أحدث الأخبار
الثلاثاء 26 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41135
بيت البنّاني لا يغلق بابه بوجه الناس !!
11.11.2015

تحتوي المدينة العتيقة في تونس على بيوت ذات طابع معماري فريد، لكنها تحتاج إلى إعادة ترميم واستغلالها كفضاءات سياحية وثقافية لتكون واجهة تعبر عن تاريخ تونس وازدهارها المعماري والثقافي. “بيت البناني” واحدة من البيوت التي فتحها صاحبها لعموم الناس ليجتمع التونسيون والسياح في فسحتها للراحة أو في مكتبتها الثرية للنهل من نبع الثقافة والتراث.
تونس- لم يكن محمد البنّاني يتصوّر، أنّ كتابا قديما يروي تاريخ تونس، ويعود إلى سنة 1954، منحه أحد البايات (ممثل الدولة العثمانية في تونس)، هديّة إلى امرأة بلجيكية يوما، سيجعله يعود من غربته في بلجيكا، ليحول بيت أجداده إلى مكتبة، تضم آلاف الكتب، ويزورها المثقفون التونسيون والأجانب.
ويقول البنّاني عن قصة منزله، “ورثت البيت عن أجدادي عام 1989، وحولته إلى مكتبة عام 1991، لكنّ الفكرة واللبنة الأولى تعود إلى عام 1983، تاريخ اقتنائي كتابا زادني عشقا أكثر لبلدي تونس، وكنت وقتها مغتربا في بلجيكا”.
ويضيف “ورثت في البيت مكتبة تراثية عريقة، تضم آلاف الكتب لعلماء بجامع الزيّتونة، منهم أجدادي الذّين درّسوا فيه، وعُرفوا بحرفة صناعة الشاشية (قبعة حمراء، من التراث التونسي، تُلْبس خاصّة في المناسبات مع الجبة التّونسيّة)”.
ويقع بيت البنّاني في منطقة تدعى “باب منارة”، في أحد أحياء تونس العاصمة العتيقة، على مقربة من ساحة القصبة، وجامع الزّيتونة، وتحديدا في زقاق يسمّى “زنقة أم هاني”، سكنته عائلة أندلسية قادمة من غرناطة، قبل أن يشتريها الجد الأول البنّاني عام 1873.

وتضم مكتبة بيت البناني آلاف الكتب عن تاريخ تونس على مدى 4 قرون، تتوزع مواضيعها بين التّاريخ والعادات والتقاليد والأنثروبولوجيا، بلغات عدة، من بينها كتب لرحالة زارُوا تونس بين القرنين 17 و18، إضافة إلى بنك معلومات، يحتوي على صور وكتب ومخطوطات قديمة، موثقة بطريقة رقميّة.
رغبة محمّد في أن يشاركه الجميع من مثقفين وجامعيين وباحثين، في مطالعة الكتب التي يملكها والاستفادة من الوثائق التّي جمعها، من تونس ومن بلدان أوروبيّة، وكذلك عشقه لبلاده، دفعاه إلى إنشاء هذا الفضاء الثقافي.
يأتي المثقفون إلى بيت البنّاني بشكل مستمر، ليس فقط لمطالعة الكتب، وإنما أيضا لتنظيم ملتقياتهم واجتماعاتهم، ولمناقشة مواضيع ثقافية واجتماعية متعددة.
وأراد محمد البنّاني أن تكون لهذه الملتقيات الثقافية ميزة عن غيرها، فجعل من لقاء يوم الأربعاء الأكثر تميزا، يلتقي فيه المثقفون بمختلف شرائحهم العمرية، ويتجمعون حول مائدة “الكسكسي”.
والكسكسي أكلة تقليديّة أمازيغية، تشتهر بها دول شمال أفريقيا، تصنع من دقيق القمح على شكل حبيبات صغيرة، وتطبخ إمّا باللحم أو بالسّمك أو الخضر، ثم تطهى بالبخار في أوان خاصة تُسمّى “المقفول” و”الكسكاس، وهي طبق رئيس لا يغيب عن التونسيين في المناسبات والأفراح.
ويشير البنّاني أنه يحرص على تقديم الكسكسي لتشبثه بالطابع التّونسي ثقافة ومطبخا، فهو يعتبر الأكل عنصرا من ثقافة الشّعوب، خاصة أنه يعدّ جزءا لا يتجزأ من تاريخ البلاد.
وتعود عادة تقديم الكسكسي في بيت البنّاني إلى أكثر من 120 سنة، إذ دأب أجداده الأوائل على تقديم هذه الأكلة كل يوم جمعة عقب الصّلاة، فكانت الأطباق توضع في سقيفة المنزل (أول غرفة مباشرة بعد باب المنزل)، ويفتح الباب أمام المارة من فقراء ومحتاجين.
ويضيف البنّاني، أنه حافظ على عادة تقديم الكسكسي، بوصيّة من والدته، إلا أنه غيّر موعدها من يوم الجمعة إلى يوم الأربعاء، ليكسبها طابعا اجتماعيا، بعيدا عن صبغتها الدّينية.
باب بيت البنّاني لا يغلق أبدا، فتجد الزوار يدخلونه إمّا للسؤال عن حدث ثقافي أو للبحث في دفات الكتب عمّا يثري بحوثهم، وكذلك يتم اللقاء بين الأصدقاء، وتبادل الحديث والنقاش، في مواضيع ثقافية وسياسية واجتماعيّة.
فيروز سنداسني، طالبة تدرس الأدب الإنكليزي، اعتادت زيارة بيت البناني، برفقة إحدى صديقاتها، تقول إنّ “ما يدفعها للمجيء دائما إلى هذا الفضاء الثقافي، هو الانفتاح الذّي يتميز به صاحب البيت، والاستفادة منه في كل مرّة، لا سيما عند مناقشة مواضيع عديدة، والتعلم من خبرته و تجربته”.
وهو ما يؤكّده محمد نور الدّين ذويب، المهندس المتقاعد، والكاتب في مجال التاريخ العسكري “محمّد البنّاني موسوعة، ساعدني كثيرا في بحثي، الذّي استعنت فيه بصور من مكتبته الثرية، التّي تساهم في دعم الثقافة في البلاد”.
ويتابع “إضافة إلى الجانب الثّقافي، فإن من خصوصيات هذا البيت موقعه وسط مدينة تونس، ومن خلال بنائه وطريقة عمارته التي تذكرنا بجذورنا و أصولنا”، مشيرا إلى أن “هذا المَعلم يجمع كل من يعشق الثقافة، ويرغب في نشرها في تونس”.

1