تعد واحات ليوا متحفا فريدا لمحافظتها على العادات والتقاليد البدوية الضاربة في القدم، إضافة إلى احتوائها على مناطق أثرية ذات قيمة تاريخية، ودأب مهرجان الرطب فيها على عرض هذه التقاليد المتفردة كل عام، موفرا بذلك الفرصة للسياح والزوار لاكتشاف خصوصيات المنطقة وتقاليدها وآثارها.
أبوظبي- في عمق صحراء العاصمة الإماراتية أبوظبي تقع واحات ليوا، التي تمزج بين تجمعات الماء وبين كثبان وتلال الرمال الذهبية اللافتة للأنظار، وهي واحدة من اشهر المناطق الخليجية التي تزرع النخيل وتنتج أجود أنواع التمور.
وعلى أرض واحات ليوا، يقام أكبر مهرجان في العالم للبلح والتمر والرطب، والذي يجذب عشرات الآلاف من السائحين والمزارعين والمهتمين بزراعة النخيل وإنتاج البلح.
وتمتد محاضر ليوا في جذور التاريخ البعيدة، فرغم ملامح الحداثة التي تبدو عليها إلا أن التاريخ لا يغيب عن الإقليم الذي ينبض بالحياة والأصالة ويحمل بين جنباته عظمة ومجد الأولين وصبرهم على الظروف القاسية سواء كانت طبيعية أم بشرية.
ويرد المواطن عيد بن أحمد المنصوري، أحد أبناء ليوا، الشهرة التي صارت تميزها إلى عاملين أساسيين هما ماضيها المرتبط بتاريخها العريق وحاضرها المرتبط أساسا بالعمل الذي توليه السلطات لهذه المنطقة على المستوى السياحي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي. ويشير إلى أن ليوا تصنف ضمن المناطق الأثرية، إذ يوجد بها العديد من الآثار التي تتميز بقيمتها التاريخية، فهي تكتنز ضمن أرضها أقدم المواقع التاريخية وتوجد بها مجموعة كبيرة من الحصون والأبراج.
محاضر وحصون
يصل عدد ما عرف من الحصون والأبراج إلى خمس عشرة قلعة وبرجا متفرقة في الواحات، منها ما تهدم ويحتاج إلى تنقيب لاكتشافه ومنها ما هو موجود حتى الآن وتمت فيه عمليات الصيانة والترميم. ومن بين هذه الحصون، كما يروي المنصوري، حصن ظفير الذي بناه بنوياس، وموقب، والغريب، والطرق، وحصن خنور وبناه بنوياس أيضا، وحصن حويل وحصن أم حصن الذي يعتبر من أقدم الحصون في المنطقة، وحصن قطوف وبناه بنوياس أيضا، وحصن نميل وبناه البوفلاح، وحصن مزيرعة، وحصن الميل، وحصن العد، وحصن الجبانة، بالإضافة إلى برج مارية الغربية، وحصن الهيلة الذي لم يبق منه سوى برج أسطواني.
وعن أشهر محاضر ليوا الآن ذكر منها المنصوري حميم، وعتاب، واليارية، والخيس، ونشاش، وعرادة، والحميضي، والصبخة، والثروانية، وموصل، وقرمدة، ونفير، والرايقة، ومزيرعة، والمارية، وعتاب، وخنور. وخلص إلى القول “كان الغرض من إنشاء هذه الحصون الدفاع عن المنطقة وحراستها، إذ يتم تعيين حراس فيها للمراقبة يقومون، في حال رأوا مكروها، بإبلاغ أهل المنطقة والذين يرسلون بدورهم رسلا إلى المناطق المجاورة لإبلاغ الأهالي هناك بالخبر والذين يرسلون من جانبهم رسلا لإبلاغ المناطق التي تجاورهم .. وهكذا حتى يصل الخبر من أقصى غرب المحاضر إلى أقصى شرقها فتأخذ القبائل حذرها وتجهز نفسها وتتحد من أجل الدفاع عن المنطقة”.
وعن أسماء هذه المحاضر وسبب تسميتها يقول المنصوري إن محضر “عرادة” هو الأول من ناحية الغرب وسمي بهذا الاسم لأن الشجر الموجود في المنطقة هو من نوع العراد، ومحضر “أم الحصن” لوجود حصن قديم فيه، أما محضر “الخريمة” فسمي بهذا الاسم لأن المنطقة مفتوحة وأرضها سهل. ويضيف المنصوري أن محضر “الملقطة” سمي كذلك لأن أشجار النخيل فيه متفرقة وتتجمع في النهاية في مكان واحد، و”العد” لأن به ماء عذب قوي التدفق في أرض حصوية ويطلق العرب على الماء العذب “عد”، و”المارية” لأنها مرتفعة فتبدو واضحة للعيان وتعتبر علامة مميزة في المنطقة لذا سميت المارية، أما “خنور” لأن مدخلها ضيق، و”الطرق” لأنه يبدو كرأس جبل يرتفع في منتصف الرمال.
وقال المنصوري إن محضر “ردوم” يضم حزوما جبلية أي قرونا جبلية، وهي عبارة عن كثبان رملية صغيرة على هيئة جبال في أرض منبسطة ومحضر “بوصدين” سمي كذلك لأن المكان صاد على صوب واحد أي جنب واحد. وأضاف أن محضر “كية” سمي بهذا الاسم لأن أرض المنطقة شديدة الخصوبة وكأنه قد تم كيها، وهي معروفة حتى الآن بخصوبة مزارعها وشهرة نخيلها، ومازال رطب مزارعها يفوز بالمراكز الأولى ضمن مهرجان ليوا للرطب وأكثر مزارعها لبوفلاح “آل بوفلاح”، ومحضر “موقب” نسبة لبئر ماء وقب أي صغير يوجد في المنطقة.
وعن المحاضر الشرقية قال إن محضر “حويلة” مثل الوادي المنحدر من بعيد وتظهر منه تفرعات عدة وكل تفرع له اسم، و”ظويهر” ظاهر من ناحية الشمال و“قطوف” لأن المنطقة تقع على مسن الوادي ويقولون فيها أول نخلة يقطفون منها الرطب ولا يعرفون مالكها، و“القرمدة” وموقعها فوق رمال مقرمدة، ومحضر “نميل” في أرضه نمل كثير فسمي نميل، و“النشاش” كان صعب مظهاره ويعجز المطية أي يصعب الوصول إليه حتى على ظهور المطايا، ومحضر “الييف” وهو أرض صادة وله وجه من أحد الجوانب يسهل الوصول إليه ورمله غزير من الجانب الآخر ويصعب الوصول إليه، و”سريط” لأن الرمل في هذه المنطقة يتحرك ويمشي بسرعة فيصل إلى النخيل المزروع ويدفنه وكأنه يأكله ويسرطه أي يبتلعه. ومحضر “صبخة” ويعتبر بلاد الهوامل أي قبيلة الهوامل وكانت المنطقة أرضا سبخة، و”ثروانية” وسميت بهذا الاسم لأنها كثريا مرتفعة، و”الجبانة” من جبة فيها فكة عن ليوا، ومحضر “جرة” وهو أرض منجرة من الطريق، و”حميم” وهو ماء خور وحميم نسبة لحرارة الماء.
ويضيف المنصوري أن محضر “مزيرعة” سمي بهذا الاسم نظرا لاشتهاره بالزراعة مند القدم وما زال حتى الآن، وتعود ملكية معظم أراضيه إلى آل بوفلاح، ومحضر “سحاب” وسمي بهذا الاسم لأن له سحاحيب كثيرة أي له سهول كثيرة، ومحضر “بوهفافة”، وسمي كذلك لأن هواء منطقته عليل وطيب، و”أم الزمول” يقال إن سبب تسميته يرجع إلى أن بعض أهالي المنطقة من العرب قديما مروا على بئر الماء الموجودة فيه وبعد أن شربوا قهوتهم وقت الظهيرة استراحوا بالقرب منها وتعاركت الركاب مع بعضها البعض وسقطت في الطوي وماتت داخل الطوي فسمي “أم الزمول”.
تراث وحداثة
عن أشهر قبائل إقليم الظفرة قديما يقول المنصوري، “تعتبر منطقة المحاضر وجها لأبرز القبائل كقبيلة بني ياس وأبرزها آل بو فلاح وآل بو فلاس والمرر والهوامل والقبيسات والرواشد والمزاريع والقمزان والرميثات إضافة إلى المناصير”. ويقول عيد المنصوري، “ما زالت محاضر ليوا تحتفظ بخصوصيتها حتى يومنا هذا فغربها تسكنه قبيلة المزاريع وناحية المحاضر الشرقية تسكن قبيلة المناصير، وفي محضر ‘سبخة’ وما يجاوره تسكن الهوامل والمحاربة”.
وأشار إلى أن محضر “مزيرعة” تسكنه محاربة وقبيسا، مؤكدا، “كان أهالي ليوا ومازالوا إخوانا ولا يفارقون بعضهم بعضا وبينهم نسب وود”. وذكر أن أهل ليوا اعتمدوا في معيشتهم على البحر وامتهنوا الغوص خلال فترة الصيف من شهر مايو وحتى نوفمبر من كل عام، ثم وبعد أن يبرد البحر كانوا يعودون إلى البر حيث اشتهروا في مجال الغوص والطواشة “شراء وبيع اللؤلؤ”.
من جانبها تقول المواطنة شمسة المزروعي من أهالي المنطقة “إن الأهالي عانوا كثيرا في حياتهم وثابروا وكافحوا من أجل كسب لقمة العيش قبل أن تشهد المنطقة تحولات كبيرة في بناها التحتية ما ساهم في تغير نمط الحياة في ليوا مع احتفاظ أهلها بالموروثات والتقاليد والعادات، فانتشرت النهضة الزراعية وتم حفر الآبار الجوفية لري المزارع وزيادة المساحة الخضراء وتم إنتاج الخضراوات والأعلاف لزيادة دخل المواطنين ورفع مستواهم المعيشي”.
وتضيف “في المجال العمراني شيدت المساكن وتم توزيعها على المواطنين وتم توصيل كل الخدمات الضرورية إليها كالكهرباء والماء وخدمة الهاتف، وانتشرت المدارس في ليوا بمختلف المراحل الدراسية لتقديم خدمات التعليم لأبناء البدو في أماكن وجودهم ونقل الحضارة والمدنية لهم بدلا من أن يذهبوا ويهاجروا إلى المدن الأخرى، وتم تعبيد ورصف الطرق الحديثة بعد أن كانت حركة التنقل في الماضي تتم على ظهور الركاب (الجمال) من ليوا إلى أبوظبي وغياثي والمرفأ وطريف، وذلك من أجل تحقيق الاستقرار للمواطنين في أماكن سكناهم.
وتتذكر شمسة حياة الماضي ودور شجرة النخيل، وقالت “نبدأ يومنا بالاستيقاظ مع أذان الفجر لنتوضأ ونصلي، ثم نجلس لاحتساء فنجان قهوتنا، إلى جانب تناول القليل من التمر وحليب الإبل اللذين يشكلان الغذاء الرئيسي لنا”. ومضت تقول “حين يلمح أحد المواطنين في المحاضر تباشير القيظ في نخيله يجمع رطيباتها الناضجة ويقتسمها مع منازل المحضر بالكامل، لكل واحد رطب، وإذا لم يكف ذلك فنصف رطبة، وإذا لم يكف فربعها، المهم ألا يتبقى أحد في المحضر إلا ويتذوق الرطب”.
فرصة السياح
يعتبر مهرجان ليوا للرطب منصة تعنى بإحياء التراث وإعطاء الصورة المثلى للعادات والتقاليد التي يتميز بها أبناء الإمارات، وقد اعتاد الزوار من الخارج، والمقيمين خاصة، على إقامته في أشهر الصيف. ويقول عبيد خلفان المزروعي، مدير المهرجان، أصبح مهرجان ليوا منصة تحفيز اقتصادي، ومنصة لإحياء التراث وتقاليده العريقة من خلال الأنشطة والبرامج المتنوعة، ليتحول بذلك إلى محطة رئيسة على خارطة المهرجانات السياحية.
وتبدي شمسة سعادتها بالمهرجان قائلة “منذ القدم يعتبر موسم تباشير النخيل في ليوا موسم فرح سنويا يعيشه المزارعون في المحاضر، ولكن في السنوات الأخيرة أصبحت فرحتنا فرحتين؛ الأولى بموسم الرطب، والثانية بمهرجان الرطب”. وتقول السائحة البريطانية، باربرا بيل، إنها تحرص سنويا على زيارة مهرجان ليوا، كونه مهرجانا فريدا من نوعه، ويقدم أصنافا وأنواعا مميزة من البلح.
التراث هوية
وتضيف “يتاح لنا التعرف على أنواع غير منتشرة من البلح، ولا نجدها إلا في هذه المنطقة، وبعضها يتميز بمذاق شديد الحلاوة، ويجذب الكثيرين لشرائه”. أما السائحة، مارتين ديمي، فتقول “أتجول أنا وأبنائي بين معروضات مهرجان ليوا من أنواع البلح، وأتعرف على أسمائها، وأحرص على تذوق أنواع كثيرة منها، إلى جانب التقاط صور تذكارية بجوار سلال البلح التي يتم إعداها بعناية شديدة، لتتحول إلى سلال ذات أشكال قريبة من اللوحات الفنية بألوانها الزاهية”.
وتضيف “أحرص أيضا على التجول في السوق التراثية، التي تعرض منتجات يدوية صنعت بإتقان شديد من قبل نساء الأمارات، وهي منتجات مشتقة من ألياف وسعف النخيل، ما يجعلها أشبه بالتحف، وذات قيمة عالية”. ويقول خالد عابد، وهو مصري مقيم في دبي “على الرغم من أن المسافة بين دبي وليوا تزيد عن 300 كيلو متر، إلا أني أحرص على زيارة المهرجان الذي يقام سنويا، حتى أتابع أحدث ما وصل إليه العلم في مجال زراعة ورعاية النخيل”.
ويضيف “نزرع النخيل في مصر، ووجودي في مهرجان ليوا يساعدني على جمع الكثير من المعلومات التي تفيدني في الحفاظ على زراعتي، وتطويرها، وجني أجود أنواع البلح”. ويشير عابد إلى أن “المهرجان يجمع أشهر وأبرز مزارعي النخل، ومزارعين يمتلكون مزارع متميزة من مختلف أنحاء الإمارات وسلطنة عمان، ودول الخليج، إلى جانب مزارعين من دول عربية يقدمون إنتاجا متميزا من البلح، ما يجعله ملتقى فريدا من نوعه لتبادل الخبرات بين المزارعين ومنتجي التمور والرطب”.
ليوا أرض الرطب والحصون والأبراج في الإمارات !!
15.08.2016