يقول التونسي للتعبير عن عدم اكتراثه بالشأن العام واختزال شقائه اليومي إنه دائما “يجري وراء الخبزة”، أي أنه دائم البحث عن لقمة الحياة، كما يقدم البعض الآخر أنفسهم على أنهم “خبزيستية”، أي لا شأن لهم إلا بالبحث عن لقمة العيش، في حين أن التونسي يتمنى “تخفيف الخبزة” للتعبير عن ملله وضجره من العمل الذي يقوم به ويتمنى تغييره، لكنه لا يتمنى أبدا أن يغيب الخبز من على مائدة الأكل.
تونس- يرفع التونسيون “شعار خبز وماء” في أيام غضبهم ضد حكامهم، وهو ليس شعارا سياسيا وليدا للحظات الغضب، بل له ارتباط وثيق بنمط حياتهم اليومي، فالتونسيون محبون للخبز المصنوع من القمح الصلب يستهلكون منه الملايين من الوحدات يوميا ويرمون منه الأطنان أيضا في القمامة.
ونال التونسيون المرتبة الثانية في استهلاك الخبر والمعجنات كالمعكرونة والكسكسي، إذ بلغ استهلاك الفرد التونسي حوالي 16 كيلوغراما سنويا بعد الإيطالي الذي يستهلك 25 كيلوغراما من المعجنات في العام.
ويجمع التونسيون على أنهم شعب “خبزيست” في إشارة إلى إفراطهم في أكل الخبز الذي يستهلكونه في وجباتهم الثلاث الرئيسية، بل الطريف أن هناك من يأكل الخبز مع وجبة معجنات كالمقرونة و”السباغيتي” أو الكسكسي، كما تقدم المطاعم التونسية خاصة منها الشعبية سلة من الخبز مع كل ما تقدمه لحرفائها من وجبات، سواء استدعى تناولها أكل الخبز أم لا.
ويتفق العديد من الباحثين على أن بداية صناعة الخبز في تونس ظهرت منذ العهد البوني والدليل وجود فرن بمتحف كركوان في الموقع الأثري المجاور له. كما يحتفظ متحف قرطاج بتحفة فنية نادرة تصور امرأة تعد خبز الطابونة في الفرن وبجانبها ابنها، دون أن ننسى أن تونس كانت تلقب بـ”مطمور روما” في إشارة إلى أهمية إنتاجها من الحبوب، المادة الأساسية لصناعة العجين.
وتتفنن المخابز التونسية في إعداد الخبز بأنواع مختلفة، إذ تقوم بتحضير الخبز الفرنسي والتركي والإيطالي، فضلا على أنها تقدم خبزا وبداخله زيتون أو بصل وعدة أنواع أخرى، كما تشتهر بعض المدن بصناعة أنواع من الخبز الذي عادة ما يكون خاصا بها.
القيروان مثلا تعرف بخبز الصينية، الأبيض في نصفه الأسفل والأسمر في نصفه الأعلى الممسوح بالزيت بعد خروجه من الفرن فيبدو لمّاعا، كما تعرف بخبز “الشواي” والذي يستعمله أساسا باعة سندويتش “الكفتاجي” شهير الصنع من الفلفل الحار والطماطم، وخبز “الميدة” المصنوع من “السميد” المذرور فوقه أيضا ويحبذه أهل القيروان مغمّسا في الملوخية.
وعلى الرغم من المخاطر الصحية لاستهلاك الخبز بكميات كبيرة، فإن التونسيين اعتادوا على هذا النمط الغذائي ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب اقتصادية، فالخبز والعجين من أقل المواد الغذائية كلفة، خاصة بالنسبة إلى الفئات ضعيفة الدخل وحتى المتوسطة منها.
وتحذر وزارة الصحة ممّا تعتبره كارثة، جراء ارتفاع حالات أمراض السكري والسمنة وارتفاع ضغط الدم والقلب وانسداد الشرايين. وأمام تزايد هذه الأمراض التي يسببها سوء العادات الغذائية بدأت بعض الأفران في صنع خبز القمح والنخالة والشعير، حيث يقبل عليه خاصة من لديهم مشاكل في الهضم أو السمنة ومن لا يحبذون خبز الفارينة ويبحثون عن عجين أكثر صحة وأنسب للقوام.
ولا ينحصر الإفراط في استهلاك الخبز واختزاله في مضاره الصحية فحسب، بل إنه يكلف اقتصاد البلاد مبالغ مالية طائلة خاصة في ظل ما يتلفه التونسيون من بقايا خبز يوميا في المزابل. وتنتج المخابز التونسية يوميا قرابة 5 ملايين خبزة منها 3.5 ملايين من الأصناف التي تدعمها الحكومة.
وتتراوح كميات الخبز التي يتم تبذيرها يوميا بين 700 ألف و800 ألف خبزة وفق إحصائيات المعهد الوطني للاستهلاك بسبب سوء تصرف العائلات، أي ما يقارب 300 ألف دينار (حوالي 150 ألف دولار).
ويقول رئيس الغرفة التونسية لأصحاب المخابز محمد بوعنان، “إن كميات الخبز التي يقع إتلافها تكلف الدولة سنويا قرابة 30 مليون دينار وأنّ معظم كميات هذا الخبز تباع كعلف للحيوانات، وذلك بحساب ستة دنانير عن كلّ مئة خبزة، أي أن سعر الخبزة الواحدة لا يزيد عن ستين مليما، أي تقريبا ربع سعرها المخصّص للاستهلاك العادي”. وكانت شراهة التونسيين الكبيرة للخبز واعتمادهم عليه بشكل رئيسي في معيشتهم وراء اندلاع واحدة من أعنف الثورات تعرف باسم “ثورة الخبز” أو “أحداث الخبز.
الخبز في تونس شعار الثورات وغذاء خلال كل الوجبات!!
09.11.2015