مدينة جبيل في لبنان أو بيبلوس هي مدينة الحرف والمراكب الفينيقية وحاضنة أحلام أدونيس وعشتروت الوردية وعاصمة صفحات التاريخ والعيش المشترك تفتخر بماضيها وتنطلق منه للحياة.
جبيل (لبنان) - ما إن تلامس الشمس صفحة الأمواج المتلألئة بالضوء الخجول، حتى تخف الحركة التجارية في جبيل مدينة الحرف، ولا تبقى إلا قلة من تجار السوق القديم المرصوف بالحصى البحري في مربعات صخرية المفتوح على المدينة شرقا وعلى “سيدة البوابة” غربا، وعلى “عجقة” شباب وشابات قصدوا المطاعم المنتشرة بكثرة في المكان، وأنت تعبر الخط الروماني والميناء تلفح وجهك نسيمات لطيفة والبرودة تذكرك بأنك على أبواب الربيع.
في مدينة جبيل هناك كثافة للندوات الفكرية والأدبية والسهرات الموسيقية ومعارض النحت والرسم والأشغال اليدوية ومهرجانات الفرح والتراث الراقية، كلها تحتضنها المدينة محاطة بالتاريخ بعظمته وصفحاته المشرقة.
ومن لا يقصد مدينة جبيل – بيبلوس مدينة العيش المشترك، كأنه ضل الدرب وهو يعبر طريق الساحل تائها عن العنوان الذي يسجله السياح في دفاترهم الخاصة، أو يكون قد صم أذنيه عن سماع حركة مجاديف مراكب فينيقية عمرها الآلاف من السنين، أو قد لا تكون الأحلام الوردية بين أدونيس وعشتروت قد خطرت له في بال.
وتعد جبيل المدينة الأقدم على ساحل المتوسط، بل هي من أقدم مدن العالم، على ما يذكر المؤرخ سكن يتن البيروتي، وهو أول مؤرخ لمدينة جبيل – بيبلوس في القرن الرابع قبل الميلاد.
سورها القديم، الذي حماها من الاعتداءات بحرا وبرا، يعود إلى أقدم الأزمنة التاريخية، دمر مرارا ورممته الدول المتوالية. أما مرفأها الذي خرج منه البحارة حاملين “الأبجدية” إلى العالم، وفيه كانوا يصنعون أساطيلهم من خشب الأرز ويتبادلون التجارة مع المصريين، فقد صار اليوم مركزا لأضخم المهرجانات الدولية، ويستقبل أهم الفنانين العرب والأجانب، وتقدم عليه الأعمال اللبنانية ولا سيما مسرحيات الرحابنة.
فمن قلعتها القديمة والمدافن في قلب الصخور وفي المغاور المجهزة مع نواويسها، المزدانة بالنقوش والصور والكتابات، وبالجواهر والحلي غالية الثمن، وتماثيل أصنام وزجاجات للدموع، والآنية البيتية الثمينة المختلفة من الخزف والرخام والبرونز والمجوهرات الدقيقة الصنع، والأسلحة، إلى الآثار البنائية، آثار صناعية مصرية، أرسلها الفراعنة إلى معابد جبيل، منها الدمى وصور الآلهة المصريين، البشرية والحيوانية كالحيات والقرود، كلها أشياء تشد الناظرين إليها.
وفي هذه المدينة آثار يونانية، منها نقود ونواويس. أما الآثار الرومانية فلا تزال هي الأبرز، أخصها الهيكل الذي بناه الرومان ولا تزال أعمدته قائمة إلى اليوم، وأما المسرح، والحمامات والمعاهد الرسمية، فلم يبق منها إلا القليل بفعل النكبات والزلازل.
وفي جبيل جامعان أثريان لصيقان بالقلعة يعودان إلى زمن العثمانيين: مسجد السلطان عبدالمجيد، ومسجد السلطان إبراهيم بن أدهم المعروف بمسجد “البحارة” الذين كانوا يلجأون إليه انتظارا لهدوء فوران البحر لمعاودة الإبحار. وهناك، أيضا، جامعان حديثا العهد: جامع النور وجامع الإمام علي.
أما كنائسها فيعود إنشاؤها إلى زمن ملوك الروم ومنها “مار يعقوب” وكنيسة القديسة “تقلا”، وكنيسة القديسة “أكويلينا” و”سيدة البوابة” وكنيسة “سيدة النجاة”.
وفي عهد الصليبيين من العام 1095 وحتى العام 1245 رممت القلعة وحصنت، وبعض ما يرى منها اليوم من الحجارة الضخمة شبيه بمداميك قلعة بعلبك. وبنى الصليبيون، كذلك، كنيستين، “مار يوحنا مرقص” وألحقوا بها قبة فوق حوض العماد. والآثار الباقية في قلعة جبيل، إلى اليوم، قائمة على جبيل الأولى والثانية والثالثة، وقد دل علماء الآثار على ذلك بفعل الحفريات والطبقات المكتشفة.
واللافت على جانبي الطرقات في جبيل وفي السوق القديم تلك الأشجار الباسقة والأحواض الخشبية للزهور مختلفة الألوان، تأسر العيون وتشرح النفوس لطيب رائحتها وجمال منظرها، تحرسها مجموعة من رجال الأمن نهارا وليلا تنتشر هنا وهناك لتأمين الراحة للناس مجهزة بأحسن التجهيزات الهاتفية وغيرها وسيارات الشرطة، وقد تم تدريبهم في دورات خاصة لدى قوى الأمن الداخلي، ليتمكنوا من القيام بواجباتهم على أكمل وجه.
جبيل عاصمة التاريخ والعيش المشترك في لبنان !!
05.02.2016