أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
صناعة النحاس في الجزائر تبحث عمن يدق مطارقها!!
14.05.2016

يلعب التراث المادي والمعنوي دورا بارزا في التعريف بهوية العديد من البلدان العربية التي تعتمد على السياحة، كما يساهم في تنشيط دوراتها الاقتصادية وجلب العملة الصعبة، لكن الجزائر بقيت بعيدة عن هذا الأمر، وهي التي تزخر بتراث ثقافي غنيّ، حتى أن حرفة مثل النحاس ونقشه أصبحت مهددة بالاندثار لقلة المقبلين من الشباب على تعلمها.
قسنطينة (الجزائر) - في مدينة قسنطينة المعروفة بصناعاتها التقليدية في شرق الجزائر، يشعر النحّاسون بقلق إزاء مستقبل مهنتهم مع فرار الكثيرين منها بحثا عن أعمال أخرى تحتاج إلى مجهود أقل وتُفيئ بعائد أوفر.
وكان شارع النحّاسين في مدينة قسنطينة يعج بالعاملين والمتسوقين في ما مضى، لكن الكثير من المتاجر والورش أغلقت أبوابها هذه الأيام مع تناقص أرباح تلك المهنة وتطلع الشبان إلى أعمال أخرى أفضل دخلا.
يقول نحّاس يدعى عبدالحق (59 عاما) “لا يوجد العديد من النحّاسين في هذا المجال، لأن الطلب على هذه المهنة قليل. فهم يفضلون العمل في مكان آخر، في شركة مثلا.. لأنهم لا يرون أي مستقبل لهذه الصناعة، ولهذا نجد أغلبية النحّاسين كبارا في السن، وأن القليل منهم فقط شبان”.
وتزداد معاناة النحّاسين مع تراجع السياحة وإغراق السوق بسلع نحاسية مستوردة من الصين أرخص سعرا.
ويقول النحّاس محسن (30 عاما) “ليس لهذه الصناعة رواج داخل الوطن ولا خارجه. وما نصنعه هنا يبقى هنا، فنادرا ما يأتي إلينا بعض السياح ويشترون بعض المصنوعات، ولكن لا نبيع منها الكثير ولا نستطيع أن نقول أن لهذه الصناعة مستقبلا. ولهذا فإن الشباب لا يقبلون على هذه الحرفة إلا من تعلمّها قديما، فهي مهنة يتهرب منها الكثير من الشباب لأنهم لا يجنون منها سوى القليل من المال”.
والنحاس كسلعة ليس رخيصا في العادة ومن الصعب على النحّاسين في قسنطينة أن يجنوا أرباحا من الساعات الطوال التي يخصصونها لعملهم.
ويقول النحّاس طاهر (60 عاما) “هذه المهنة هي في طريقها إلى الزوال، فأبناؤنا لا يريدون تعلمها لأنها صعبة ولا تجلب الكثير من المال، والنحاس غالي الثمن”.
ويقول كمال (46 عاما) صاحب متجر لبيع النحاس “كان لديّ 12 عاملا في المحل، ولكنهم ذهبوا لأن العمل مُتعب جدا ولا يتقاضون مقابله الكثير من المال. فأنا أشتري الكيلوغرام الواحد من النحاس بألف دينار جزائري (9.1 دولار). فكم يتوجّب عليّ أن أعطي للنحّاس؟ وبكم يمكنني بيع الصينية النحاسية مثلا؟ ولذا نريد من الدولة أن تستورد النحاس كما كانت تفعل في وقت سابق لنخفّض من الأسعار”.
النحّاس يوسف يؤكد أن الإقبال على القطع النحاسية وخاصة الفنية تراجع على ما كان عليه في أوائل هذه الألفية، مؤكدا أن النقص أصبح اليوم مسجلا على مستوى النحّاسين والحرفيين الذي يتقنون الصنعة الحقيقية في المدن التي تشتهر بهذه الحرفة، ولا سيما مع دخول ثقافة الاستيراد التي أصبحت توفر كل شيء بالرغم من وجود اختلاف في الأسعار والجودة بين ما يقدم محليا وما يستقدم من بلدان أخرى.
ويقول يوسف، إن أغلبية النحّاسين قد غيروا النشاط بسبب غلاء المادة الأولية التي تستورد من قِبل خواص لا يعيرون لنوعية النحاس المستقدم أي أهمية بقدر ما يعيرون الاهتمام لرفع أسعاره والمضاربة به، ممّا لا يشجع على الاستمرار في هذه الحرفة، وهو ما يستوجب أيضا عودة الدعم الحكومي لهذه النشاطات ورعاية الدولة لعملية استيراد المادة الأولية للنحّاسين، لأنه السبيل الوحيد الذي يكفل إنعاش هذا القطاع وحماية الحرفة من الاندثار.. ما دامت جزءا لا يتجزأ من التراث الزاخر للجزائر.
ويقول حامد صاحب محل نحاس “هناك نحّاسون كانوا يشغّلون ما بين 20 و30 عاملا في العقود الماضية من فرط كثرة الطلب، اُجبروا الآن على تسريحهم والبقاء وحدهم بسبب عزوف الناس عن شراء منتجاتهم، وحتى أبناء هؤلاء الحرفيين رفضوا تسلم المشعل من آبائهم وفضلوا التحوّل من هذه المهنة إلى مهنة أو تجارة أخرى مُربحة، ولو تعلق الأمر بتهيئة طاولة صغيرة لبيع السجائر”، مؤكدا أن هذه المهنة تسير في طريق الانقراض في السنوات القليلة المقبلة إذا لم تتدخل الدولة بشكل عاجل لدعم أسعار مادتها الأولية وبعثها من جديد.
وصناعة الأواني النحاسية ليست هي فقط التي تواجه صعوبات في الاقتصاد الجزائري مع اتخاذ البلاد خطوات للانفتاح الاقتصادي بعد التراجع الحادّ في عائدات الطاقة.

1