الحيوانات تحتل مكان الصدارة في سوق للمتاجرة بكل شيء، والنساء الأكثر إقبالا على شراء الكلاب المفترسة بعد الثورة
القاهرة – يستقبل “سوق الجمعة” أو ما يسمّى تحديدا بـ”سوق التونسي”، الواقع بميدان السيدة عائشة جنوب القاهرة، كلّ يوم جمعة آلاف المواطنين من مختلف الفئات الاجتماعيّة.. يقبلون عليه من أنحاء مصرية متفرّقة للبحث عن ضالتهم والحصول على كلّ ما ندر، لا سيما الحيوانات الأليفة منها والمفترسة، كالكلاب والثعالب والثعابين والصقور والجميل المؤنس من العصافير وغيرها..
تعرّض سوق الجمعة، قبل 5 سنوات، لحريق جاء على كافة محتوياته، ليجد تجّاره أنفسهم بلا مكان يسترزقون فيه ومنه ببيع مختلف البضائع حتى الغريب منها بالخصوص، إلى أن استقروا في ميدان السيدة عائشة.كان للسوق مكانا أسفل كوبري التونسي بالسيدة عائشة، ولذلك يطلق عليه سوق التونسي أو البساتين أو حتّى “سوق الإبرة والصاروخ”، تندرا بالأسعار الزهيدة لما يباع فيه أو تأكيدا لعرضه ما يغيب عن غيره من أسواق القاهرة وغيرها من المدن المصرية.
قام السوق، في الماضي، على أنقاض محتويات تعود إلى عصر الباشاوات والرعايا الإنجليز في مصر قبل ثورة 1952، والذين اضطرتهم الهجرة والرحيل إلى بيع قصورهم بجميع محتوياتها التي كانت غالبا ما تؤول إلى الباعة المتجوّلين، ومنهم إلى هذا السوق الفسيح الممتد على مسافة كيلومتر تقريبا..
دخلت “العرب” المكان فلاحظت أنه نسيج من الأسواق المتداخلة لا مجرد سوق واحد، تعرض فيه سلع ومنتجات مختلفة، وأهم ما يميّزه عن الأسواق الأخرى المتناثرة في القاهرة، تجارة الحيوانات النادرة التي تلفت انتباه كل المتجوّلين.
بداية السوق تصدرته ساحة خصصت لبيع الكلاب المفترسة والبوليسية والأليفة.. “العرب” التقت بمدحت، تاجر يمتهن تربية الكلاب وبيعها منذ 25 عاما، هي مصدر رزقه الوحيد.. قال عن المترددين عليه إنهم في ازدياد بعد ثورة 25 يناير 2011، لانتشار البلطجية وعدم الاستقرار الأمني، حيث أصبح الإقبال على شراء كلاب الحراسة كثيفا.
أمّا عن الأسعار فقد أوضح محدثنا أنها تتراوح بين المئة دولار و1500 دولار، حسب نوع الكلب وفصيلته، بل وقد يصل سعر كلب “الميم كورس” الأميركي الأصل، إلى ألفي دولار، نظرا إلى فعاليته الكبرى في الحراسة والتأمين.
الحراسة أو الانتقام غرضان رئيسيان لاقتناء الكلب الشرس، هذا ما قاله سامي، المشرف على تجارة الكلاب بالسوق، لكن المثير إقبال السيدات على شراء الكلاب الشرسة. وعندما سألته “العرب” عن السبب، قال: إحداهن تشتريه لحراستها أو تأمين مسكنها وأخرى للانتقام من زوجها الذي خانها فتشتري كلبا حتى تمنعه من الاقتراب من منزلها.
الخوف ليس له مكان وسط بائعي ومشتريي الكلاب، لأنهم يعرفون أنها يمكن أن تضحّي بنفسها لنجدة صاحبها، فهي أكثر وفاء من الإنسان، هكذا وصفها أحد، بائعي الكلاب، قائلا إنّ مبدأ الشراء يأخذ بالمثل العربي الشهير “صاحب كلب يحرسك ولا تصاحب صاحب يحبسك”.
غير بعيد عن ساحة تجارة الكلاب يصادفك مكان بيع الحمام الذي بدت خصوصيته واضحة في السوق، فتأسيسه كان على يد أحد عشاق هذا الطائر الوديع، هو الملك فاروق، حاكم مصر قبل ثورة 1952، والمكان محصّن وممنوع اقتراب أي من تجّار الحيوانات المفترسة إليه.
البائع البسيط على دراية تامّة بكافة أنواع الحمام، كالزاجل والكرزلات والعبسي، وأصوله مختلفة فهي تشمل أيضا اليمني والمغربي، ويصنف حسب طبيعة عشّ الحمام، فهناك حمام “الغية” أو “القفص” أو “الطياري” الذي يصاحب الإنسان داخل المنزل. ولا يخلو السوق أيضا من بيع الصقور، ألوانها تشد من يلمحها، وبالقرب منها توجد أقفاص الخفافيش والبوم والوطاويط. والغريب أن هناك إقبالا كبيرا على دم الوطواط، حيث يطلبه البعض لدهان جسد المولودة الأنثى، كي يحميها من الشعر الكثيف مستقبلا، وأحيانا تأخذه العروس وتتركه على جسدها ثلاث ساعات على اعتبار أنه يقلل ظهور الشعر بالجسم.
القسم الثالث من السوق، يعكس ما يتّسم به من ندرة محتوياته، فهو يضمّ الزواحف والطيور الجارحة الموجّهة إلى هواة الصيد، وأمام منضدة مستديرة توجد أحواض زجاجية ممتلئة بالتماسيح والعقارب وأنواع مختلفة من الثعابين الصغيرة وغير السامة، أمّا تحت المنضدة نفسها فتوجد أكياس كبرى مخفية عن الأنظار تتحرّك داخلها ثعابين ضخمة وخطرة.
مصطفى شاب في منتصف الثلاثينات قال لـ”العرب” إنّ الاهتمام بالثعابين كان مجرد هواية تحوّلت مع الوقت إلى وسيلة للكسب، مؤكدا معرفته الجيدة بالثعابين سامة أو غير سامة بمجرد النظر إليها، وهو لا يعرض حيواناته في العلن، خوفا من المساءلة القانونية، حيث تعتبر من المحميات الطبيعية، بما يؤدي عند اكتشاف أمرها إلى مصادرتها ومحاسبة أصحابها.
في الماضي كان الباعة لا يكترثون لصفة المشتري، أمّا الآن فقد أضحت هناك درجة عالية من التدقيق، بعد قيام أب بشراء ثعبانين من نوع كوبرا من هذا السوق واستخدامهما في قتل بناته الثلاث. إسلام، وهو رجل أعمال له معرفة بهذا المجال، أوضح أنّه لا ينكر خطورة تربية الثعابين، لكنه يتفاداها عبر إخراج الثعبان بين الفترة والأخرى من صندوقه الزجاجي وإزالة أنيابه كلّما برزت، مستخدما في ذلك الترخاصة، الشبيهة بالكماشة، حتى لا تنمو وتشكّل خطورة على صاحبها أو غيره.
لم يقتصر السوق على بيع الكلاب والحمام والزواحف والثعابين، بل شمل أيضا معروضات للزينة، فهناك مكان للمحنطات من البقر الوحشي ورؤوس الغزال والنسور والصقور والذئاب، بالإضافة إلى الفراء والجلود التي يندر وجودها في غيره من الأسواق.
"سوق التونسي" في القاهرة.. من الحيوانات المفترسة إلى الزواحف والعصافير !!
30.03.2015