بدأ الأمر بنشر د. عطالله أبو السبح، وزير الثقافة السابق في حكومة حماس، منشورًا على صفحته في فيسبوك: „الدحية التي لا يخلو منها فرح، هي من أشدّ الملوّثات السمعيّة، فضلًا عن أنّها من أتلف صور الفنّ الغنائيّ، فقط هي جعير، وكلام أعجميّ بدائيّ غير مفهوم لديّ البتّة.“ ليثير بذلك موجة من الاستياء والاستنكار، لا سيّما لدى أبناء البادية في فلسطين.
قصائد هجاء
انهالت التعليقات والمنشورات المدافعة عن هذا الفنّ والموروث الثقافيّ، فمنها ما استنكر أن ينشر وزير ثقافة وصاحب درجة دكتوراه في فقه المعاملات، مثل هذا الكلام المسيء للفنّ وأصحابه من البدو، بينما رأى البعض أنّ المشكلة تتعلّق بعدم إدراك الوزير السابق لقيمة هذا النوع من الفنّ وتاريخه. وذهب آخرون إلى أنّ أبو السبح أوقع نفسه في مشكلة كبيرة مع „أهل الفزعة“، وهو اسمٌ يُطلق على البدو في بعض مناطق فلسطين. كما نشرت مجموعة من الكتّاب قصائد هجاء لصاحب التصريح.
ومن كلمات إحدى قصائد الهجاء الّتي صاغها باللّهجة البدويّة عمر أبو قطمة القلازين: „واحد ن من النّاس لاقيمة نعطيه... جانا اليوم وسايق في غيّه/ سايس والسّياسة محرّمة عليه... لا عرك ولا درك ولا فالرّجال زيّه/ علام قلمك اليوم بالسّمّ حاشيه... اعرف قدرك إش جاب الثّرا للثّريّا/ صبّ غشّ نفسه اللّي عاميه... على البدو ع قولة الدّحيّة/ حنّا البدو عندنا السّهم نرميه... رمية الموت ولا نحتسب ديّة/ ارجع يا خربشة حرف نمحيه... قبل لا ينسي هلك لك هيّة/ ما هزّنا قولك ولا انت من نواسيه... دحيّة بها الفخر والعزّ موروثنا دحيّة/ لو انت من العجم راسك ارميه... هذا كلام ن لك وافهم المرفق ن طيّة/ تاريخك والنّاس تعرف خوافيه... من طبعنا السّتر ارجع وأنا ابن البدويّة.“
بيانات عشائريّة
وأصدرت كلّ من عشيرة الحناجرة، والسواركة، والقطاطوة في مصر وفلسطين، وتجمّع شباب عشيرة الترابين، ومجلس شباب قبائل البادية، بيانات متفرّقة هدّدت في مجملها بالتوجّه إلى النائب العامّ في حال لم يعتذر أبو السبح لأبناء البادية عن تصريحه خلال 48 ساعة.
وطالبت العشائرالجهات الحكوميّة والمجتمعيّة بضرورة أخذ موقفها الواضح والصريح تجاه تلك التصريحات، وطالبت الحكومة في غزّة وحركة حماس بالوقوف جدّيًّا أمام الأصوات الهدّامة التي تزعزع الوضع الداخليّ وتمسّ بالأمن الاجتماعيّ لهذا الوطن، على حدّ تعبيرهم.
جاء في بيان اتّحاد قبيلة السواركة وقبائل أهل البادية في فلسطين وشمال سيناء، مثلًا: „بعد الاجتماع لشيوخ وكبار قبيلة السواركة، لقد تمّ الاتّفاق على إصدار بيان رسميّ بحق عطالله أبو السبح على ما تفوّه به من اعتداء على تراث الشّعب الفلسطينيّ عامًّا، وأهل البادية على وجه الخصوص. يصرّح الشّيخ مازن عبد المنعم أبو شيحة وشيوخ وكبار أهل البادية، بالإدانة والاستنكار على ما تمّ من اعتداء من المدعو أبو السّبح، ونطالبه بالاعتذار شخصيًّا وفورًا وبسرعة، ودفع الثّمن، وإلّا سوف نقوم باتّخاذ إجراءات قانونيّة وعشائريّة ضدّه، وذلك لردّ اعتبار وكرامة أهل النخوة والمروءة، أهل البادية، والشّعب الفلسطينيّ. وقد أعذر من أنذر.“
أمّا مطالب تجمّع الشّباب التّرابين وعشيرة القطاطوة فكانت كالتّالي: 1)) نطالب وبشكل رسميّ المدعو عطالله أبو السبح بالاعتذار عمّا بدر منه من إساءة للبادية ولقيمها الحضاريّة الموروثة من جيل لجيل. (2) لا نبرّر ردّة الفعل الشخصيّة غير المعبّرة عن قيمنا وثقافتنا الأصيلة المنبثقة من طيب ديننا الإسلاميّ الحنيف أمام هذا الحدث الجلل. (3) طالبنا ولا زلنا نطالب الجهات الحكوميّة والمجتمعيّة المدنيّة بضرورة أخذ موقفها الواضح والصريح اتّجاه تلك التصريحات غير المعبّرة عن رموز وقادة الشعب الفلسطينيّ. (4) نمهل الأخّ عطالله أبو السبح مهلة 48 ساعة للاعتذار رسميًّا لأبناء البادية الفلسطينيّة، وإلّا سنتوجّه للنائب العام متمسّكين بشكوانا إلى أن ترجع الحقوق لأهلها. (5) نطالب حركة حماس بالوقوف وقفة جدّيّة أمام هكذا أصوات هدّامة تُعنى بزعزعة الوضع العامّ والمسّ بالأمن الاجتماعيّ لهذا الوطن.“
القيادي المعتدل في حماس، أحمد يوسف، ردّ على أبو السبح قائلًا: „الدّحيّة هي متعة الشّباب، حتّى وإن كنت أحيانًا لكثرة ضجيج العرس لا أفهم كلماتها، لكنّها تجعلني أشعر بالانتماء للأرض التي نشأت على تراثها وكلماتها، فتحتاج أن تكون الأجواء حولك هادئة، لتدرك ما فيها من كلمات فيها الكثير من الأخلاق والروعة والبطولة والأدب.“
مجد
و“الدّحيّة“ رقصة بدويّة تُمارس في الكثير من المناطق، مثل النقب في فلسطين وسيناء المصريّة وشمال المملكة العربيّة السعوديّة وبعض دول الخليج وسوريا والأردنّ والعراق، وتؤدّى بشكل جماعيّ باصطفاف الرجال في صفّ واحد، أو حلقة، أو صفّين متقابلين، ويغنّي شخص أو اثنان، عادةً، أغاني بدويّة تراثيّة، ويردّ عليه الرّجال وهم يرقصون ويصفّقون صفقة موحّدة.
وخلال السنوات الأخيرة، عادت هذه الرقصة إلى مجدها لتصبح تقليدًا أساسيًّا في كلّ مناسبة في فلسطين، فلا يكاد يخلو حفل تخريج أو خطوبة أو زفاف أو احتفال بنتائج الثانويّة العامّة منها، وثمّة فنّانون فلسطينيّون راحوا يعيدون إحياء هذا النوع من الفنّ، ويوفّرونه على المواقع والتطبيقات السمعيّة بكثرة، منهم على سبيل المثال الفنّانان قاسم النّجّار وشادي البوريني في أغنية „صفّ الدّحيّة“، والّتي أخرج الفيديو الخاصّ بها عادل ظاهر، وقد أصدروا هذه الأغنية في آب (أغسطس) الماضي على ضوء الانتشار الواسع لهذا الفنّ مؤخّرًا.
ورغم أنّ كثيرين لا يفهمون اللهجة البدويّة التي تُغنّى بها هذه الأغاني، إلّا أنّ إيقاعها السريع الحماسيّ، والذي يُحَفّز على الرّقص، يدفع الجمهور، وتحديدًا الشباب، إلى الاستماع إليها بكثرة.
دحيّات حمساويّة
والغريب في الأمر، أنّ المتصفّح يمكنه أن يجد على موقع „يوتيوب“، مثلًا، عدّة دحيّات ذات مضامين تأييديّة لحماس، منها دحيّة تحت عنوان „نزلوا القسّاميّة“، و“دحيّة حماس“، و“أقوى دحيّة سعوديّة لكتائب القسّام“، و“دحيّة حماس 2016“، و“دحيّة حماس القسّام“، وغيرها.
من كلمات دحيّة „نزلوا القسّاميّة“: „نزلوا القسّاميّة، ابيحبوا حبيّة، طبّوا جرد فيهم، صرخوا الصّهيونيّة/ وين القسّاميّة، نشامى بنخيّة، هاتولي البارودة، وقليبك مقعودة/ دخيل دمّ الشّهداء، بدنا وحدة وطنيّة، زهقنا يا إخواني، حماس وفتحاويّة.“
بل إنّ هناك فيديو منتشرًا يُظهر إسماعيل هنيّة، خلال تولّيه رئاسة حكومة حماس، وهو يرقص حاملًا السّيف على أنغام الدّحيّة، وذلك خلال حفل تراثيّ نظّمته حركته في الزّوايدة بقطاع غزّة عام 2014، إحياءً لذكرى النّكبة الـ 66. بل إنّ أبو السبح نفسه يظهر في أحد الفيديوهات المرافقة لإحدى أغاني الدّحيّة تلك!
فكيف فات معالي الوزير السابق، د. عطالله أبو السبح، كلّ ذلك؟! وهل سيقدّم اعتذاره لأبناء البادية لإهانته رمزًا من رموز ثقافتهم الضّاربة في القدم؟!
حرب الدّحيّة : أبناء بادية فلسطين والجوار يشنون هجوم كاسح على "حمساوي" جاهل ذَم الدحيه البدويه!!
11.10.2016