أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
صيد العقارب في الصحراء التونسية مصدر رزق وترفيه !!
20.08.2016

تتكاثر في تونس أنواع العقارب والإصابات بلدغاتها في العديد من المناطق، وخاصة في الجنوب الصحراوي وبالأرياف بالذات، لكن أهالي الصحراء استفادوا من تكاثر هذه الآفة بعد أن وجدوا سوقا لبيعها، وأصبحت مصدر رزق للشباب الفقراء ووسيلة تسلية في مناطق تنعدم فيها وسائل الترفيه.
بني خداش ( تونس) - في مشهد يتكرر كل مساء في "بني خداش" التونسية، تتحرك أضواء في الأجواء تُنير معظم جنبات المدينة، حيث الشباب اعتادوا ممارسة هواية البحث عن العقارب باستعمال الكاشف الضوئي من أجل صيدها ومن ثم بيعها في سوق أعد لهذا الغرض، غير عابئين بسمها القاتل ولا بلسعاتها المميتة.
وبني خداش ليست المنطقة الوحيدة في تونس التي تكثر فيها "صاحبة الكلاليب"، بل نجد خطرها يحدق بكل القرى في الوسط والجنوب حيث يعمد سكان تلك المناطق إلى الإكثار من تربية الدواجن، خاصة منها الدجاج والبط، داخل وخارج فناء المحلات السكنية لتجنب تسربها وتفادي خطرها.
و"صيد العقارب" ظاهرة تعود في الجنوب التونسي، إلى العشرات من السنين، ولم يشذ أهالي منطقة بني خداش عما اعتاده سكان البسيطة من اصطياد للزواحف السامة، واستعمالها في صنع الأدوية، منذ المئات من السنين.
وتقع بني خداش في أقصى الجنوب التونسي، وهي تتميز بمناخها الجاف، ومناطقها الجبلية الوعرة، إضافة إلى جحور وصخور منتشرة في كافة أرجائها وجنباتها، وكذلك المناطق المحيطة بها، وهو ما أوجد بيئة ملائمة لعيش الزواحف السامة مثل العقارب والأفاعي.
ويقول الباحثون في العلوم البيولوجية إن هناك 152 نوعا من العقارب تهدد التونسيين بحلول فصل الصيف لا سيما في مناطق الوسط والجنوب الصحراوي التي يتكاثر فيها هذا النوع من المفصليات.
وتقول الإحصائيات إن هناك 425 حالة تتعرض للدغة العقارب من بين كل مئة ألف ساكن، وتكثر في الجنوب، خاصة منطقة توزر، بواقع 14.26 في المئة مقابل أدنى نسبة في مناطق سوسة والمنستير بالساحل التونسي بمعدل يقل عن 1 في المئة.
وتنقسم أنواع العقارب بحسب خطورتها إلى ثلاثة مستويات، يحتل منها المستوى الأول، الذي لا يشكل خطورة كبيرة، نسبة 90 في المئة من مجموع الإصابات، مقابل تسعة في المئة من المستوى الثاني الخطير نسبيا، وواحد في المئة للمستوى الثالث شديد الخطورة.
وتتمثل الخطورة في حالة اللدغ في تسرب كمية من سم العقرب إلى جسم المصاب قد تؤدي، في حالة عدم الإسعاف والعلاج بالسرعة المطلوبة، إلى انشطار (الهيموغلوبين) في الكروات الدموية إلى مادتين إحداهما شديدة السمية.
ويعد العقرب الأصفر ذو الأطراف السوداء النوع الأخطر من بين أنواع العقارب المتواجدة في تونس، لا سيما في الجنوب الصحراوي والمنتشرة أيضا في منطقة الخليج وشمال أفريقيا. وهناك بعض الأنواع من العقارب التي أصبحت مهددة بالانقراض نتيجة تعرضها المتزايد والمكثف لعمليات الصيد والتحنيط قبل عرضها للبيع كمنتج تقليدي مثير وجذاب للسياح الأجانب. أما النوع الثاني الأقل خطورة والمتواجد في معظم المناطق التونسية تقريبا فهو العقرب الأسود المنتشر في المناطق القاحلة بشكل عام.
ويؤكد الأطباء أن عامل الوقت يلعب دورا أساسيا في ضمان نجاح العلاج من الإصابة بلدغة العقرب، فبقدر ما يكون تلقي العلاج سريعا بقدر ما تتعزز فرص النجاة من الإصابة.
رحلة الصيد
وفيما تشير الساعة إلى العاشرة مساء، وتقارب درجة الحرارة الـ25، يخرج الشباب جماعات في رحلة صيد كما فعل علي النصري (29 عاما) ورفاقه بحثا عن عقارب، وبحسب حديثهم، تبدأ عملية البحث في مكان غير بعيد عن منازل السكان، فمع ارتفاع درجات الحرارة تخرج العقارب من الجحور المتواجدة على سفوح الجبال، قاصدة المناطق السكنية.
وتقوم أنواع من العقارب بحفر مخابئ لها في الأرض القاحلة والصلبة حيث تقضي معظم الوقت تتربص لصيد الحشرات بأطرافها ذات المفاصل كغذاء لها، بينما تكتفي أنواع أخرى بالاختفاء تحت الحجارة والخروج عند الحاجة.
ويقول النصري “هذه الظاهرة تعود إلى سنوات بعيدة، حيث يستغلّ الصغار تلك الهواية في تأمين مصروفهم اليومي أو شراء الكتب المدرسية عند العودة المدرسية، لكن بالمقابل لها سلبيات عديدة، إذ تعرّض عدد كبير منا إلى لسعة العقارب التي كلفت الكثير حياتهم".
ووفقا للشاب التونسي، فإن عملية صيد العقارب أصبحت مؤخرا أكثر سهولة مما كانت عليه في الماضي، وذلك عبر استعمال الكاشف الضوئي الذي ظهر السنة الماضية.
ويقول محمد المباركي من سكان المنطقة إن ابنه بلقاسم البالغ من العمر 14 سنة ورث عنه اصطياد العقارب من أجل سد بعض المصاريف. محمد قال إن ابنه يخرج غالبا في فترة الظهيرة للبحث عن العقارب، وفي بعض الأحيان في الليل رفقة أصدقائه، ظاهرة قال إنها لا تعتبر خطيرة طالما أنهم اعتادوا على ذلك منذ عهود.
والكاشف الضوئي الذي تحدث عنه الشاب، جهاز خاص بصيد العقارب، بمجرد أن يقع ضوءه على العقرب يغيّر لونه إلى الأصفر المائل إلى البياض، ليتسنّى تمييزه عن بقية الأشياء المحيطة به في المكان، فيسهل بذلك مسكه باستعمال لاقط (قطعة من الحديد المطوي) ووضعه في الوعاء المخصص لحفظه.
„عملية صيد العقارب أصبحت مؤخرا أكثر سهولة مما كانت عليه في الماضي، وذلك عبر استعمال الكاشف الضوئي الذي ظهر السنة الماضية“
وقبل ظهور الكاشف الضوئي كان صيد العقارب يتمّ نهارا، من خلال رصد مكان العقرب والقيام بالحفر وإخراجه من جحوره عبر استعمال الملعقة.
ويقول عدد من الأهالي إن منطقتهم تعاني من غياب المشاريع التنموية والمنشآت الترفيهية، لذا يلجأ الشباب إلى “الترفيه” عن أنفسهم عبر ممارسة هذه الهواية التي تحولت لاحقا إلى مورد رزق.
سعد الكرداوي، أحد سكان المدينة، يقول إنه “مع انتهاء الموسم الدراسي في بداية فصل الصيف، يبدأ موسم صيد العقارب، وعلى مدار سنين تحوّلت هذه الظاهرة من هواية إلى مورد رزق يقتات منه الصغار والشباب، خاصة مع ارتفاع نسب البطالة”.
ويقول الحبيب الزموري إن أطفال الجهة يتخذون من اصطياد العقارب، بالرغم من خطورته، وسيلة للترفيه خاصة في ظل انعدامها في هذه المنطقة الريفية والجبلية، داعيا إلى ضرورة توفير الوسائل الترفيهية البديلة لأبناء بني خداش.
فادي المحضاوي (13 عاما)، أصبحت لديه اليوم علاقة صداقة تجمعه بالعقارب وبقية الزواحف السامة، ففي الوقت الذي يهرع فيه البعض هربا بمجرد رؤية مثل هذه الحشرات السامّة، يقضي فادي ساعات في البحث عنها واصطيادها، متسلحا في ذلك بملقط ووعاء.
المحضاوي يقول إنه يصطاد في الليلة الواحدة ما بين الـ200 والـ500 عقرب باختلاف أنواعها وأحجامها، ويجمع محصوله الأسبوعي داخل وعاء مغلق، لبيعه آخر كل أسبوع في السوق الذي أُعدّ مسبقا
حقل تجارب
تلعب العقارب دورا في حقل التجارب والأبحاث للأغراض الطبية في تونس من خلال "معهد باستور" حيث تجرى أبحاث وتجارب مستمرة حول مدى إمكانية الاستفادة من سم العقرب كمادة لاستحضار الأمصال واللقاحات ضد التسمم وأمراض المفاصل للإنسان.
ويبلغ سعر العقرب الواحد 200 مليم (0.1 دولار)، ويمكن أن يحصل كل صياد على مبلغ 60 إلى 70 دينارا تونسيا (ما بين 30 و35 دولارا) أسبوعيا. وفي كل قرية في بني خداش يصطاد الشباب ما يقارب الـ5 آلاف عقرب أسبوعيا، ويبيع الصغار ما يصيدونه إلى شخص يأتي خصيصا لشرائها وحملها إلى العاصمة تونس، لاستعمالها في البحوث الطبية أو في صناعة الأدوية.
نجيب العايب (49 عاما)، يعمل منذ ما يزيد عن الثلاثين عاما كوسيط بين وزارة الصحة التونسية وصيادي العقارب. العايب يقول “منذ أن كان عمري 9 سنين كنت أعمل مع والدي في هذه المهنة، وعائلتنا هي الوحيدة التي تشتري العقارب من الصغار (الفتيان) وتبيعها لوزارة الصحة، ولنا في ذلك تراخيص قانونية”.
ومع نهاية كل أسبوع يأتي العايب إلى بني خداش، ويشتري كل العقارب التي جرى اصطيادها، ويضعها في صناديق خشبية بها ثقوب توفرها وزارة الصحة، ليحملها في ما بعد إلى العاصمة مباشرة.
ويتابع قوله “تأمل وزارة الصحة في تونس في كل موسم (يمتد على 3 أشهر وعادة ما يبدأ مع يونيو) توفير ما يقارب الـ100 ألف عقرب، لهذا فأنا أشتري كل العقارب التي أجدها في بني خداش، وأعطي أحيانا مكافأة للصغار الذين يجمعون أعدادا كبيرة منها، وإلى الآن قمت بتجميع ما يقارب الـ25 ألف عقرب، وهذا رقم كبير باعتبار أن انطلاقة الموسم الحالي كانت مع بداية يوليو”.
ويتم استغلال العقارب في البحوث العلمية في معهد باستور (مختص في الدراسات والبحوث العلمية الطبية)، بينما يتم تصدير جزء منها إلى فرنسا.
وأوضح العايب أن “العقارب تعتبر ثروة كبيرة في تونس، ويقارب سعر قارورة صغيرة من سم العقرب الطبيعي 39 ألف دولار أميركي”، وفضلا عن استخدامه في صنع الأدوية المختلفة، يستعمل سم العقارب في تونس أيضا كمضاد للسعاتها.

1