الفيضانات غول يداهم الجزائريين خلال فصل الشتاء فيحرمهم لذة النوم خوفا من أن يجرفهم الماء من بيوتهم إلى حيث لا يعلمون، وتزداد مخاوفهم أكثر من عدم مسؤولية السلطات إزاء هذه الكارثة التي تأتي على البنية التحتية الهشة والمحاصيل الزراعية كل عام.
الجزائر - كلما أفادت نشرية الأحوال الجوية في التلفزيون الجزائري بأن هناك اضطرابات جوية في البلاد وأن إمكانية سقوط أمطار واردة، إلا ووضع الجزائريون يدهم على قلوبهم خوفا من أن تجتاح المياه مساكنهم.
وسجل عدد من المحافظات الجزائرية خلال الأيام المنقضية نزول كميات كبيرة من الأمطار، أدت إلى سقوط قتلى وتشريد المئات من العائلات، وقطعت سيول الأمطار عشرات الطرق الرئيسية وجرفت معها الجسور وحطمت قنوات الصرف الصحي في المدن، كما حولت الأراضي الفلاحية إلى مستنقعات.
وتكشف الأمطار مدى ضعف البنية التحتية وهشاشة مرافق الصرف الصحي غير السليم في بلد غني بالغاز والبترول، كما تكشف الفساد وفشل بعض المشاريع التي خصصت لحماية المدن من الفيضانات.
ومع كل نزول للأمطار يتكرر نفس المشهد، فيضان أودية تجرف معها كل ما يعترض سبيلها وتتسبب في حالات وفاة وعائلات عالقة وشوارع تغرق في المياه، وفي كل مرة تتكرر التصريحات الحازمة بحماية البلاد والعباد من الغرق.
وقد تسببت رداءة الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة التي تهاطلت على الجزائر خلال الأيام الأخيرة من شهر أغسطس في مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات بجروح متفاوتة الخطورة، في ما سجل انهيار عشرات المباني مما اضطر العديد من العائلات إلى المبيت في العراء، كما تسببت في حالة تذمر لدى المواطنين منددين بتقصير السلطات في حمايتهم.
ويرى الخبراء في الأرصاد الجوية أن ما خلفته الأمطار في مدن شرق البلاد، مؤخرا، يقود إلى نتيجة واحدة مفادها أن السلطات الجزائرية لا تستوعب درس الفيضانات التي ضربت حي باب الواد في العاصمة الجزائرية سنة 2011. وعن الأسباب التي تؤدي في كل مرة تنزل فيها الأمطار إلى انقلاب أحوال الجزائريين وتخلق أزمة في البلاد، يقول رئيس مجمع الخبراء والمهندسين في الجزائر السيد بوداود “للأسف لا توجد في الجزائر سياسة للمدينة رغم أن الدولة وضعت وزارة خاصة أطلقت عليها وزارة الإسكان والعمران والمدينة، بينما في الواقع حينما نرى قطبا عمرانيا تم بناؤه في عشر سنوات ويضم قرابة 200 ألف ساكن ولا تتوفر فيه مقاييس علمية دقيقة من الناحية الحضرية والعمرانية، فهنا يجب على النظام تغيير نظرته إلى السياسة المنتهجة للتقليل على الأقل من حجم الكوارث”.
ومع حلول فصل الشتاء، كل عام، تزداد مخاوف الجزائريين مما قد تسببه الأمطار من كوارث وأخطار لعل أهما عودة الأودية إلى الحياة بعد سباتها وما قد تحدثه من مصائب غير متوقعة بالنسبة إلى الناس الذين شيدوا المباني على حافاتها، كالمساكن والمصانع والإدارات، فتجرفها “ثورة” الأودية مخلفة خسائر بشرية ومادية.
ويفضل الجزائريون خلال الأيام الممطرة عدم النوم أو النوم بالتناوب خوفا من أن يداهمهم الماء، بل منهم من يرسل عائلته إلى أقاربه في المناطق البعيدة عن الفيضانات.
وأوضح الخبير الجزائري عبدالكريم شلغوم أن قرابة مليوني مسكن في الجزائر مهددة بالانهيار بسبب المشاريع السكنية المبنية على حافات الوديان. وقال إن غالبية المشاريع التي تم إنجازها منذ 1999 لم تخضع لدراسة وافية.
وتشير إحصاءات رسمية إلى أن هناك نحو 100 ألف بناية أنجزت بالقرب من المناطق المعرضة للفيضانات أو بالقرب من مجاري الأودية والمساحات الواقعة أسفل السدود.
وقررت الحكومة الجزائرية اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية عبر الانطلاق في تنفيذ برنامج لحماية المدن المهددة بخطر الفيضانات، خصص له مبلغ ضخم قدره 40 بليون دينار جزائري (4.5 بليون دولار). وقد وُضعت خارطة توضح جميع المناطق العمرانية المعرضة لخطر الفيضانات والمهددة بالغرق، وعددها 30 ولاية، بينها العاصمة الجزائر لكن المخاوف من إمكانية تسلل أيادي الفساد لهذا المشروع تزداد ما قد يبقي الحالة مزرية بالنسبة إلى البنية التحتية الهشة.
ويتساءل الخبير بوداود عن جدوى المخططات التي تتشدق بها السلطات، ومنها ما يتعلق بحماية المواطنين من خطر الفيضانات، متسائلا عن مصير التحذيرات التي أطلقتها مصالح الحماية المدنية، بشأن خطر انهيار وفيضان سد قدارة، في حين لا يزال يتربص بسكان القرى والبلديات المجاورة له.
جدير بالذكر أن تهاطل الأمطار في فصل الشتاء يفضح عيوب الكثير من المشاريع سواء منها المتعلقة بالتهيئة أو التعبيد، والتي ساهمت بشكل كبير في انسداد البالوعات، وهو ما يؤدي بالعديد من العائلات إلى وضعية المنكوبين في كل مرة هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يبقى التخوف والرعب سائدين في نفوس المواطنين بسبب استمرار تهاطل هذه الأمطار، خاصة أن فصل الشتاء على الأبواب، إضافة إلى أن التخوفات تظل كبيرة من عدم تمكن الجهات المعنية من احتواء الأزمة.
مدن جزائرية تهاب المطر ولا تفرح به !!
12.09.2015