أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
التراث مقابل الحلاقة في صالون بجبل لبنان !!
12.05.2015

قد يتصوّر من يدخل، لأوّل مرّة، إلى صالون فهد للحلاقة، ببلدة فالوغا بجبل لبنان، أنّه قد أخطأ السبيل فرجلاه لم تطآ مجرد محلّ لقصّ الشعر أو حلاقة الذقن بقدر ما وطأتا ما هو أشبه بمتحف زاخر بالقطع التراثية والأسلحة المتقادمة والتماثيل والمجسّمات الأصلية.
كتب سلمان العنداري ..يدير فهد العنداري صالونه الخاص بالحلاقة الرجّالية في إحدى قرى جبل لبنان، إلا أن للمحل سحره الخاص وأسراره الدفينة في خبايا التاريخ القريب والبعيد.
اللمسات الفنية لفهد وشغفه بتجميع القطع القديمة، حوّلا صالونه من مكان عادي يستقبل الزبائن، إلى متحف مليء بالتحف والقصص والقطع الفنية والطبيعية.
الجلسة في الصالون، في بلدة فالوغا التي تقع على بعد 30 كيلومترا شرق بيروت، لا تقتصر فقط على قصّ شعر أو حلاقة ذقن، بل تغوص في عمق كلّ ما يحويه المحلّ من نفائس.
يحتوي الصالون على قطع أثرية نادرة وأحجار وأشكال صدفية وخناجر وتماثيل، وبنادق معلقة على جدرانه ومرصوصة في إحدى الزوايا، بالإضافة إلى سيوف وعدّة صيد مكدّسة على إحدى الطاولات، وأحصنة وأفاع وغزلان تختبئ خلف مجسّمات حجرية متوسطة الحجم، جميعها ترسم صورا كثيرة وانطباعات لا تنسى، بل تعلق في بال كل زبون أو زائر، وتجعله ينتظر فرصة العودة إلى صالون فهد بغية الامتلاء مجدّدا بما يضمّه من تحف نادرة ونفائس فريدة.
قصة فهد مع جمع القطع المميّزة بدأت قبل سنوات عندما عثر في أعالي جبال لبنان على صخرة حجرية تجسّد شكل أرنب، ويصف تلك اللحظة قائلا “حينها شعرت بفرح شديد أعادني زمنا إلى الوراء، فاستمررت بهذه الهواية حتى تحوّلت شغفا حقيقيا لا يوصف ولم يتوقف”.
ومنذ تلك الفترة أخذ الصالون، الذي لا تتعدّى مساحته 25 مترا مربعا، في التحوّل تدريجيّا إلى متحف صغير يحوي مئات القطع الأثرية والطبيعية القديمة التي جمّعها فهد بنفسه. الصالون الذي أعيد ترميمه قبل نحو 5 سنوات، أضحى اليوم مكانا يكتنز بالتحف التقليدية والتراثية، حيث تمتزج فيه ألوان الخشب بالحجر، مصحوبة بإضاءة خفيفة تشعر الزائر بشيء من الراحة والسكينة.
أغاني المطربة اللبنانية الشهيرة فيروز تكاد لا تفارق يوميات صاحب الصالون، وكلام فهد عن والده الذي رحل قبل أشهر لا يتوقف، فيحدّثك عن كلّ قطعة، ومن أين أتى بها، وكيف عثر عليها، ففي كلّ مكان رحلة وعبرة وقصّة.
يقول فهد إنّ “الزبون يرتاح في هذا المكان وعلى هذا الكرسي”، ويتابع قائلا “كل زوّاري يشعرون براحة نفسية كبيرة في الصالون، ودائما ما تشد اهتمامهم القطع التي أضيفها، وغالبا ما نحتسي القهوة بعد جلسة قصّ الشعر ونتبادل الكلام، من دون إغفال التطرّق إلى قصّة الصالون وجديده”. زبائنه تحوّلوا إلى أصدقاء فـ”العلاقة الطيبة، في أي عمل نقوم به، هي أساس النجاح في الحياة”، على حدّ تعبير فهد الذي يشدّد على أن هذه المهنة جعلته أقرب إلى عدد كبير من الأصدقاء والزبائن من كل المناطق والفئات اللبنانية وحتى زوّاره من كلّ الدول العربية وخصوصا دول الخليج.
تمكّن فهد من الاحتفاظ بمجموعة من القطع التركية القديمة مثل سلاح يعود إلى حقبة إبراهيم باشا، ورثه عن جدّه الذي عاصر الحقبة العثمانية، خلال الفترة الممتدة بين 1516 و1917، فضلا عن بارودة من أيام “بندق أبوفتيل”، حسب تعبير أهالي جبل لبنان، وفانوس نحاسي يعود إلى مئة وخمسين عاما.
هدوء فهد وميوله الفنية تعكس فيه شخصية فلسفية تجنح نحو السلام، فالحياة بالنسبة إليه “قصيرة، وعلى الإنسان أن يعيش بفرح وحياة ومحبّة وسلام، وهذه الحجريات من عمر الزمن، ودائما ما أقول لكلّ الناس، إنه لا بد من العيش بمحبة وسلام لأننا لسنا إلا لحظة في هذا الزمن”.
فهد يطمح إلى توسيع مساحة الصالون وإضافة مزيد من القطع الجديدة، قائلا إنّ “أبواب الصالون مفتوحة لكلّ الناس من كلّ أنحاء العالم”.

1