تختفي الملايين من الشعب المرجانية من البحر المتوسط بسبب التلوث البيئي والتغير المناخي والصيد المدمر. وتعاني سواحل الشرق الجزائري الغنية بالذهب الأحمر من عمليات الصيد غير المشروع وعمليات التهريب المنظم التي تقودها مافيا من جنسيات مختلفة، ما دفع الحكومة الجزائرية إلى ضبط إجراءات قانونية تنظم عمليات الصيد وتداول المرجان ووضع حد للنشاطات المضرة.
الجزائر- تم مؤخرا تحديد شروط وكيفية صيد المرجان في الجزائر وتداوله، وأسندت تسيير هذه الإجراءات إلى وكالة التنمية المستدامة للصيد البحري وتربية المائيات بالتنسيق مع وكالة توزيع وتحويل الذهب والمعادن الثمينة الأخرى.
ووضعت الحكومة الجزائرية جهاز تتبع مسلك المرجان الخام ونصف المصنع من خلال وثيقة تثبت الاقتناء القانوني للمرجان الخام ونصف المصنع، وتعرف الوثيقة خاصة المرجان وصاحب الامتياز ومساحة الاستغلال وسفينة صيد المرجان والغواص والكميات المسوقة والمحولة.
وجاء هذا القرار تنفيذا للمرسوم التنفيذي لـ2015 الذي يحدد شروط صيد المرجان.
ويذكر أنه تم السماح لصيد المرجان في 2015 بعد 15 سنة من منعه للاستغلال المفرط لهذا المورد وصيده غير المشروع، وظهور مافيا تهريبه تشترك فيها جنسيات مختلفة إيطالية وجزائرية وتونسية، تنشط ما بين مدينة طبرقة التونسية وسواحل القالة الجزائرية.
وتحتوي الجزائر على طاقة معتبرة من المرجان خاصة الأحمر وهو ما يعادل 50 بالمئة من الإنتاج العالمي حسب الخبراء الدوليين، وتقع المناطق التي تحتوي على المرجان بين سكيكدة والقالة في أقصى شرق البلاد.
وأصبح صيد المرجان وفق الإجراءات الجديدة يتم طبقا لبرنامج استغلال تحدده الحصص المسموح بها والمناطق والإطار الزمني للصيد، وكذلك عدد المستغلين المسموح لهم صيد المرجان في كل محيط للاستغلال.
ورصد القانون الجزائري عقوبات شديدة على الجرائم المتعلقة بصيد المرجان إذا ما قام أشخاص بصيده دون رخصة أو الذين لا يحملون سجل الغوص أو الذين يتعدون الحصص السنوية المحددة لهم، أو كل من يصدر المرجان الخام أو نصف المصنع.
مافيا التهريب
يحظى المرجان والذي يسمى أيضا الذهب الأحمر بسمعة كبيرة لدى السياح الأجانب ومطلوب بكثرة لإنتاج المجوهرات النفيسة، وبات مؤخرا يستعمل لأغراض طبية وحربية، ليصبح أغنى ثروة تسيل لعاب المهربين وأطماع الدول الغربية.
وبالرغم من التخلي عن تقنية الصيد القديمة والخطيرة المعروفة باسم “صليب سانت اندري” (المستعملة لصيد المرجان) عبر كافة أرجاء العالم وحتى في منطقة البحر الأبيض لصالح الغطاسين الذين كانوا يلتقطون المرجان دون القضاء على شعب المرجان، فقد كان السبب الرئيسي وراء منع السلطات لصيد المرجان هو التهريب الناجم عن هذا النشاط.
وتفيد بيانات رسمية أنّ آلة الاستنزاف طالت آلاف الكيلوغرامات من الشعب المرجانية خلال السنوات الأخيرة رغم صدور مرسوم حكومي ينص على حظر استغلال الحقول المرجانية في الجزائر إلا أن عصابات التهريب تتجاهل هذا المرسوم، ولا تزال ماضية في حملاتها رغم كل الوعيد الذي أطلقته الجهات الرسمية للنيل من هؤلاء المتربصين.
وجاء قرار منع صيد المرجان لوضع حد للتهريب الواسع على الصعيدين الإقليمي والدولي، الذي يتورط فيه ممارسو صيد المرجان القانوني منه والمحظور لتزويد شبكة إجرامية دولية واسعة النطاق.
واستطاع البعض من صيادي المرجان الحاملين لرخص الصيد الذين كان يسمح لهم باستخراج ما لا يفوق 800 كيلوغرام سنويا، التلاعب بالقانون الذي كان يجبرهم على فتح ورشات لتحويل المرجان الجزائري، وخلق مواطن شغل وتكوين يد عاملة بغية تصدير المرجان في حالته الخام.
وفي خليج نابولي بكامبانيا، كانت تنتهي رحلة المرجان الذي يتم صيده في البحر المتوسط، لا سيما الجزائري منه بقرية تور دل غريكو عاصمة المرجان العالمية الواقعة في إيطاليا.
ويعد المرجان الجزائري حسب الخبراء الأكثر استقطابا للتجار بتور دل غريكو حيث يتراوح سعره ما بين 400 و500 يورو للكيلوغرام أو أزيد حسب كل نوع، فالمرجان الجزائري يكون لونه أحمر، جميلا وناصعا.
وكخاصية أخرى تزخر الجزائر بأجمل شعب المرجان في العالم، حسب خبراء علم البحار الفرنسيين.
جدل الصيادين
أثارت هذه القرارات الحكومية في تنظيم صيد المرجان حركية بين صيادين، معتبرين أن هذه الإجراءات ستسمح بتنظيم هذا النشاط ووضع حد لكافة أشكال الصيد المحظور.
وخلال السنوات التي شهدت منع هذا النشاط استمر الصيد المحظور للمرجان في الجزائر، حيث تم حجز كميات كبيرة من المرجان من قبل حراس السواحل والجمارك خلال العشر سنوات الأخيرة إلى أن انتشرت هذه الظاهرة “غير المقبولة”، حسب محمد العربي يحيوش صاحب سفينة صيد بعنابة ورئيس سابق للغرفة الوطنية للصيد.
وقال حول الإجراءات الجديدة التي تخص صيد المرجان في الجزائر إن ذلك “سيسمح بمكافحة التهريب والمتاجرة غير القانونية بالمرجان”، مضيفا “نسجل بارتياح أن حصة صيد المرجان الذي أصبح مرخصا انخفضت إلى 300 كيلوغرام عوض 800 كيلوغرام في القانون السابق”.
واعتبر فريد وهو صياد للمرجان بمنطقة تنس (190 كم بغرب الجزائر) حيث تتواجد أجمل أنواع المرجان ذو اللون الأحمر والذي يتواجد في أعماق البحر، أن إعادة فتح الصيد “أمر جيد” بالنسبة إلى المهنيين، مضيفا أن ذلك “سيساهم في وضع حد لممارسي الصيد المحظور”. وأضاف قائلا “إننا كصيادين قانونيين للمرجان سنمنع بحضورنا انتشار الصيد المحظور”.
وأكد مصطفى فرج الله وهو صاحب سفينة صيد ورئيس غرفة الصيد لمدينة الشلف (200 كم غرب العاصمة) أنه يجب “أن يظل صيد المرجان مغلقا لأنه ملك لكل الجزائريين”.
وأوضح قائلا إن “هناك حاليا نحو 500 قارب تخرج يوميا من ميناء قالة (شرق البلاد) لممارسة الصيد المحظور بكل اطمئنان”، مضيفا أن “حربا حقيقية قائمة حول هذه الثروة النادرة والثمينة. إضافة إلى أن المرجان الجزائري موجه أساسا للسوق الخارجية عوض أن يستغله المحولون والحرفيون الجزائريون”.
ويقول السيد شعيب رئيس الغرفة الوطنية للصيد، إنه “قرار مفيد بالنسبة إلى المهنة لا سيما لتنظيم هذا النشاط الذي ينخره الصيد المحظور ويلحق أضرارا وخيمة بشعب المرجان”.
واعتبر أن “مشروع مرسوم حول صيد المرجان من شأنه إعادة تنظيم وتأطير هذا النشاط خاصة أن الأمر بالنسبة إلينا يتعلق بحماية النظام البيئي الهش الذي يهدده الصيد المحظور”.
ثروة مهددة
يطالب جمهور الصيادين وأصحاب سفن الصيد بتدعيم الرقابة لوقف النزيف، خاصة وأن ذلك ينعكس سلبا على مجموعة الأحياء البحرية حيث تعيش أنواع عديدة من الأسماك التي تتغذى على عوالق المرجان.
ويؤكد هؤلاء أن كمية كبيرة من الأسماك مثل السردين، والمرلون، والجمبري والعديد من الأنواع الأخرى أصبحت نادرة ومهددة بالانقراض إذا استمرت عمليات التخريب.
فالأسماك تتخذ من الشعب المرجانية نظاما طبيعيا لها، ومنها تستمد طعامها ومكان تكاثرها.
ويؤكد خبراء في تربية الأسماك أن السبب الرئيسي في نقص هذه الأسماك يعود بالدرجة الأولى إلى انعدام الأوكسجين والضوء بالبحر اللذين توفرهما مادة المرجان.
ويشدد رشيد حرابي صاحب الخبرة الطويلة في الصيد على ضرورة تسخير كل ما هو متاح من أجل إيقاف النزيف الذي يهدد منظومة الصيد بكاملها، ومن شأنه إهدار الثروة البحرية النباتية والسمكية.
ويطالب بالتقليل من أسباب التدهور البيولوجي خصوصا المرجان الذي لا يقدر بثمن، وعليه يتعيّن إحباط نشاط مهربي هذه الثروة.
ويقترح يوسف، وهو صياد سابق متقاعد، على السلطات العمومية الاستعانة بخبراء في الوسط البحري، لبحث الوسائل الكفيلة والمناسبة لوقف هذا النهب في وضح النهار.
ويقول الخبراء إنه يجب انتظار سنوات عديدة لكي تبلغ الشعب المرجانية مستوى نمو مقبولا بما أن حجم هذا الحيوان البحري لا ينمو سوى بمليمترين في السنة.
كما أبدى هؤلاء الخبراء معارضتهم لاستغلال مورد المرجان من طرف أجانب، وحثوا السلطات الجزائرية على مساعدة صيادي المرجان الجزائريين للتزود بالوسائل التقنية واللوجستية لاستغلال هذا المورد.
بالرغم من الإجماع المسجل لدى صيادي المرجان حول مشروع إعادة فتح صيد هذا المورد، إلا أن محمد العربي يحيوش أكد أن إعادة فتح صيد المرجان “لا تعد حلا نهائيا لمشكل الصيد”.
وقال إن “مشروع المرسوم ينص على منح الامتيازات على أساس إعلان عن مزايدة أي لأكبر عرض، سيؤدي إلى إقصاء محترفي صيد المرجان لصالح أصحاب رؤوس الأموال خاصة وأن الذين يملكون ورشات تحويل المرجان كما يقتضيه مشروع المرسوم ستمنح لهم الأولوية، وبالتالي يصبح صانع المجوهرات حسب هذا المرسوم صيادا للمرجان”.
واعتبر أنه يجب أخذ مكافحة تهريب المرجان بعين الاعتبار من قبل الدولة “من خلال منعها تصدير المرجان الخام”.
كما ندد مهنيو هذا القطاع بنظام المزايدة لمنح الامتياز في مجال صيد المرجان، حيث اعتبر رئيس غرفة الصيد لمدينة الشلف أن نظام المزايدة الذي ستعتمده الوزارة “سيؤدي إلى إقصاء محترفي صيد المرجان ويفتح المجال لأصحاب رؤوس الأموال”.
مافيا التهريب تغنم المرجان الثمين من الجزائر!!
11.05.2017