اهتم اليمنيون بتربية النحل وإنتاج العسل على مدى عصور خلت، فاكتسبوا خبراتهم في معرفة أنواع وطوائف النحل ومراعيها ونوعية كل منتج من عسل النحل، حتى صار اليوم ركيزة أساسية في الاقتصاد اليمني بعد أن نال شهرته العالمية.
عدن (اليمن) - عندما أطلّت الحرب على اليمن، قبل نحو سبعة أشهر، لم يهرب البشر وحدهم من رحى المعارك، بل رحل النحل أيضا عن خليته، وتقطعت السبل بالنحالين، وباتت شجرة السدر وحيدة تسيل رحيقا على إيقاع الاقتتال الدائر في البلد.
وتنتشر أشجار السدر بكثرة في محافظتي شبوة وحضرموت (شرقا)، حيث تُعد غذاء مفضلا للنحل لإنتاج أجود أنواع العسل اليمني وأغلاه على مستوى العالم، حيث يصل سعر الكيلو الواحد إلى ما يقارب 200 دولار، إضافة إلى العسل “الدوعني”، المتواجد في مناطق أخرى بينها حضرموت، ويصل سعر الكيلو الواحد منه إلى 45 دولارا.
ففي هذه الأوقات من السنة، تعتبر الظروف المناخية ملائمة لإنتاج العسل بجودة عالية، ولا يختلط مع زهر السدر أي رحيق من الأزهار الأخرى، وهو ما يدفع النحالين للتوجه إلى تلك المناطق، ويمكثون هناك شهرا، يتغذى خلاله النحل ويبدأ بإنتاج العسل.
لكن مناخ الحرب السائد حاليا أفسد تلك الظروف، فالنحل رحل مع رياح القتال الذي حال أيضا دون وصول النحالين إلى أماكنهم.
النحال مهدي الصبيحي (45 عاما) من محافظة لحج (جنوب) يقول، إن الحرب التي تشهدها بعض المحافظات حالت دون انتقال النحل إلى مناطق شرق ووسط البلاد، وهو ما يعني أنها ستكون عاجزة عن إنتاج العسل الطبيعي بنفس الجودة والكمية المعهودة سنويا. ويضيف الصبيحي أن “خلايا النحل التي يصادف وجودها في مناطق المواجهات، هلك بعضها، إما بسبب القصف أو بسبب حصارها من الماء والغذاء”.
ويشير إلى أن النحالين يخشون من المرور بمناطق المواجهات الممتدة من محافظة أبين (جنوب) التي حررتها القوات الحكومية من سيطرة الحوثيين وقوات صالح في الصيف الماضي، مرورا بالبيضاء (وسط) ومأرب، وانتهاء بشبوة (شرق) التي تم تحرير أجزاء منها.
وبحسب الصبيحي، فإن أغلب الأودية الغنية بأشجار السدر تقع في نطاق المواجهات المسلحة، وخاصة في محافظتي شبوة وحضرموت. كما شكلت أزمة المشتقات النفطية (ديزل وبنزين) وغلاء أسعارها، عائقا أمام حركة التنقل من محافظة إلى أخرى.
مهيوب أحمد سعيد (28 عاما)، من جهته، خسر نحو 200 خلية نحل من إجمالي 500 يملكها، بسبب المواجهات التي شهدتها منطقة العند بمحافظة لحج. ويقول “عندما سيطر الحوثيون على محيط قاعدة العند، منعوا الحركة في تلك المنطقة، حيث كانت خلايا النحل تعيش، ما أدى إلى هلاكها”.
وفي محافظة أبين، يعجز حسن عبدالله (40 عاما) وغالبية أقرانه من النحالين، عن الانتقال بخلايا النحل التي يملكونها إلى مناطق إنتاج العسل في حضرموت وشبوة، بسبب الحرب والمواجهات الدائرة هناك، وما أسفر عنها من أزمة طالت كل شيء بينها المحروقات التي تضاعف سعرها، من 150 ريالا يمنيا 70 سنتا للتر الواحد من البنزين أو الديزل إلى أكثر من ألف ريال (5 دولارات) للتر نفسه، وهو ما يعني ارتفاع تكاليف النقل والمواصلات إلى أكثر من عشرة أضعاف مما كان عليه في السنوات الماضية.
مروان البحري (30 عاما) من محافظة الضالع، فقد هو الآخر قرابة 100 خلية نحل وقرر البقاء في منطقته بسبب الظروف الراهنة، الأمر الذي يعني حرمانه من كسب محصول نقدي من بيع عسل السدر، وصل في السنوات الأخيرة إلى 20 ألف دولار سنويا.
ويحظى العسل اليمني بشهرة واسعة في الداخل والخارج، ويعده كثيرون دواء ومقويا حيويا مغذيا يبعث النشاط في الجسم، وهو ما جعل سوقه في اتساع دائم، ليكون خير سفير لليمن في جميع أنحاء العالم، وفي المقدمة دول الخليج التي تستورد سنويا قرابة 500 طن، بحسب إحصائيات رسمية.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط اليمنية، إلى أن قيمة إنتاج العسل في العام الماضي 2014 بلغت 13 مليون دولار، في حين وصلت قيمته في العام 2012 نحو 11 مليون دولار، أما في العام 2011 فبلغت 8 ملايين دولار.
ووفقا لبيانات نشرتها وزارة الزراعة العام الجاري، فإن عدد خلايا النحل تجاوز المليون وثلاثمئة ألف خلية. وأوضحت الوزارة أن محافظة حضرموت، تصدرت قائمة المحافظات اليمنية في إنتاج عسل النحل، تليها محافظة شبوة المجاورة، وجاءت محافظة أبين في المرتبة الثالثة، وبعدها محافظة الحُديدة (غرب).
يذكر أن الحكومة اليمنية أصدرت بداية العام 2003 قرارا اعتبرت فيه العسل ضمن المحاصيل الاستراتيجية الخمسة إلى جانب البن والنخيل والمانغو والزيتون، وأكدت دعمها لهذه المنتوجات. ويقول خبراء يمنيون أن الاهتمام بالعسل كأحد المحاصيل الاستراتيجية، زاد نتيجة تنامي إنتاجه. واهتم اليمنيون بتربية النحل وإنتاج العسل منذ قرون طويلة، ويقول مؤرخون، إن اليمن وصف قبل 3 آلاف عام بأنه “موطن الطيوب والعسل”.
النحل يهجر اليمن هربا من لسعات الحرب!!
09.10.2015