راشيا الوادي (شرق لبنان)، بيروت / حمزة تكين / - تتكدس صناديق العنب الأبيض والأحمر على مدخل “معصرة العنب الحديثة” في بلدة راشيا الوادي في منطقة البقاع الغربي شرقي لبنان، التي لا تزال تحافظ على ما تبقى من تراث في هذا البلد الصغير، ابتداء من منازلها القرميدية الجميلة الى صناعة “دبس العنب” التقليدية.فهذه البلدة النموذجية بتعايشها المسيحي الدرزي، أصبحت آخر مكان في لبنان لا يزال يصنع “دبس العنب”، الذي أعيد اكتشافه عالميا لفوائده الغذائية العديدة وكبديل صحي وطبيعي للسكر، أو ما بات يعرف بـ”السم الأبيض”.
داخل المعصرة، التي جارت العصر وأدخلت معدات حديثة إلى صناعتها المتخصصة بدل الأدوات اليدوية التي كانت تستخدم سابقا، رائحة ذكية تسود المكان، حيث العمل على قدم وساق.
في وسط المعصرة، هناك من يتولى، بلباسه الدرزي التقليدي، تحريك عصير العنب في قدر كبير موضوع تحت نار قوية، مستخدما “كبشة” (مغرفة كبيرة) قديمة ذات يد طويلة. في زاوية أخرى، يراقب عدد من العمال عملية التقطير وتجميع “المادة الذهبية” آليا في خزانات قبل أن تشق طريقها النهائي لتتوزع على قوارير من احجام مختلفة.
وصناعة “دبس العنب”، التي يعود عمرها الى اكثر من 1000 سنة، موجودة في سوريا وفلسطين كما إيران واليونان وفرنسا وإيطاليا وتركيا، واصبحت معروفة ومطلوبة عالميا بعد ان ثبت ان هذه المادة الطبيعية مصدرا جيدا للطاقة وتحتوي على العديد من المعادن الضرورية.اما في راشيا، فهي تشكل ايضا مصدرا ماديا مهما يساهم برفع دخل مزارعي العنب وتحسين أوضاعهم في ظل الاحوال الاقتصادية المتردية.
وشرح بهاء القضمائي، صاحب المعصرة، ل”الاناضول” عملية تصنيع “دبس العنب”، التي تبدأ بقطاف ثمرة العنب في نصف شهر أيلول/سبتمبر، مشيرا الى أن الخطوة الأولى في المعصرة تكون بعصر العنب، ثم تجفيفه ونقله الى خزانات خاصة.
ولفت القضمائي الى أن عصير العنب يترك مدة 12 ساعة حتى ترقد الشوائب في قعر الخزانات، ثم يتم نقل العصير المصفى الى حلل كبيرة ليتم تكثيفه، عبر تبخير المياه منه لتبقى المواد الصلبة، ويطبخ العصيرعلى البخار على درجة حرارة يمكن أن تصل إلى 100 درجة مئوية.
وحدد قدرة التصنيع في معصرته ما بين 400 الى 500 طن من العنب في السنة، فيما يستعمل اكثر من 1500 طن من العنب في المنطقة لهذه الصناعة، ما يجعل “المنتوج النهائي حوالي 150 الى 200 طن من دبس العنب” في راشيا.
وأوضح القضمائي أن كل أنواع العنب يمكن استخدامها في تصنيع دبس العنب “إلا أن العنب الأبيض هو الأفضل… وهذا متواجد بكثرة في منطقة راشيا”.
من جانبه، قال شوقي دلال، رئيس “جمعية محترف راشيا”، أن بلدة راشيا تكاد تكون البلدة الأولى ليس فقط على مستوى لبنان بل العالم في صناعة “دبس العنب”، مشيرا الى أن البلدة مشهورة بهذه الصناعة منذ مئات السنوات.
وقال دلال لـ”الأناضول” أن صناعة دبس العنب “صناعة بيئية طبيعية مائة بالمائة، لا يدخلها أي مركبات كيميائية”، مشيرا الى انها “تصلح لغذاء الأطفال والكبار ولكافة أفراد الأسرة” ويوصي بها الاطباء واخصائيو التغذية.
واضاف “نشهد اليوم عودة الى دبس العنب”، اذ أضحى بديلا عن السكر الأبيض في صناعة الحلويات، خاصة في راشيا.
وأضاف دلال أنه طرح على وفد “منظمة الفكرية العالمية” خلال زيارة لراشيا “حماية اسم دبس العنب”، متعهدا بالمساعدة على تسويق هذا المنتوج ليس في لبنان فقط بل في المنطقة والعالم ايضا.
لما لا، وفوائد “دبس العنب” اعترف بها الطب الحديث، خصوصاً لجهة تنقية الدم، وتنشيط الأعصاب وتوسع الشرايين، والاهم المحافظة على نضارة البشرة، والشباب الدائم.
دبس العنب .. صناعة تقليدية تحافظ عليها راشيا اللبنانية!!
12.11.2014