواء المترددة بمختلف الألوان والنشرات المتلألئة، وما إن يحل الفجر حتى يبدأ موكب سيارات للعروسين، وهما بملابس العرس التقليدية، ومعهما الأهل والأصحاب، متجها إلى ساحل المحيط، للتبرك برؤية المحيط وشروق الشمس على مياهه.!!
*المصدر : العرب

1