أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
حلب..سوريا: متطوعون يجمعون حطام حلب لترميم تاريخها!!
15.02.2017

في الساحة التي تتناثر بها الأنقاض خارج القلعة القديمة في حلب وتحت القباب المتشحة بسواد الحرائق في السوق المغطاة، شرعت مجموعة من العمال في إزالة آثار الدمار الناجم عن الحرب التي دمرت تراث المدينة التاريخي الذي لا يقدر بثمن.
وعكف نحو 20 متطوعا على فرز قطع الحطام في خان الجمرك، وهو واحد من أجمل النزل التي تعود إلى العصور الوسطى في السوق المغطاة، وأخذوا يجمعون الحجارة من بين أنقاض أحد الممرات لاستخدامها في ترميمه.
وقال مهند الحساري (25 عاما) “إنني ابن هذا الحي. نحن جميعا من حلب وأولويتنا هي العمل هنا. نحن هنا بهذه المنطقة منذ شهر حين غادر المقاتلون”.
وقال مأمون عبدالكريم، المدير العام للآثار في سوريا، إن نحو 30 في المئة من المدينة العتيقة شهدت أضرارا “كارثية” في القتال الذي انتهى في ديسمبر الماضي.
وأضاف أن المسؤولين يعملون على وضع خطط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وقالت الذراع الثقافية في شبكة “الأغا خان” للتنمية، التي باشرت مشروعا بالملايين من الدولارات للترميم والتنمية الحضرية قرب القلعة قبل عشرة أعوام، إنها تدرس إعادة تأهيل المنطقة.
وحلب أحد المراكز التاريخية العظيمة في الشرق الأوسط، وكانت قلعتها القديمة ومساجدها وأسواقها التي تعود إلى العصور الوسطى من أجمل الأبنية في المنطقة ومصدرا للفخر الوطني والسياحة في سوريا.
أما اليوم، فتفوح رائحة دخان الحرائق من كل أنحاء المدينة القديمة من تحت القباب المنهارة، وفي السوق التي يغطيها السخام والأبنية المتصدعة وفوارغ الرصاص المتناثر في المسجد الأموي.
وقابل بائع متجول يرتدي ملابس فولكلورية مزخرفة الزبائن بأكواب من الشاي والقهوة خارج القلعة، لكن لا يزال المزاج العام بالمنطقة كئيبا مقارنة بمظاهر البهجة والنشاط قبل الحرب.
وتضررت الكثير من المقاهي التي كانت تصطف في المنطقة في مبان قديمة ذات واجهات مقوسة الشكل. واليوم يحاول الناس العودة إلى المدينة المدمرة؛ بعضهم بهدف العيش في المنازل التي لا يزال السكن فيها ممكنا وغيرهم لإنقاذ ممتلكاتهم ومتاجرهم.
ويود الكثير من العائدين الاستمتاع فقط بزيارة الأماكن التي كانت شديدة الخطورة خلال القتال.
وفي باحة المسجد الأموي، الذي يعتبر واحدا من أهم آثار سوريا الإسلامية، تجمعت مجموعة من الصبية لالتقاط صورة ذاتية (سيلفي) أمام الأسوار التي تغطيها آثار الرصاص حتى باتت من الصعب رؤية حجر بلا أثر للنيران. ودمرت مئذنة المسجد، التي تعود إلى القرن الحادي عشر ويبلغ طولها 50 مترا في قصف عام 2013.
كما أدى القصف إلى حدوث شرخين كبيرين في جدار المسجد الشرقي. وتحت القناطر داخل المسجد، وقف رجل مسن يرتدي معطفا ضخما ويلف رأسه بوشاح من الصوف يبكي في الظلام قرب ضريح يظهر خلفه ساتر من الأكياس الرملية والبراميل.
وينطبق الأمر ذاته على جامع الخسروية الذي تم هدمه بالكامل، ولحق الدمار أيضا بالسراي الكبير الذي كان مقرا لحاكم حلب خلال الحقبة العثمانية.
وحتى الحمامات الشعبية التي تشتهر بها حلب نالها أيضا من الدمار نصيب، فحمام يلبغا الناصري الذي يعود إلى الحقبة المملوكية تعرض إلى دمار واسع بسبب قصف أتى على أغلبه.
وكانت الأسواق والمنطقة المحيطة بالمسجد الأموي من أخطر خطوط المواجهة في سوريا وشهدت قصفا مدفعيا وغارات جوية.
وتحت القبة المزخرفة بقاعة العرش المملوكية في القلعة، وجه مدفع رشاش ثقيل فوهته باتجاه نافذة وما وراءها من أبنية منهارة.
وتقع القلعة الحصينة على تل في وسط حلب يطل على المدينة، وعانت المنطقة في الجنوب والغرب قرب المسجد الأموي من أشد الأضرار في المدينة القديمة بسبب الحرب.
وأصبح قطاع من السوق المغطاة نفقا مظلما يتخلل فتحاته في السقف ضوء النهار وتتراكم عند مدخله كتل من الحجارة وتمتلئ متاجره بالأنقاض والحشائش.
وقال عبدالكريم إن ذكرى حلب رمزية للغاية، موضحا أن الترميم سيفي بمعايير الهيئات الدولية ولن تشيد مبان حديثة في المدينة القديمة.
وأضاف أنه ينبغي التعامل مع صيانة التراث بشكل منفصل عن القضايا السياسية المحيطة بالحرب.
وتضررت العديد من المواقع التاريخية بحلب منها المدن التاريخية والمعابد والمساجد والقلاع وأيضا آثار الحكم العثماني.
وقال علي إسماعيل، رئيس خدمة أغا خان الثقافية في سوريا، “يعرف الجميع أننا كنا نعمل في ظروف صعبة” في إشارة إلى القتال وغيره من المعوقات التي صعبت جهود الحفاظ على التراث في حلب.
ومع ذلك، أوضح إسماعيل أن المنظمة الخيرية تدرس إطار عمل لإعادة تأهيل المدينة القديمة والحفاظ على آثارها التاريخية “وفقا للظروف والموارد المتاحة”.
وعملت المنظمة منذ عام 1999 وحتى 2012 على ترميم المنطقة حول القلعة، وتحويلها إلى مقصد لسكان حلب والسائحين ومركز للحفلات الموسيقية وغيرها من الأنشطة الثقافية. لكن القتال دفع معظم السكان إلى الفرار ولا تزال متاجر المنطقة مغلقة.
وفي سوق باب أنطاكية، وقف هيثم غنام تاجر مستلزمات الأزياء النسائية يزيل الأنقاض من متجره بمساعدة زوجته وابنته.
وقال “ننتظر إعادة الكهرباء والآخرين ليفتحوا متاجرهم قبل أن نفتح”.
وفي فندق البارون، الذي أقامت به أغاثا كريستي وتي.ئي لورنس، تصعب رؤية الأرضيات الفاخرة في البهو الكبير وغرفة التدخين والبار بسبب انقطاع الكهرباء.
ولا تقيم بالفندق سوى ثلاث عائلات من اللاجئين من شرق حلب إحداها تقيم في غرفة استضافت العاهل العراقي السابق الملك فيصل.
لكن العديد من السكان يتطلعون إلى الوقت الذي يحل فيه السائحون محل الجنود الحاملين لأسلحتهم في متحف القلعة والملابس المتدلية بين الأعمدة.
يذكر أن قلعة حلب يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وظلت شاهدة على العديد من الحقب التاريخية كالبيزنطية والأيوبية والمملوكية، وقد صنفتها منظمة “اليونسكو” موقعا تراثيا عالميا منذ العام 1986.

1