أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41135
سوق الصفارين في بغداد تتوقف عن عزف سمفونية النحاس !!
25.03.2016

في الوقت الذي يسافر فيه السياح إلى مختلف مدن العالم ليكتشفوا خصائصها وتراثها الذي تمتاز به، تعاني أسواق المدن العربية التي عرفت بمعمارها المتفرد وحرفها المتميزة من الإهمال، كما هو حال سوق الصفارين في بغداد، حيث تعاني المصنوعات النحاسية التي زينت بيوتا عديدة في العالم من النسيان.
بغداد - تعد سوق الصفافير واحدة من أشهر الأسواق التراثية في بغداد، بعد أن اكتسبت شهرتها من تخصصها في صناعة الأدوات المنزلية والهدايا من مــادة النحاس، لكن هذه السوق أصبحت تعانـي اليوم من هجر الحرفيين لها، فبعد أن كان عددهـــم يتجاوز المئة، لم يتبــق من الصفارين العامليـــن في هذه السوق سوى أربعة، ما يجعــل هذه المهنة مهــددة بالانقراض أمام أعين الحكومة والمشرفين على القطاع السياحي في البلاد.
وتعد سوق الصفارين معلما تاريخيا يعود إلى العصر العباسي، وهي عبارة عن مجموعة من الشوارع والأزقة الضيقة الواقعة في منطقة الميدان، والقريبة من شارع الرشيد، وهي منطقة يمكن اعتبارها تراثية لقدمها وأهميتها، كما يؤكد ذلك الحرفيون الذين مازالوا يحتفظون في ذاكرتهم بالإيقاع المتوازن الذي يحدثونه بأزاميلهم في نقش التحف النحاسية.
ويسمى الحرفيون بالصفارين نسبة إلى الصفرة لون النحاس الذي يشكل المادة الأساسية للصناعات التي تشتهر بها السوق، وينقسم عملهم بحسب مراحل الإنتاج، فمنهم النحات الذي يستخدم المطرقة والمسمار، ومصمم الزخارف التي ستنحت على صفائح النحاس، وآخرون يعملون على صقل المنتج بعد زخرفته وتلميعه، أو يلوِّنون بعض أجزائه لإضفاء لمسات فنية أكثر جمالية على الأواني.
والصفار حرفة تحتاج إلى جهد وصبر لأنها مهنة الإبداع الذي زيّن أغلب البيوت البغدادية، وانتقلت مع السياح إلى العالم أجمع في العقود الماضية.
وتؤكد الأبحاث على أن السومريين قد عرفوا التعامل مع النحاس في الألف السادس قبل الميلاد، بل بعضهم يعود بزمن هذه الصناعة إلى ثمانية آلاف سنة ق م، حيث عثر على أقراط نحاسية ممزوجة بمواد أخرى ليسهل تكوينها، تماما كما يفعل الأحفاد القليلون الآن في القرن الحادي والعشرين.
وتقول الرواية إن العالم اللغوي الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي مرّ بسوق الصفارين، فلفت انتباهه أن لكل ضربة مطرقة إيقاعا معينا، ومن هنا تولدت لديه فكرة ضروب الشعر في أوزانه المختلفة. كما تقول الرواية أيضا إن سرايا الخيالة في الجيوش القديمة كانت تأتي بخيولها، وتقطع بها السوق ذهابا وإيابا لتعتاد الخيول على الضجيج والأصوات العالية، فلا تنفر ولا تجفل أثناء المعارك، حيث الطلقات والأصوات الضاجة، وصليل السيوف.
ولا يختلف حال السوق كثيرا عن حال البلاد في السنوات الأخيرة، حيث بدأت تصمت فيها تدريجيا أصوات ضربات الحرفيين على النحاس التي تشكل موسيقى تبعث على النشاط، بعد أن دخلت الصناعات الصينية رخيصة الثمن مما أدى إلى انحسار المنتوجات التي كان يبدع فيها الحرفيون.
ويؤكد من تبقى في السوق من التجار أن البضاعة الصينية كانت لها اليد الطولى في ابتعاد العراقيين عن شراء المصنوعات النحاسية لغلاء سعرها رغم جماليتها، فالمواطن أصبح يختار الأرخص ثمنا نظرا لتدهور قدرته الشرائية.
ويجلس الحرفيون اليوم على مقاعدهم الصغيرة أو يقفون من دون أحذية على الورق المقوى وهم يسحقون قطع المعدن، ويعلمون أن مهنتهم توشك على الانقراض، معلنين توقف سمفونيتهم التي كانوا يعزفونها بالمطارق والأزاميل.
ويقول حسين النقاش الذي امتهن النقش على النحاس منذ ستينات القرن الماضي، إن حال السوق اليوم تغيرت وخفتت أصوات المطارق والأزاميل التي كانت تنقش بحركاتها الرشيقة جزءا من تاريخ العراق وإرثه، مشيرا إلى أن العمل في سوق الصفارين تراجع كثيرا بسبب هجرة أغلب الحرفيين إلى خارج البلاد، فضلا عن عدم الاهتمام الحكومي بهذه السوق التراثية.
وساهم غياب السياح في تراجع الإقبال على التحف من السوق التي تشتهر بمصابيح الزيت دقيقة الصنع واللوحات التي تتزين بآيات القرآن الكريم التي كتبت بخط رائع.
ويقول أحد الصفارين “لقد كنا نبيع أي شيء نضعه في المحل، كما كانت المكاتب الحكومية تبعث بطلبات خاصة للحصول على الهدايا.
وفي ذلك الوقت، كانت السوق تبقى مفتوحة في المساء، أما الآن فإنها تغلق أبوابها في وقت مبكر لأن الحركة في السوق تخف باكرا، فالقليل من الأفراد، سواء كانوا عراقيين أو أجانب يأتون للشراء”.
وأمام تراجع المبيعات عزفت الأجيال الجديدة عن تعلم المهنة على الرغم من خصوصيتها التراثية، فتقاعد الحرفيون ولم يورثوا هذه المهنة لمن يحافظ عليها ليصبح فن النقش على النخاس مهنة من الماضي.

1