البرج الأبيض كان يستخدم للتنبيه من الأخطار الخارجية، لم يبق منه سوى 5 أمتار بعد تعرّضه لزلزال عنيف أدّى إلى تدميره.
كاتمندو – لم يسلم شيء من الزلزال العنيف الذي ضرب نيبال، لا البشر ولا المعمار.. القتلى سقطوا بالآلاف، والتراث المعماري من معابد ومعالم بوذية وأبراج كان له نصيبه المحزن من الدمار.. برج داراهارا تحفة معمارية نفيسة في العاصمة كاتمندو، لم يسعفه دوره بأنه كان يحمي المدينة من الغزو الأجنبي، فهوى بدوره دون أن يتنبأ أحد بمصيره المحتوم..
انطلق الجنود وعمال الإغاثة، يوم الأحد، إلى إزالة أنقاض برج داراهارا، في العاصمة النيبالية كاتمندو، بعد تعرّض البلاد لزلزال عنيف أدّى إلى تدمير البرج التراثي، ولم يبق من معماره الشاهق سوى دعامة لا يزيد ارتفاعها عن عشرة أمتار.
جثث كثيرة انتشلت من تحت أنقاض البرج الأبيض، ولكن أغلب الضحايا ما زالوا محاصرين داخل هذا المعلم التاريخي المدمّر، وفق شهادات متعدّدة.
ورغم الكارثة المدمّرة، فإنّ الأنظار تتأمّل البرج بحزن شديد، لارتباطه بموروث لا يقدّر بثمن لدى النيباليين. أحد السكان تساءل بحرقة “من سيعيد بناءه الآن؟”، فهو ليس مجرد عمارة نيبالية، بل تحفة كانت تزين مواقع التراث العالمي في المنطقة.
لم يتضح بالتحديد عدد السياح والمواطنين النيباليين الذين كانوا في البرج متعدد الطوابق عند انهياره، بل تعدّدت الأرقام المطروحة لضحايا زلزال، بلغت قوّته 7.9 درجات بمقياس ريختر، وقتل فيه أكثر من 4000 شخص وشرّد الملايين إلى حدّ إحصائيات أمس.
يسمّى برج داراهارا التاريخي أيضا “بهيمسين” وكذلك “بهيمسين ستهامبها”، ويعود بناؤه إلى العام 1825، إذ شيّده آنذاك رئيس الوزراء تهابا بهيمسين باسم ملكة البلاد تريبورا سانداري ديفي، ليكون برج حراسة يستخدم للتنبيه من الأخطار الخارجية القادمة عند اقترابها من مدينة كاتمندو. وكان البرج، الذي يقع في حي سانهارا بالعاصمة كاتمندو، يتكوّن من تسعة طوابق ويبلغ ارتفاعه 62 مترا، قبل أن ينهار يوم 25 أبريل الجاري بفعل قوّة الزلزال الذي ضرب البلاد.
وكما كان البرج مخصّصا لدق نواقيس الخطر من الغزوات الأجنبية المحتملة والدعوة إلى الإسراع بحمل السلاح للدفاع عن حياض المدينة والمملكة النيبالية عموما، فإنّه كان مسخّرا أيضا لدعوة الرعايا إلى الاجتماع في ساحة “تونديكهيل”، شمال شرقي البرج، للمشاركة في الأنشطة الشعبية الكبرى أو في المهرجانات العامّة أو لإعلام العامّة بقرارات جديدة اتخذتها الحكومة آنذاك. وكان الجندي المكلف بالحراسة يستخدم، من أعلى البرج، بوقا تقليديا عملاقا، ينفخ فيه لدعوة الأهالي إلى التجمّع والحضور إلى الساحة العامة.
والجدير بالذكر أنه سبق للبرج التاريخي أن انهار من جرّاء زلزال عنيف خلال العام 1934 قتل فيه 8500 شخص، ثمّ أعاد رئيس الوزراء، جودا سامسهير جونغ باهادور رانا، بناءه بعد عامين فقط، أي عام 1936، نظرا إلى أهميّته في الذاكرة الجماعية النيبالية، علما أنه كان هناك برج آخر توأم له لم يعد بناؤه بعد انهياره.
وعند إعادة بناء البرج في شكله الجديد المتماثل مع سابقه، حرص رئيس الوزراء، رانا، على تشييد شرفة دائرية على مستوى طابقه الثامن، بما يتيح مشهدا بانوراميا يطلّ على كامل مدينة كاتمندو، ويتكون مدرج البرج من 25 درجة خارجية و213 درجة داخلية تصل إلى قمّة البرج الذي ينتهي بسهم من البرونز يرتفع علوه إلى 5.2 متر.
وعلى الصعيد المعماري، فقد بني البرج على طراز العمارة المنغولية الهندية، فهو يبدو كالمنارة السامقة، وقد بني بمواد تقليدية نيبالية من دون استخدام الحديد، باستثناء الشرفة التي أضيفت في بنيان سنة 1936. وفي كل الأحوال فإنه يعد معلما تراثيا ينبئ بجمال العمارة المحليّة.
يذكر أن البرج لم يفتح للزوار والسياح إلاّ في العام 2005، إلى أن انهار تماما يوم 25 أبريل بسبب الزلزال المدمّر، حيث مكث تحت أنقاضه عشرات الأشخاص.
يذكر أن مدينة كاتماندو تشتهر بمعابدها الهندوسية والبوذية وتضمّ قصورا قديمة ومعالم أثرية عديدة، إلى جانب برج داراهارا الأبيض الواقع في قلب البلدة القديمة.
وتزدحم المعابد البوذية في المدينة، من بينها معبد سويامبهوناث الذي تكثر القردة في أنحائه، وكذلك معبد كاثامانداب أو “المبنى الخشبي” الذي تم تشييده في القرن الـ12 من خشب شجرة “سال”. وبالإضافة إلى ذلك، توجد بالمدينة معابد الآلهة الثلاثة، ومعبد جيسي ديفال، وغيرها من المعابد والمعالم التاريخية.
ويعود تاريخ تأسيس كاتماندو، عاصمة نيبال وأكبر مدنها، إلى القرن السابع الميلادي، وتحديدا إلى عام 723 للميلاد. ويتجاوز عدد سكانها مليون نسمة. وتقع العاصمة كاتماندو في واد يحمل نفس الاسم بوسط نيبال بين قمم الهملايا، وبالقرب من نهر بشنوماتي على ارتفاع حوالي 1380 مترا، وهو واد مليء بالمواقع التاريخية والمعابد والأضرحة والقرى ذات الطبيعة الخلابة. ويحيط بالمدينة أربعة جبال رئيسية هي جبل شيفابوري وجبل فولتشوويكي وجبل ناغارجوم وجبل تشاندراغيري.
وتعتبر كاتماندو، التي تبلغ مساحتها 50 كيلومترا مربعا، مركزا ثقافيا واقتصاديا، حيث تلتقي مع مدينتي باتان وباكتابور في البعد السياحي والاقتصادي والتراث الثقافي الذي تزخر به، ولكنّ الجرح الغائر يرتسم اليوم على ما تبقى منها، إذ لم يستطع برجها الأبيض استشراف ما حلّ بها.
تبدو نيبال اليوم بلدا منكوبا، يلفّه الحزن الشديد من كلّ نواحيه، لا فقط بسبب الضحايا البشرية لزلزال مدمر يعدّ الأسوأ، في البلاد، منذ 80 عاما، وإنّما أيضا من جراء الدمار الذي حلّ بكنوز معمارية وتراثية لا يمكن تعويضها، وإن بنيت مجدّدا.
دمار برج داراهارا التاريخي في نيبال قبل استشرافه خطر الزلزال !!
28.04.2015