تعلقت همم السودانيين بما تحتويه أرضهم من ثروة معدنية نفيسة فتاهوا في الصحراء بحثا عن نصيبهم من التبر الأسود في رحلات شاقة تطول أياما وأسابيع حالمين بقطع ذهبية تريحهم من عناء الفقر وتزيدهم راحة ورفاهية.
الخرطوم - وقعت وزارة المعادن السودانية، في بداية الأسبوع، ثلاث اتفاقيات امتياز، مع شركات وطنية وأجنبية للتنقيب عن الذهب والمعادن في ولايات الشمالية وجنوب كردفان والبحر الأحمر.وأعلن وزير المعادن أحمد محمد صادق الكاروري عن بدء العمل الحقلي خلال أسبوع، مؤكدا أن كميات الذهب في باطن الأرض في ولايتي البحر الأحمر ونهر النيل تبلغ 46 ألف طن. هذه الكنوز النائمة في باطن الأرض دفعت بالعديد من السودانيين إلى الانتشار في الصحراء والبحر الأحمر بحثاً عن الثروة، مستخدمين أدوات بدائية لاستخراج كميات شحيحة من المعدن الأصفر.وترتفع أعداد الباحثين عن الذهب التي وصلت إلى نصف مليون سوداني يوما بعد يوم بعد انتشار القصص عن عثور البعض على كميات هامة منه جعلتهم أثرياء بين ليلة وضحاها.
وخيَّم الصائغ عامر تبيدي في القفر النائي في ظروف صعبة جدا، لكنه نجح هو ومجموعته في العثور على نحو كيلوغرامين من الذهب قيمتهما نحو 94 ألف دولار، خلال أسبوعين فقط من التنقيب بأجهزة كشف المعادن. كان هذا كافياً لإقناعه بالقيام بالرحلة الشاقة مرتين أخريين، لينضم إلى آخرين كثيرين يحدوهم ذاك الأمل.وقال تبيدي “كنا أحياناً نصل ليلا إلى مكان ما حيث لا نجد أحداً. لكن بحلول الخامسة فجراً تبدأ بسماع أجراس التنبيه ‘بيب بيب’ المنبعثة من أجهزة كشف المعادن. وما أن يحل الصباح حتى تعج المنطقة بأناس يتجولون بهذه الأجهزة. وتقول لنفسك: من أين جاء كل هؤلاء؟ إنه أمر مذهل”.
ويبدأ المنقب عن الذهب بعد أن يختار المكان، في تشغيل جهاز التنقيب ويكون بصحبته شخص آخر يحمل المياه والمعدات للتجول في المكان حتى يصدر الجهاز صوتا يدل على وجود ذهب في تلك المنطقة، ثم يستخدم معدات الحفر لحفر بعض السنتمترات تحت الأرض ويستكمل الحفر بيده لأن معدات الحفر تؤثر في الجهاز، ويستخرج طبقات التراب من الأرض ومع استخراج كل طبقة يضع عليها الجهاز وإذا صدر عنه صوت مرة يكون إشارة لوجود ذهب وتتواصل عملية حفر طبقات الأرض باليد بحثا عن المعدن الثمين.
ويقول أحد المنقبين عن الذهب إن تكلفة عملية التنقيب تتوقف على ميعاد استخراج المعدن الأصفر، لأنها في بعض الأوقات تستمر لأكثر من أسبوعين وأحيانًا تنتهي في يوم واحد.وقال إن عمليات التنقيب تحكمها قوانين عرفية، وضعتها القبائل منذ زمن تنص على تقاسم الكمية المستخرجة إلى ثلاثة أثلاث، ويحدد لسائق السيارة المستخدمة في الجبال أثناء التنقيب ثلث، ولصاحب جهاز التنقيب ثلث، وللعامل الذي حفر ثلث.ويشتهر السودان تاريخيا بالذهب، حيث يرى مؤرخون كثيرون أنه من أغنى بلدان المنطقة بالذهب غير المكتشف.
ويقول أحد الخبراء الجيولوجيين إن نوع الذهب الذي يُنقّب عنه في شمال السودان الآن بـ”البلاسر غولد”، ينتشر في أغلب شمال السودان الصحراوي من أقصى الشمال، وحتى قرب العاصمة الخرطوم، ومن الساحل الشرقي على البحر الأحمر وسلسلة جبال البحر الأحمر إلى أقصى الغرب بالقرب من جبل عوينات والطينة في دارفور.
والتنقيب التقليدي عن ذهب السودان يتركز فى مناطق (العنج، ونصب الحصان، وجبل الرجل، والمعقل وقبقبة، ووادى العشار، وأم قمر)، حيث يتم في ظروف قاسية، بداية من المناطق الوعرة التي تقل فيها المياه والطرق السالكة، وتشتد فيها حرارة الجو في الصيف بصورة تصيب المواطنين الذين ينقبون عنه بضربات الشمس، بينما تقل حرارة الجو في الشتاء بشكل حاد. لكن، ورغم مخاطر التنقيب في شمال السودان، والتي يأتي في مقدمتها التعرض للدغات الثعابين والعقارب، بل وهجمات من الذئاب والضباع المنتشرة في الصحراء، فإن المنقبين لم يكترثوا بذلك، لأنهم خرجوا من ديارهم قاصدين إما العودة بالذهب أو اللاعودة.
ويطلق المنقبون عن الذهب على الكميات التي يستخرجونها أسماء محلية، فهناك قطع صغيرة تسمى “تسالي”، وهناك “الناموسة”، ويطلق على كميات أخرى بحجم أكبر “الضفضعة” يصل وزنها نحو “كيلوغرامين”، ويُجلى الذهب محليا في المدجن والقرى المجاورة، حيث أنشأ تجار محليون وآخرون قادمون من الخارج مطاحن وتشير التقارير إلى أنها بلغت نحو 300 مطحنة مهمتها طحن حجر الكركار، الذي يأتي به المنقبون من باطن الآبار أو أطراف الجبال.!!
سودانيون يهيمون في الصحراء بحثا عن الذهب !!
02.12.2015