أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
رمضان في تونس.. ألفة أسرية وسهر وتبضع !!
30.06.2016

يعتبر السهر في تونس من العادات الرمضانية، حيث تنتعش الحركة في المقاهي، وتكثر الزيارات العائلية، ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية في النصف الأول من شهر الصيام، وتختار أغلب العائلات الخروج في النصف الثاني لاشتراء ملابس العيد ومتابعة مهرجان المدينة، الذي ينتظم بهذه المناسبة كل سنة، وتكون أغلب سهراته في المراكز الثقافية بالمدينة العتيقة.
تونس - يعوّض التونسيون في رمضان حرارة الصيف وعناء الصيام في النهار بالسهر ليلا، حيث لا يفضل البقاء في البيت بعد الإفطار إلا القليل من العائلات، بينما تختار البقية الخروج إما إلى مقاهي الحي وإما السهر في المدينة القديمة التي تستفيق من سباتها في شهر الصيام، ويحلو في مقاهيها السهر على أنغام الموسيقى، كما أن مهرجان المدينة يؤثث السهرات في المراكز الثقافية المنتشرة في أنحاء المدينة، التي اعتادت أن تطفئ أضواءها مع صلاة المغرب في باقي أشهر السنة.
تجتمع الأسرة التونسية عند الإفطار على المائدة بشكل جماعي، ويعتبر شهر الصيام فرصة نادرة لاجتماع كل أفراد العائلة على مائدة واحدة، لكن ما إن ينتهي لقاء الطعام حتى تبدأ برامج السهرة وخاصة في النصف الثاني من شهر الصيام، فمن العائلات من تختار السهر سوية، ومنها من يختار أفرادها الالتقاء بالأصدقاء لينطلقوا في سهرات تصل في غالب الأحيان إلى موعد السحور.
في شوارع العاصمة تبدأ أزمة حركة المرور مع الساعة التاسعة ليلا، حيث تفتح المحلات التجارية، وتمتلئ المقاهي بمرتاديها الذين يجتمعون على فناجين القهوة والعصائر والحكايا التي لا تنتهي، وتمتلئ الشوارع بالعائلات التي تصطحب أطفالها لاختيار ملابس العيد، إنها فرحتهم، حيث تكثر اقتراحاتهم حول اختيار الملابس التي يفضلونها، في حين يحاول الأولياء التوفيق بين الميزانية التي أنهكتها مصاريف رمضان، ورغبة أطفالهم الذين لا يأبهون إلّا بلباس غالي الثمن للتفاخر به أمام أترابهم يوم العيد، بل منهم من يلح في شراء لباس آخر لثاني أيام العيد، كما فعلت رؤى مع أمها فاطمة التي جابت كل شوارع العاصمة حتى تجد لباسا مناسبا من حيث الجودة والسعر، رؤى لا تخفي فرحها بما اشترت لكنها تتحايل على أمها المتعبة، فتقترح الصغيرة العودة إلى البيت على أن تعود مرة أخرى لشراء ملابس اليوم الثاني من العيد.
فاطمة تتعجب من هذا الجيل الجديد الذي كثرت طلباته، وتتذكر أيام صغرها إذ لم تكن تختار ملابس العيد، بل كانت تنتظر ما يجود به والدها، فالفرق شاسع بينها وبين ابنتها رؤى البالغة من العمر ثماني سنوات، تقول “إننا كنا نعتبر ملابس العيد هدية من والدنا، في حين تعتبرها رؤى ابنتي حقا مكتسبا لا يمكن أن تتنازل عنه”. أما ابنها لؤي والبالغ من العمر 16 عاما فلا يخرج للتبضع مع والده أو والدته بل يأخذ المال ويختار بنفسه ملابس قد تضاهي قيمتها ماهية والدته الموظفة بإحدى الوزارات.
حال فاطمة كحال بقية العائلات متوسطة الحال التي تقضي شهر رمضان وهي تحاول التوفيق بين توفير المواد الأساسية طيلة الشهر وتوفير البعض من الملابس للأطفال، لكن ذلك لا يمنعها من الاستمتاع بسهرة في أحد المقاهي ولو مرة واحدة خلال الشهر.
المدينة تحتفل
عشاق السهر في المدينة القديمة لهم اختيارات عديدة، تبدأ بالمقاهي في الشوارع الضيقة حيث السمر على أنغام الموسيقى وتدخين “الشيشة” في جو عربي ساحر ينسون معه ضوضاء الشوارع المكتظة بالمارة وضجيج السيارات أو متابعة سهرات مهرجان المدينة الذي تطغى عليه هذه السنة الأجواء الموسيقية التونسية.
.بعض الطلبة الذين أنهوا امتحاناتهم قلبوا نهارهم إلى النوم وليلهم الى الحياة، شاكر الذي انهى امتحان البكالوريا بنجاح لم يستفيق من النوم قبل الافطار بساعة أو ساعة ونصف، ليلتقي مع أصدقائه في حدود الساعة التاسعة حيث تبدا سهرتهم الى الصباح برامج مختلفة في كل ليلة.
ويزدحم سوق “العطارين”، وسوقا “الشواشين” (الصغير والكبير)، و”البركة”، و”القصبة” بالزوار، ولكن ليس للتبضع وإنما للسهر في المقاهي حيث يترشفون الشاي والقهوة العربي، وحيث يتواجد عازفون يؤدّي البعض منهم الأغنيات التونسية أو العربية القديمة لأم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم، والتي يتفاعل معها الحاضرون.
ولا تزعج الموسيقى متساكني المدينة الذين قل عددهم في السنوات الأخيرة، رغم أن السهرات لا تنتهي إلا في ساعة متأخرة من الليل، بل تطربهم الأجواء خاصة وأن المدينة القديمة تنتهي فيها الحركة ويعمها السكون مع حلول الظلام في سائر أيام السنة.
ويقول ناجح (38 سنة) أن المدينة القديمة تفرض نفسها خاصة خلال شهر الصيام، بمقاهيها التي يعود بعضها إلى أواخر القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، وبأسواقها ومعمارها ورائحتها الذكيّة الطّيبة، فيقبل عليها الشباب والعائلات لقضاء سهرة يملؤها عبق التاريخ والأصالة، يتلذذون الشاي التي تفوح منه رائحة النعناع، والقهوة العربية بماء الزهر، على أنغام الموسيقى.
نزيهة تكتشف لأول مرة ليل المدينة القديمة خلال شهر رمضان بعد أن اعتادت المقاهي العصرية التي ترى أنها أصبحت مملة وروتينية حيث تفتقد إلى الألفة بين زائريها، وينكب الجالسون على طاولة واحدة على هواتفهم الذكية يقلبون صفحات التواصل الاجتماعي مما يخلق قطيعة بين الجالسين، في حين أن المقاهي القديمة تبعد مرتديها عن كل ما هو افتراضي وتجعل الأصدقاء في تواصل مستمر مع بعضهم البعض، تشدهم العادات العربية القديمة في السمر.
وتضيف نزيهة قائلة المعمار التقليدي القديم الذي يميز مقاهي المدينة العتيقة يزيد من الشعور بالألفة لدى الحاضرين حيث يشترك الجميع في الحنين إلى زمن جميل لم يعشه الشباب لكن بالإمكان استحضاره “هنا كل شيء بطابع عربي تقليدي، الجلسة والموسيقى التي نسمعها والمشروبات كذلك، وهو ما يجعل المكان أكثر راحة وهدوءا بعيدا عن صخب المدن والحياة العصريّة”.
ويستبشر تجار المدينة في النصف الثاني من شهر الصيام بعد ان غاب السياح في النهار وكسدت تجارتهمن اما في رمضان فتزدهر تجارة ملابس العيد والملابس المخصصة للختان، إذ اعتاد التونسيون ختان أبنائهم في ليلة القدر، كما تزدهر تجارة الذهب والمصوغ للأفراح والخطوبات.
ويزيد مهرجان المدينة الأزقة الضيقة نكهة ليالي رمضان، فقد استطاع المهرجان أن يحدث حركية فنية داخل المدينة العربية كما يحلو لتونسيين تسميتها، ويخلق نكهة خاصة في شهر رمضان، بما يتضمنه من عروض متنوعة يؤثثها فنانون يحظون باحترام من قبل الجمهور المتشبع بثقافة الحياة.
ومن بين أبرز العروض التي تمت برمجتها في مهرجان المدينة عرض المطرب التونسي زياد غرسة المعروف بأدائه للمقامات التونسية وأغاني “المالوف” الأصيلة، إلى جانب الحفل الغنائي للفنانة التونسية صوفية صادق بعد غياب طويل.
كما تتخلل برمجة مهرجان المدينة إضافة إلى عروض صوفية أنشطة ثقافية وعروض على غرار خرجة سيدي بن عروس بالمعلم التاريخي “دار حسين” و”عيساويات الكاف” بالمعلم التاريخي “دار لصرم” وهي عروض تجذب إليها الجمهور التونسي خلال شهر رمضان.
الشباب من عشاق الرياضة يقولون إن سهرات رمضان هذه السنة تختلف عن سابقاتها خاصة وأن كأس أوروبا وأميركا اللاتينية يؤثثان السهرات التي تنطلق خلالها المباريات بعد الإفطار وتمتدّ إلى السحور، المباريات هذه السنة رائعة والتشجيع بين الأصدقاء يضيف جوا رائعا على السهرة كما يقول توفيق موظف، والذي يتنافس كل ليلة مع صديقه ماهر حول هوية الفائز ويكون الرهان دفع ثمن القهوة وقارورة الماء المعدني.
يقول ماهر إن السهرة تبدأ بمباراة أوروبية وبعد ذلك نلعب الورق ثم نتابع مباراة من “كوبا أميركا” وغالبا ما أعمد إلى تشجيع الفريق الذي لا يختاره صديقي توفيق، فقط لتنشيط السهرة فأحيانا لا أراهن باقتناع على الفريق المنافس للفريق الذي يختاره صديقي، ولكن لا بدّ أن يدفع أحدنا ثمن مشروب السهرة.
الهروب إلى البحر
وهروبا من الضوضاء والاكتظاظ بوسط العاصمة، وبحثا عن الأجواء المنعشة، يختار عدد كبير من التونسيين التوجه إلى الضاحية الشمالية فمنهم من يختار حلق الوادي وآخرون يختارون شواطئ قرطاج أو مقاهي سيدي بوسعيد أو المرسى، وتسهر العائلات على الشواطئ الندية، حيث يسبح الكثيرون في بحرها، ويلعب الصغار على رمالها.
على شاطئ صلامبو في شمال العاصمة اختار أحمد وزوجته وابنتهما زينب الجلوس على الرمال لتلعب زينب مع أمها سوسن في حين اختار هو السباحة. يقول أحمد “أحبذ السباحة في البحر كل ليلة وأنا أتناول وجبة السحور في هذا المكان. الطقس حار جدا، والمنازل وإن كانت مكيفة فهي لا تطاق في الصيف”.
وتكتظ ضاحية حلق الوادي ليلا خلال شهر رمضان في هذا الصيف الحار، فهواء بحرها ولطف الجوّ على شواطئها يشجعان التونسيين على تدخين الشيشة وشرب فنجان قهوة حسب الاختيار حتى ساعات متأخرة من الليل. وقد اشتهرت مدينة حلق الوادي منذ القدم بسهراتها الرمضانية على شاطئ بحرها أو في مقاهيها، بل تقدم مطاعمها وجبات الإفطار إذ تختار البعض من العائلات أن تحضر إلى البحر قبل الإفطار وتسهر حتى موعد السحور.
تقول هاجر صحافية، إنّها تعوّدت على أن تكون قبل الإفطار في المنزل وتحديدا في المطبخ صحبة صديقاتها لتحضير ما لذّ وطاب وإنها بعد ذلك وبعد الانتهاء من غسل الأواني تختار وجهتها نحو المكان الذي تحدده المجموعة، مشدّدة على أنّ الأماكن التي يقع الاختيار عليها يجب أن تكون آمنة، وغالبا ما يتفق الجميع على اختيار حلق الوادي، مضيفة أنها تنظم كل نهاية أسبوع مع صديقاتها إفطارا في أحد المطاعم وتمتدّ السهرة حتى موعد السحور.
وتزداد الحركة في مناطق الضاحية الشمالية خلال النصف الثاني من رمضان، يقول شهاب أنه من مرتادي ضاحيتي سيدي بوسعيد والمرسى مع زوجته، لكنه يشتكي من غلاء الأسعار المفاجئ والبيع المشروط أحيانا حيث تفرض بعض المقاهي صحن حلويات على الطاولة دون أن يختاره الحريف، وهي ظاهرة انتشرت وبدأت تقلق الساهرين.
وتقول سندس إنها تقضي سهرات رمضان مع العائلة مضيفة أنّها لن تتخلى عن السهر وقضاء أوقات ممتعة مع الأصدقاء والأحباب في المرسى وسيدي بوسعيد وحلق الوادي الذي قالت عنه إنها تعشق سهراته، موضّحة أنّ تخطيط البرنامج وتحديد الوجهة يكون قبل الإفطار بساعات.

1