تفيد المراجع التاريخية بأن صناعة الصابون قديمة جدا كغيرها من الصناعات، عمرها من عمر سليمان الحكيم، واشتهرت في مدينتي نابلس في فلسطين وطرابلس في لبنان منذ ألف سنة ونيف، وتعتمد هذه الصناعة على زيت الزيتون الطبيعي وعلى المواد النباتية التي تستخرج منها الروائح العطرة، وكانت في بادئ الأمر عملا منزليا ثانويا تقوم به الزوجة والأولاد.
بيروت - صناعة الصابون في لبنان من الحرف القديمة التي أتقنها اللبنانيون وخصوصا سكان طرابلس، وتتحدث الروايات المتداولة أن صنعة الصابون كانت متواجدة منذ أيام أدونيس وعشتروت، ولكن الوقائع التاريخية والعلمية تؤكد أن أهل العلم في طرابلس من كيميائيين وغيرهم كانوا الأوائل والسباقين في صناعة الصابون للحفاظ على النظافة والعناية بالصحة والجمال، ما أدى إلى قيام سوق عرفت بسوق الحكماء الذي ما يزال قائما حتى أيامنا هذه، ويعرف الآن بسوق العطارين.
وانكب الحرفيون على الاهتمام بالشكل الخارجي للصابون، وأخذوا يتفننون فيه وينحتونه ويعتمدونه ضمن عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية، واستخدموه في المناسبات السعيدة من أعياد وأفراح وحفلات اجتماعية. وهذا ما جعل الطلب يتزايد على هذا الإنتاج اللبناني الراقي حتى أضحى مع الوقت علما يتميز به لبنان دون سائر البلدان المجاورة، حيث طرقت هذه الحرفة أبواب تركيا وبعض بلدان أوروبا التي كانت أساطيلها البحرية التجارية تزور شواطئ المتوسط في لبنان، ويقال في طرابلس إن تلك الفترة عرفت بالعصر الذهبي لتجارة وصناعة الصابون.ويعد خان الصابون أهم مركز تجاري يعنى بصناعة هذه السلعة، ويعود تاريخ إنشائه إلى القرن الخامس عشر.بدر حسون أحد أحفاد رواد هذه الحرفة الذين يواصلون امتهانها، وعملت عائلته في صناعة الصابون منذ نحو ألف سنة ونيف.
يقول حسون لوكالة الأنباء اللبنانبة “إن صناعة الصابون تحتاج إلى إطلاع واسع على أنواع الزيوت والعطور والزهور وتأثيراتها على الجسم البشري وما تحققه من فوائد”، مضيفا “نحن ننتج نحو 1400 نوع من الصابون، وكل الأعمال تصنع يدويا. أما المواد الأولية المستخدمة في هذه الصناعة فهي عبارة عن زهور وأعشاب ونباتات طبيعية وزيوت”.
واستعرض حسون أنواع الصابون التي ينتجها الخان وهي، الملكي، البلدي العشبي، العطري، الزيتي، والصابون العلاجي لأمراض متعددة كالروماتيزم والحساسية الجلدية وإزالة التشنجات وإزالة القشرة وغيرها.
وأشار إلى أن صناعة صابون زيت الزيتون ارتبطت بأسماء عائلات طرابلسية وشمالية عريقة كانت قد استخدمت محصول الزيتون في التصنيع وبنت المصابن في الزاهرية والميناء والأسواق، ولكن هذه الصناعة ما لبثت أن تراجعت مع التطور العمراني الذي شهدته المدينة في العقود الأخيرة، وباتت تقتصر على عدد معين من المهتمين الذين ما زالوا يحافظون على هذا الإرث ولا سيما عائلات عويضة وعلم الدين وحسون.
وعن كيفية صناعة الصابون قال حسون “الصابون يحتاج إلى زيت زيتون عالي الجودة وقليل الأسيد، ثم يضاف إليه الماء والملح ومادة الكوستيك، ومن ثم يطبخ على حرارة مرتفعة، ويصب على الأرض، ويجري تقطيعه إلى مربعات، ولا يكون مفيدا للجسم إلا إذا كان الزيت صافيا ونظيفا، وعلى هذا الأساس تقاس جودة صابون زيت الزيتون بخلوه من المواد الكيميائية التي تستخدم بكثرة في صناعة الصابون العادي.
ولفت إلى أن صناعة صابون زيت الزيتون شهدت منذ أكثر من عقد من الزمن تطورا كبيرا يتمثل بإضافة بعض الأدوية والأعشاب والعطور الطبيعية مثل العسل، الغار، النخالة، فوسفور الكبريت، البابونج، الليمون، النعناع، ومختلف أنواع الورود ولا سيما الياسمين والغاردينيا، الأمر الذي أدى إلى انتشار واسع لهذه الصناعة التي تجاوزت طرابلس إلى كل المناطق اللبنانية وإلى بعض البلدان العربية والأجنبية. علما أن عملية طبخ الصابون الطبي والمعطر تتم على البارد، بينما يطبخ الصابون العادي على الساخن.
وأكد أن صابون زيت الزيتون الأصلي بات غير متوفر بكثرة وخصوصا في ظل صناعة الصابون التجاري من الشحم والمواد الكيميائية، واستيراد الصابون الأجنبي الذي يصنع من زيوت أخرى، وقال “يبقى صابون زيت الزيتون الذي ننتجه الأساس كونه الصابون الوحيد الصافي والخالي من أي مواد كيميائية، وله فوائد كثيرة للوجه والبشرة وإزالة القشرة، وتقوية الشعر وغيرها”.
وأشار إلى أنواع الصابون الثلاثة المعروفة وهي: الخلطة الطرابلسية والخلطة السلطانية والخلطة الملكية، وكل خلطة لها مكونات مختلفة عن الأخرى وطريقة مختلفة في التصنيع.
وقال “الصابون البلدي العشبي هو خلطة ذات رغوة غنية وعطر طبيعي، كما أن كل مكونات هذا النوع من الصابون البلدي العشبي مستخرجة من الأعشاب والزهور الطبعية.
أما الصابون العلاجي فإنه مجموعة من المركبات الصيدلانية التي كان يعالج بها الحكماء المشاكل الجلدية مثل الأكزيما، الحكة، الفطريات، الصدفية، الجرب، تساقط الشعر، قشرة الشعر، البشرة الدهنية، البشرة الجافة، حب الشباب، رائحة التعرق، مزيل لون الجلد الغامق من على الوجه والأماكن الداكنة في المواضع الحساسة وتحت الأبط.
صابون طرابلس يحافظ على جمال اللبنانيين منذ قرون !!
18.01.2016