الفروسية رياضة نبيلة تجمع بين النخوة والشرف والرحمة والتقوى والإقدام، ولا يكون المرء فارسا إلا إذا تحلى بصفات الصلاح والكرامة، والعزيمة الشعرية، عكس التطرف وما لازمه من تهور ووحشية واعتداء على الأبرياء وكل السلبيات التي تحارب الحياة.
القصرين (تونس) - بعد أيام قليلة من عملية “بوشبكة” ، التي قتل فيها رجل جمارك تونسي، وجرح إثنان، التقى العشرات من الفرسان التونسيين غير بعيد عن مكان العملية، على مضمار مدينة فريانة، بمحافظة القصرين (غرب)، بنظرائهم من الجزائر، لإحياء تقاليد قديمة وتأكيد الترابط الثقافي والحضاري بين البلدين في مهرجان للفروسية اختار المشرفون عليه أن تكون له صبغة مغاربية.
وتشكل الفروسية في تونس جزءا من التراث والهوية، ذلك أن الجواد ظل دوما حاضرا في الأدب والملاحم، كما تنتظم سنويا العديد من المهرجانات المخصصة للفروسية وتشهد مناطق عديدة عروضا منها في أفراحها العائلية.
وعلى مدى ثلاثة أيام لمهرجان “سيدي تليل” المغاربي، في دورته التاسعة والأربعين (27 و28 و29 أغسطس) بمدينة فريانة، استمتع الحضور بعروض فرسان من قبائل شتى، حافظت على تقاليد تربية الخيول، وتعليم أبنائها فنون الفروسية والاستعراض. وقبل أن يترعرع الجواد العربي الأصيل في تونس وفي منطقة الشمال الأفريقي عموما ارتبطت المنطقة بالجواد البربري الذي يتميز بصلابته وصبره وتأقلمه مع المناخات المتغيرة وتعلقه المفرط بصاحبه.
ومن أهم صفات الجواد العربي الأصيل المتواجد في تونس الصلابة والرشاقة والسلاسة والأناقة والسرعة والذكاء.
وحظي المهرجان بحضور غفير من أبناء المدينة، والمناطق المجاورة، ومن الجزائريين الذين قدموا خصيصا لحضور فعاليات أيام الفروسية، رغم سوء الأحوال الجوية في اليوم الأول، فيما استعرض الفرسان مهاراتهم بلباس اختلفت ألوانه وزخرفته، وإن تشابهت التصاميم في أغلبها، بينما حضرت البنادق والسيوف لتبرز مهارات الفرسان في الاستعراض، ورفع الجزائريون أعلام بلادهم.
لطفي التليلي، عضو الهيئة المديرة للمهرجان المكلف بالإعلام، قال إن المهرجان “يواصل الاهتمام بالتراث المادي من خلال الاهتمام بالفروسية، التي تمثل ركيزة المهرجان، ومنذ انطلاقته كانت أيام الفروسية من أهم الأيام التي تحظى بمتابعة كبيرة”.
ويعوّل منظمو المهرجان في هذه الدورة على كسب صيت أكبر، ومزيد من المتابعين، بإعطائه بعدا مغاربيا، وفي هذا الإطار قال التليلي “نسعى للوصول إلى تعاون مع مهرجانات جزائرية تعنى بالفروسية، مثل مهرجان سيدي عبيد، كما أن مشاركة الإخوة الجزائريين، أضفت مسحة من الجمالية وتمتين العلاقة بين البلدين في ميدان الموروث المادي”.
وتابع التليلي”إن القبائل المنتشرة في الشرق الجزائري والوسط التونسي، وخاصة قبيلتي سيدي تليل التونسية، وأولاد سيدي عبيد الجزائرية، معروفة منذ القديم باهتمامها بالفروسية، وتربية الخيول، وتعد مثل هذه المهرجانات تشجيعا للكثيرين على مزيد الاهتمام بهذا المجال”.
وشدد التليلي على أن” فعاليات المهرجان لم تتأثر بالحادثة الإرهابية التي وقعت في مدينة بوشبكة (في محافظة القصرين على الحدود التونسية الجزائرية) بل سجلنا المئات من الجزائرين الذي عبروا المعبر الحدودي”.
ملّوك عمّار، من مدينة بئر العاتر الجزائرية (30 كم على الحدود بين البلدين) قال “أنتمي إلى قبيلة أولاد سيدي عبيد (قبيلة جزء كبير منها بالجزائر وتمتد حتى تونس) المعروفة بولع أفرادها بالفروسية، إضافة إلى وجود عدد كبير من القبيلة في تونس، ويدفعني ذلك إلى متابعة كل مهرجانات الفروسية في تونس والجزائر”.
ويتابع “إن المشاركة الجزائرية دفعت جزائريين كثرا إلى القدوم إلى المهرجان هذه السنة”.
وعن تأثير العمليات الإرهابية ومدى التخوف منها قال “أزور تونس من حين إلى آخر، ولا أحس بأي خوف، فهذه العمليات لن تثنيني عن القدوم إلى تونس، وهي في كل الأحوال تقع حتى في الجزائر”.
المهرجان الذي امتد على ثلاثة أيام افتتح الخميس بلوحات فلكلورية، واستعراض للفروسية، في اليوم الثاني واصل الفرسان تقديم مهاراتهم صباحا، وفي المساء نظم ما يعرف بـ”خرجة سيدي رابح”، وهي زيارة الفرسان لزاوية الشيخ أحمد تلبل، الذي ينسب إليه المهرجان، ومن ثم التوجه مجددا نحو ساحة المهرجان لمواصلة الاستعراض، وهذا تقليد دأب عليه فرسان من قبيلة سيدي تليل.
بساحة المهرجان قام الفرسان باستعراض مهاراتهم في قيادة الخيول، مطلقين البارود من بنادقهم، في حركات بهلوانية، فضلا عن تجسيد العرس التقليدي من خلال الجحفة (الهودج الذي يحملون فيه العروس على الجمل).
ومنح السوق المقام قرب ميدان سباق الخيل الزائرين فرصة للتسوق، وقضاء احتياجاتهم، بحيث برزت البضائع المميزة لهذه المواسم مثل حلوى الزردة، التي يحرص كل من يزور ساحة المهرجان على الحصول عليها.
فرسان من تونس والجزائر يذرّون الغبار في أعين الأشرار!!
31.08.2015