يحتفل الأمازيغ في الجزائر والمغرب برأس السنة الأمازيغية، بإحياء طقوس جذورها ضاربة في التاريخ القديم. وتتخذ الاحتفالات أشكالا عديدة؛ إعداد أطباق تقليدية من الأكل الشعبي المتوارث عبر الأجيال، وتوزيع الفواكه على الأطفال، والخروج لمعايدة الأهل والأقارب والجيران في أجواء تبعث على البهجة وتحافظ على التراث الأمازيغي.
الجزائر - يحتفل الأمازيغ الجزائر اليوم الخميس بـ”يناير”، وهو رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2967، ويصادف يوم 12 يناير سنويا، وسط دعوات أمازيغية إلى الحكومة لإعلان هذا اليوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر، خاصة بعد اعتراف الدستور بالأمازيغية لغة رسمية شأن العربية.
ويناير هو كلمة مركبة من “ين” وتعني واحد و”ير” وتعني الشهر الأول، وبالأمازيغية “يناير” هي “إخف أوسقاس”، والمقصود بها كذلك أول شهر في الروزنامة الفلاحية للأجداد.
وتنطلق الأجواء الاحتفالية في ربوع الجزائر قبل أسبوع، حيث تزين الشوارع بموائد لعرض أنواع مختلفة من الحلويات تعرف .
ويتضمن الاحتفال أيضا إحياء تقاليد مميزة، منها تحضير أطباق ومأكولات خاصة، أبرزها “الكسكسي” و“الشخشوخة” التي تشبه الرقاق الخليجي و“الرشتة” وهي قطع رقيقة من العجين يتم طهيها على البخار مع مرق الدجاج، أما التحلية فتكون بالفواكه المجففة، مثل التمور والتين والمكسرات.
وتعدّ ربّات البيوت ما يعرف محليا بـ“الشرشم” وهو قمح مطبوخ يؤكل في هذه المناسبة حتى تأتي السنة بمحصول قمح جيد، إضافة إلى تنظيم حفلات تعكس تراث المناطق الجزائرية التي ينتشر فيها الأمازيغ، مع تبادل التهنئة بعبارة “أسقاس أمقاز”، وتعني باللغة الأمازيغية “كل عام وأنتم بخير”.
وتختلف تسميات الاحتفالات برأس السنة الامازيغية بين “ينَاير” و”املالن”، أو “اقورارن”، بحسب اختلاف اللهجات الأمازيغية في الجزائر، كما تختلف طقوس الاحتفال من منطقة إلى أخرى على امتداد البلاد إختلافا بسيطا.
ويحرص سكان منطقة القبائل على ذبح ديك عن الرجال ودجاجة عن النساء يذبحها كبير العائلة من الرجال، وتحضر النساء العشاء الذي يحضره جميع أفراد العائلة وسط اجواء الفرح والغناء ويضعون الحناء للاطفال، ويعتبرون هذه الطقوس فأل يقيهم من الحسد والعين.
وتقول الأمازيغية وردة “نطهي الدجاجات، في قدر طيني واحد، توزع على أفراد العائلة كل بحصته، دجاجة لكل واحد
وعليه أن يكملها ولو لفترة تستمر إلى أيام، على ألا يأكل أحد من دجاجة أخرى ليست له”. ويقال ”إن من لم يشبع من الطعام في ليلة رأس السنة فإن الجوع سيطارده طيلة تلك السنة”.
ويجتمع الأهل صباحا أمام ضريح ولي صالح في أعلى قمة جبلية ويقومون بذبح الأضاحي وتوزيعها على الفقراء، كما أن النسوة يتزين باللباس التقليدي ويتكحلن، مستغلات فرصة عيد يناير لزيارة الأقارب والجيران.
ومن العادات السائدة في منطقة القبائل، حلق شعر المولود الذي يبلغ سنة من العمر عند حلول هذه المناسبة، حيث تخصص له أجمل الثياب ويوضع داخل قصعة كبيرة لترمي فوقه امرأة متقدمة في السن مزيجا من الحلويات والمكسرات والسكر والبيض، وهو ما يعتقد أنه يجلب الحظ.
والاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة له طقوسه الخاصة بالغرب الجزائري، حيث يكمن الاحتفال في تحضير ربات المنازل للكسكسي بالدجاج والبيض، وتشتري العائلات الغربية مجموعة معتبرة من المكسرات والحلويات التي يتم رميها على أصغر فرد في العائلة حتى تكون السنة الأمازيغية فأل خير على الطفل وعلى أفراد العائلة، وتكون سنتهم صافية كحياة الطفل ويتم توزيع الفأل على الناس.
أما في الشرق الجزائري، فالاحتفال برأس السنة الأمازيغية يختلف عن باقي المناطق، خاصة وأن سكان الأوراس يقومون بتغيير الموقد التقليدي المتكون من الأحجار والرمال التي يطهى عليها الأكل، وبعد العشاء تقوم العائلات بتنظيم سهرة خاصة بحضور التراز والفول السوداني والشاي على الطاولة.
بين شيشناق والعجوز
يرتبط تاريخ رأس السنة الأمازيغية، في المخيال الشعبي بأساطير العجوز التي تحدت يناير في حين تقول أسطورة أخرى، أن الأمازيغ يحتفلون بيناير ليبارك موسمهم الفلاحي لارتباطهم بأرضهم، فيما جاء في أسطورة ثالثة وهي الأقرب إلى الحقيقة، حسب عدد من المؤرخين في بلدان المغرب، وهي انتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني، فرعون مصر.
واستطاع شيشناق أن يتولى حكم مصر ويحمل لقب الفرعون، وأسس بذلك لحكم أسرته “الأسرة الثانية والعشرين” في عام 950 ق-م- التي حكمت قرابة قرنين من الزمان.
ويقول الباحث الأمازيغي حارش الهادي إن “ارتباط الاحتفال بالملك الأمازيغي شيشناق هي عملية رمزية فقط، فمختلف الدول تحسب تقويمها بداية من تاريخ معين، فمثلا بدأ المسلمون تقويمهم من يوم هجرة الرسول محمد من مكة إلى المدينة المنورة، بينما ينطلق تأريخ المسيحيين من يوم ميلاد النبي عيسى عليه السلام”.
ولفت الهادي إلى أنه تقرر في اجتماع الأكاديمية البربرية سنة 1962 بدء التقويم الأمازيغي من عام 950م، وهو تاريخ اعتلاء شيشناق عرش مصر بتأسيسه الأسرة الـ22 الأمازيغية.
ويرى الباحث في التراث الأمازيغي أرزقي فرّاد، ” أن مناسبة يناير تحمل دلالات روحية واجتماعية واقتصادية وتاريخية، موضحا، “روحياً، كان الناس قبل ظهور الإسلام في عيد يناير يعملون من أجل ترضية الآلهة والأرواح المخفية، وعندما جاء الإسلام ألغى هذا الجانب، لكن بعض رواسبه مازالت في المجتمع حتى اليوم”.
أما اجتماعيا فهو عيد يجمع أفراد الأسرة حول عشاء تقليدي، واقتصادياً كان الأجداد يأتون بأغصان الأشجار الخضراء تيمناً بمحصول زراعي جيد، بينما تاريخياً فهو تذكير بغزوة الملك الأمازيغي شيشناق لمصر عام 950 قبل الميلاد، الذي استطاع أن يؤسس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين في مصر. وشيشناق هذا وصل إلى أورشليم (القدس حاليا) وانتصر هناك على العبرانيين اليهود.
وحيكت حول الحدث أساطير تختلف من منطقة إلى أخرى ترسخت في مخيلة سكان المنطقة ككل، فمنهم من يربط العيد الأمازيغي بالعجوز التي سبت شهر يناير ولم تكترث له، وتقول الأسطورة أن شهر ”يناير” قد طلب من شهر فبراير التخلي له عن أحد أيّامه بعد أن تحدّته إحدى العجائز بالخروج مع عنزاتها الصغيرات لطهي طعامها خارج البيت، في عزّ برده وصقيعه ، فما كان منه إلا أن قال لعمه فبراير ”يا عم فبراير أعرني ليلة ونهارا، كي أقتل العجوز المتفوهة بالعار والتي أرادت أن تتحداني”. وكان له ذلك بتخلي فبراير عن يومين من عمره لصالح يناير الذي جمّد العجوز وعنزاتها، وإلى الآن يقول أجدادنا أنه توجد بمنطقة جرجرة صخرة تدعى ”صخرة العجوز والعنزات” حيث بالنظر إلى تلك الصخرة الضخمة يمكن أن نلاحظ عجوزا تحلب معزاتها، وبقربها بعض صغار الماعز.
ويستند الأمازيغ في تقويم يناير إلى ما يسمى بالتقويم الفلاحي الذي يتبعه الفلاحون في زراعاتهم لضبط السقي والغرس ،إذ يشكل يناير نهاية موسم الحرث ومنتصف موسم المطر، وتتزامن السنة الأمازيغية الجديدة أيضا مع نفاد مخزون المؤونة التي يحتفظ بها الفلاحون تحسبا لفصل الشتاء، وتسمى محليا “العولة”.
مطالب بعطلة رسمية
حول دعوات الأمازيغية المتصاعدة إلى إعلان “يناير” عطلة رسمية يقول الباحث الامازيغي حارش الهادي، بأن “ترسيم يناير مرتبط بعدد الأعياد الوطنية الميلادية والدينية المعترف بها في الجزائر، مثل الفاتح يناير وأول محرم، وغيرهما”.
وقال “لست من دعاة ترسيم يناير عيدا وطنيا، لكثرة الأعياد في الجزائر، لكن إذا بقيت هذه الأعياد كما هي عليه، بحيث لا يلغى بعضها بعضا، ولا يضاف آخر، فإن ترسيم يناير كعيد يبدو طبيعيا”.
وأوضح، “حسب رأيي الشخصي لو نكتفي بعيدين وطنيين فقط، مثل رأس السنتين الميلادية والهجرية أفضل؛ فكثرة الأعياد تؤثر على منظومة العمل”.
وضمن اهتمام الحكومة الجزائرية برأس السنة الأمازيغية، وجهت وزيرة التعليم، نورية بن غبريط، كل مديريات التربية إلى الاحتفال بـ”يناير” عبر تنظيم فعاليات في جميع المؤسسات التعليمية بمراحلها الثلاث (الابتدائي والمتوسط والثانوي).
الوزيرة الجزائرية وجهت بتقديم دروس حول المناسبة، تتناول القيم الاجتماعية والاقتصادية لهذه الذكرى، وتهدف إلى إبراز الموروث التاريخي والحضاري الأمازيغي، الذي يشكل مجال اهتمام المدرسة الجزائرية.
واحتفالا بـ“يناير”، تنظم وزارة الثقافة الجزائرية، عبر مختلف مؤسساتها، محاضرات فكرية وعلمية يقدمها أكاديميون وباحثون في التراث والحضارة واللغة الأمازيغية، فضلا عن إقامة معارض للصناعات التقليدية، وحفلات موسيقية ينشط فيها فنانون جزائريون.
والأمازيغية هي اللغة الرئيسية في التعاملات اليومية لسكان منطقة القبائل الكبرى في الجزائر، التي تضم محافظات عدة شرق العاصمة، سكانها ينقسمون، وفق باحثين، إلى مجموعات منفصلة جغرافيا، وهم القبائل في بلاد القبائل (شرق العاصمة)، والشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرق)، والمزاب (المجموعة الأمازيغية الوحيدة ذات المذهب الإباضي) في منطقة غرداية (500 كلم جنوب).
كما أنهم الطوارق (أقصى الجنوب الجزائري)، والشناوة في منطقة شرشال (90 كلم غرب)، وهناك مجموعة بربرية أخرى قرب مدينة ندرومة على الحدود مع المغرب، وتتميز لغتها أو لهجتها بقربها الكبير من الشلحية وهم أمازيغية الشلوح (بربر) في المغرب.
وعامة، لا توجد أرقام رسمية بشأن عدد الناطقين بالأمازيغية كلغة، لكنهم مجموعة من الشعوب المحلية، تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة (غربي مصر) شرقا، إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.
عيد يناير احتفالات تجمع الأمازيغ في ربوع الجزائر!!
12.01.2017