تذكر حادثة “بوسطة عين الرمانة” معظم اللبنانيين بآلام الحرب الأهلية وهي “بوسطة” أو حافلة قتل جميع ركابها عند مرورها من منطقة حي الرمانة في بيروت، لكنها اليوم أصبحت مطعما متنقلا يقدم وجبات مجانية للقضاء على الجوع ونشر السعادة والتسامح بين اللبنانيين دون تفرقه.
بيروت - يربط اللبنانيون بين “بوسطة عين الرمانة” والحرب الأهلية التي شهدتها البلاد، بعدما اقتحمت عناصر من ميليشيا حزب الكتائب (مسيحي يميني) في 13 إبريل عام 1975، حافلة صغيرة تقل 27 فلسطينيا، وأطلقوا النار على جميع الركاب الذين استشهدوا على الفور.
تلك الحافلة أو “البوسطة” كما يسميها اللبنانيون، التي باتت منذ ذلك التاريخ، رمزا للدماء والحرب، حولتها إحدى الجمعيات الخيرية في البلاد، بعد 40 عاما من “الحادثة المشؤومة” إلى عنوان للسلام والسعادة بعدما أعادت ترميمها وزينتها بألوان الحياة وافتتحت فيها مطعما مجانيا يستقبل العشرات من الأشخاص يوميا من كافة الأديان والأجناس.
هذا المشروع الجديد، الذي أقيم في نفس منطقة أحداث “عين الرمانة” الدموية شرقي بيروت، يقدم يوميا وجبات غداء وعشاء مجانية لأكثر من 100 شخص، تكتب من خلاله “جمعية سعادة السماء” (غير حكومية) تاريخاً من الحب والتسامح بدلا من الحرب والكراهية. وقال أنطوني أبوزيد، المسؤول عن مشروع مطعم “بوسطة عين الرمانة”، إن “الهدف من المشروع هو إلغاء الجوع الذي هو أخطر من الحرب والسلاح والإرهاب. البوسطة كانت رمزا للحرب التي هجّرت وقتلت وجوّعت وأفرزت انحرافات في المجتمع تتحوّل اليوم إلى بوسطة بيضاء لتلغي الجوع”.
وأضاف أنه “إضافة إلى بوسطة عين الرمانة الثابتة في مكانها سيكون هناك مشروع إنشاء بوسطة متنقلة ستنطلق مع ختام كل أسبوع نحو كافة المناطق اللبنانية لإطعام الفقراء والمهمشين وسكان المخيمات من اللاجئين السوريين والفلسطينيين”.
وإلى جانب مطعم “البوسطة” يوجد مطعم آخر مجاني تابع لجمعية “سعادة السماء” أيضا مخصص للمسنين، داخل حديقة “عين الرمانة” المحاذية لمكان وقوف البوسطة. ذلك المطعم عبارة عن غرفة واسعة تضم طاولات وكراسي مخصصة لكبار السن، الذين يتم تقديم الطعام لهم يوميا من الساعة الرابعة عصرا حتى العاشرة مساء.
ويجتمع في مطعم حديقة “عين الرمانة” مسنون من جنسيات عربية مختلفة لبنانية وعراقية وسورية ومصرية، ويمضون ساعات طويلة، يتناولون خلالها طعامهم ويتبادلون أطراف الحديث ويستمتعون بسرد ذكريات عاشوها قبل العشرات من السنين.
وعن كيفية الحصول على التمويل اللازم لتشغيل المطعمين، يقول أبوزيد إن “هناك فريقا من المتطوعين يضم 40 شابا جميعهم طلاب جامعات، يعملون من الساعة الرابعة عصرا حتى الحادية عشرة ليلا، مهمتهم تتوزع على تحضير الطعام، فيما آخرون يقومون بتقديم الطلبات للزوار، والبعض الآخر يهتم بتنظيف المكان”.
وأوضح “بالنسبة إلى كيفية تأمين المواد الغذائية وأدوات التنظيف والصحون وغيرها، نعتمد في ذلك على المساعدات العينية فقط التي يتم التواصل مع المتبرعين بها عبر صفحات الجمعية على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وإضافة إلى تقديم الطعام، فإن جمعية “سعادة السماء” تحتفل السبت والأحد من كل أسبوع بأعياد ميلاد الأطفال والمسنين، فتحضر قوالب الحلوى وبعض الهدايا للأطفال وكبار السن الذين يدعون أصدقاءهم للاحتفال معهم أيضا.
ويشار إلى أن الحرب الأهلية اللبنانية بدأت في 13 أبريل 1975، واستمرت حتى 13 أكتوبر 1990.
وتمثلت القوى المتصارعة في مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية في لبنان، إضافة إلى”منظمة التحرير الفلسطينية”، والجيش الإسرائيلي الذي اجتاح لبنان عامي 1978 و1982، وكذلك الجيش السوري الذي دخل إلى لبنان عام 1976.
"بوسطة عين الرمانة" تلم شمل عائلات على الأكل والذكريات !!
02.12.2016