أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41135
ضابط ورياضي وذبّاح وأمير.. 4 مصريين في "الدولة الاسلامية"!
29.10.2014

القاهرة/ مروة جمال - “أبو معاذ المصري أسد من أسود الدولة.. بيدبح على طول (يقوم بالذبح فوراً) وهيي.. أبو بكر يا بغدادي يا مرهب الأعادي.. سجلني استشهادي.. وهيي.. الدولة دي جامدة(قوية) وفيها شباب حلوين.. وقفوا وقفة حلوة ودبحوا المرتدين وهيي”.
بهذه الأهزوجة التي رددها مع مجموعة من الأطفال على وزن أغاني شعبية مصرية معروفة، أعلن ضابط الشرطة المصري السابق أحمد الدروي الملقب بـ”أبي معاذ المصري” عن تواجده مع تنظيم “الدولة الاسلامية” وذلك بتسجيل صوتي منسوب له سجله قبل إعلان خبر مقتله من قبل عائلته مؤخراً بعملية انتحارية نفذها في العراق لصالح التنظيم؛ ليتصدر قائمة مصريين انضموا لـ”الدولة الاسلامية” وبرزوا إعلامياً.
الدروي أو “أبو معاذ المصري” اللقب الذي اتخذه بعد انضمامه لـ”الدولة الاسلامية”، كان في العقد الثالث من العمر عندما تقدم باستقالته من جهاز الشرطة المصرية عام 2005 أي قبل 6 سنوات من اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، مبرراً السبب بـ”رفضه لممارسات العنف والتعذيب التي تنتهجها الشرطة”، وفقا لما ذكر على صفحته الشخصية على فيس بوك وقتها وعدة تصريحات صحفية أدلى بها.
وعقب اندلاع ثورة يناير/ كانون الثاني قدمته وسائل إعلام مصرية بصورة “الضابط الإنسان” الذي يملك الوعي الكافي لوضع استراتيجية تطهير جهاز الداخلية؛ وكان له عدة إطلالات تلفزيونية دعا فيها زملاءه الضباط إلى القبول بالثورة وتحقيق الأمن للمواطن المصري “بما يرضي الله”.إلا أنه سرعان ما أعلن نيته الترشح في أول انتخابات برلمانية أجريت بعد الثورة عام 2012 كمرشح مستقل، لكنه فشل في الوصول إلى مقعد البرلمان بعد خسارته في الانتخابات.
ومنذ أشهر قليلة انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي شائعة وفاة الدروي في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء علاجه من مرض السرطان يفترض أنه مصاب به؛ إلا أن هذه الشائعة سرعان ما نفيت عقب نشر نشطاء مصريين صورة له وهو يحمل بيده سلاحاً ويرتدي زياً إسلامياً بعد أن أطلق لحيته قالوا إنها مأخوذة له في العراق بعد انضمامه لالدولة الاسلامية.وفي 4 يوليو/تموز الماضي، أعلن الجيش العراقي في بيان أصدره مقتل القائد العسكري لتنظيم الدولة الاسلامية في تكريت شمالي العراق أبو معاذ المصري (مصري الجنسية)، الذي كشف أحد المواقع التابعة للتنظيم على شبكة الانترنت أنه نفسه أحمد الدروي الضابط المصري السابق، إلا أن الأمر لم يحظ باهتمام وانتشار إعلامي واسع وقتها كون الدروي من المفترض أنه مات في أمريكا قبل أشهر.
إيمان لاشين والدة الدروي أطلقت تغريدتين عبر حسابها الشخصي على تويتر يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بعد أن انتشر خبر مقتل ابنها على وسائل إعلام مصرية، قبل أن تقوم بإغلاق الحساب بعدها؛ جاء في الأولى “أنا أم الشهيد، اتقوا الله أيها الشباب في من باع الدنيا من أجل حماية أعراض الفتيات والحرائر في سوريا والعراق، اتقوا الله فى من ضحى بحياته وترك 4 أطفال وزوجة شابة ووالدين في أمس الحاجة إليه، لنصرة السنّة”.
ثم استدركت في تغريدة أخرى “فخورة بهذا الابن الذى آثر الآخرة على دنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة، جزاك الله خيرا يا أحمد”.بينما اهتم هيثم شقيق الضابط السابق بسرد تفاصيل الحكاية عبر تغريدات منفصلة على حسابه في اليوم نفسه جاء فيها “كان أحمد فعلا مريض وسافر إلى أمريكا للعلاج منذ أكثر من سنتين، وقال لنا بعدها إنه ذاهب يكمل علاجه في تركيا، والتواصل معه كان صعب، وكان يغير أرقام هاتفه باستمرار”.
وتابع في تغريدة أخرى باليوم نفسه “في نهاية مايو/أيار الماضي وتحديدا يوم 29 منه ناس كلمونا (لم يحدد هويتهم) وقالوا لنا إن أحمد توفي من غير أي تفاصيل، وأعلنّا الخبر، وكان من المفروض أن أتوجه لتركيا لأخذ الجثمان؛ لكن قررنا عمل صلاة الغائب والعزاء أولاً، وفعلا ده اللي حصل (هذا ما حصل)، وماكنش عندنا (لم يكن لدينا) أي معلومات غير أنه توفي في تركيا، وبعدها أشخاص (لم يحددهم) نشروا صوره مع الدولة الاسلامية وقالوا إنه كان معهم، وقام بعملية استشهادية وحاولنا التواصل معهم لكن فشلنا”.
أما إسلام يكن أو “أبو سلمة بن يكن” كما لقب نفسه على تويتر، فسبق الدروي بالانضمام إلى “الدولة الاسلامية” وظهر بصور ومقاطع فيديو نشرها من سوريا.
ويكن البالغ من العمر 22 عاماً درس في مدرسة “ليسيه الحرية” الراقية بحي مصر الجديدة بالقاهرة، واتقن عدة لغات قبل أن يلتحق بكلية الحقوق بجامعة عين شمس شرقي العاصمة المصرية ويتخرج منها عام 2013، كما اعتاد ارتياد صالات الجيم (نادي رياضي) وفوجئ به أصدقاءه يدعوهم إلى الانضمام إلى “الدولة الاسلامية” عبر “تويتر” وينشر مقاطع فيديو له على “يوتيوب” من إحدى غابات سوريا وهو يؤدي تمارين رياضية قال إن “المجاهدين يحتاجونها للحفاظ على لياقتهم البدنية”، بحسب الفيديو.
وفي مقطع آخر بثه على “يوتيوب” صوره في مكان مشابه للمكان الذي صور فيه المقطع الأول، ظهر يكن متحدثاً عن النظام الغذائي السليم للمحافظة على صحة الجسم؛ مؤكدا أن الله “هداه لطريق الحق”.
كما نشر “أبو سلمة” صوراً مختلفة له فتارة يظهر وهو يمتطي ظهر حصان وبيده “سكين الذبح” الذي يشتهر بحمله مقاتلو “الدولة الاسلامية”، وأخرى وهو على ظهر دبابة، وثالثة وهو يرتدي زياً عسكرياً ويحمل بيده رشاشاً من نوع “كلاشنيكوف” روسي الصنع.
فيما بث أصدقاؤه ووسائل إعلام مصرية صوراً له قبل أشهر من انضمامه لالدولة الاسلامية وهو في المدرسة وأخرى مع أصدقائه في “الجيم” وأخرى يقوم فيها بحركات مضحكة أو ساخرة بوجهه كنوع من اللهو مع أصدقائه.
من جهته، كانت قصة انضمام عبد المجيد عبد الباري “الأغرب” بين سابقيه، حيث بث نشطاء مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو يظهر فيها الشاب (23 عاما) قبل انضمامه لالدولة الاسلامية وهو يغني على نغمات موسيقى الراب ببراعة شديدة في لندن حيث نشأ وتعلم.
إلا أن بداية الحديث عن انضمام عبد المجيد (23 عاما) إلى الدولة الاسلامية في سوريا كانت في 31 ديسمبر/كانون الثاني من العام الماضي، حينما كتبت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية عنه “مغني راب بريطاني يبلغ سعر منزله في مايدا فيل غربي لندن مليون جنيه استرليني ينضم إلى الدولة الاسلامية ويقول لأسرته تركت كل شيء في سبيل الله”.
وأشارت الصحيفة نفسها وصحف بريطانية أخرى صدرت مطلع سبتمبر/أيلول الماضي نقلاً عن مصادر استخباراتية بريطانية إلى أن خبراء تحليل الصوت أكدوا تطابق صوت عبد الباري مع صوت عنصر “الدولة الاسلامية” الملثم الذي ظهر في فيديو بثه التنظيم في أغسطس/آب الماضي وهو يقوم بذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي ويتوعد الأمريكان والبريطانيين إذا لم توقف قيادتهم الحرب على التنظيم، قبل أن يظهر الملثم نفسه مجددا في فيديوهات أخرى يذبح فيها عددا من الأسرى الغربيين لدى التنظيم خلال الشهرين الماضيين.
لكن تلك الصحف لم تشر لكيفية انضمامه لتنظيم الدولة الاسلامية أو تاريخ قيامه بذلك، كما أنه لم يصدر حتى اليوم تأكيد رسمي من أي جهة بأن “ذباح الدولة الاسلامية” الشهير هو نفسه عبد الباري.
وقبل أشهر ظهر في تسجيل مصور بثه ناشطون سوريون معارضون على “يوتيوب” أمير لالدولة الاسلامية يدعى “أبو بكر المصري” في منطقة جرابلس بمحافظة حلب شمالي سوريا، وهو يتحدث باللهجة المصرية ويوجه بنبرة ساخرة أسئلة شرعية لمُسن سوري من سكان المنطقة يجلس على الأرض إلى جانب قدمي الأمير الجالس على كرسي، ولم يعرف المسن الإجابة عن أي من الأسئلة الموجهة إليه، وفي نهاية المقطع يشهر “الأمير” مسدسا يلوح به ويهدد المسن بالقتل، ما دفع الاخير لتقبيل يد ورجل الأمير راجيا منه عدم قتله.
وبعدها بفترة نشر موالون لتنظيم “الدولة الاسلامية” أنباء عن عزل “الدولة الاسلامية” أميره المصري على منطقة جرابلس بسبب “سوء تصرفه مع المسن حتى لو كان على سبيل المزاح أو التسلية”، وهو ما لا يتسنّى التأكد منه بسبب القيود التي يفرضها التنظيم على التعامل مع وسائل الإعلام.
وعن سبب انجذاب المصريين الأربعة وغيرهم لتنظيم “الدولة الاسلامية” على الرغم من أنهم متباينين ثقافياً وإيديولوجيا، يرى محمود خليل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إن الإعلام الجديد ممثلا بالانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي “أتاح لكل الجماعات المتطرفة فرصة التعبير عن نفسها ومخاطبة الشباب من خلاله وهو ما اتقنه الدولة الاسلامية إلى حد كبير”، حسب قوله.
واستدرك في حديثه لمراسلة “الأناضول” بالقول: “إن نجاح الدولة الاسلامية في استقطاب فئة مستهدفة مرهون بمدى تهيئة هذه الفئة لهذا الاستقطاب المتطرف؛ فكلما كان المجتمع يسوده قمع وانعدام للحريات كلما كان أكثر تجاوباً مع التطرف بغية التفكير في الخلاص؛ وكلما كان المجتمع ينعم باستقرار حقيقي وحرية الرأي فيه مكفولة للجميع كان أقل تعاطياً واستجابة لمثل هذه الرسائل الإعلامية المتطرفة”.
ورأى خليل أن الدولة الاسلامية “ليست أكثر من جماعة تستغل السياق السياسي الذي تعانيه الدول العربية عامة ودول الربيع العربي خاصة؛ ما يعني أن الأنظمة العربية القمعية هي من هيأت لالدولة الاسلامية المناخ المثالي لبث رسائله الإعلامية المتطرفة وخلق رأي عام حاضن لها”.
وفيما لا يصرح “الدولة الاسلامية” بأعداد مقاتليه، أصدر مركز أبحاث أمريكي يدعى “بوي”، ما قال إنها خريطة مأخوذة من الإحصاءات الرسمية للدول التي خرج منها مقاتلون إلى سوريا ونشرتها وسائل إعلام مختلفة مطلع سبتمبر الماضي، احتلت تونس فيها مركز الصدارة كأكثر دولة عربية وحتى غربية صدرت مقاتلين إلى سوريا حيث وصل عددهم إلى 3 آلاف، ثم المملكة العربية السعودية التي خرج منها 2500 شخص، تليها المغرب بـ1500 شخص، وهذا يشير إلى أن أعداد المقاتلين المصريين في صفوف الدولة الاسلامية يقل عن الرقم الأخير.
ولم تفترض الدراسة أو الخريطة التي لم تتأكد “الأناضول” من صحتها من مصدر مستقل، أن جميع المقاتلين الذين ذكرت أعدادهم انضموا لالدولة الاسلامية، خاصة أن هنالك جهات أخرى تستقطب هؤلاء مثل الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرها.
ولفت الأستاذ الجامعي إلى أنه يجب التفرقة بين “الشخص المتعلم حقاً وبين الشخص الحاصل على شهادة عليا؛ لأن الفارق بينهما كبير في دول العالم الثالث حيث يوجد متعلمين ولا يوجد تعليم حقيقي”؛ مؤكدا أن “كل المنتمين لالدولة الاسلامية من ذوي الشهادات العليا لا التعليم الحقيقي الذي يفرز عقلاً مستنيراً يرفض تلقائيا التعاطي مع رسائل إعلامية تنتشي بالقتل والدماء والأشلاء”، حسب تعبيره.
بدورها، اعتبرت الدكتورة عزة كريم الخبيرة الاجتماعية بالمركز القومي للعلوم الاجتماعية والجنائية في مصر نجاح الدولة الاسلامية في استقطاب نماذج واعدة من الشباب المصري “نتيجة حتمية لمجتمع طارد فكرياً يعانيه الشباب المصري”.
ومضت قائلة في تصريحات لـ”الأناضول”، “إن المجتمع الذي لا يستوعب كل أبنائه على اختلافهم ولا يخلق لديهم قضية جوهرية ينتمون إليها يخلق بداخلهم شعوراً بأنهم يواجهون مستقبلاً ضبابياً ويتركهم في حالة فراغ فكري يجعلهم تحت رحمة أي كيان قادر على ملء هذا الفراغ ولو بمعلومات مغلوطة”.
وأضافت الخبيرة الاجتماعية أن الدولة الاسلامية “يدرك هذه الحقيقة جيدا، ويعمد على استغلالها من خلال توجيه خطاب ديني معسول للشباب يقنعهم بأنهم سيملكون المستقبل إذا ما حققوا دولتهم الإسلامية المزعومة بل وسيضمنون الجنة إذا ما ماتوا في سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة التي خلقوا من أجلها”.
ولفتت إلى أن شعور الإحباط الذي يسيطر على الشباب المصري بل والعربي عموماً يتحول نتيجة هذه المعادلة التي يفرضها الدولة الاسلامية إلى “طاقة جبارة لتحقيق أهدافهم”.
ورأت كريم أن الدولة الاسلامية يدفع بقيادات تتمتع بكاريزما معينة كأبي بكر البغدادي(زعيم التنظيم) يكون لديهم “قدرة كبيرة على استخدام الاستمالات العاطفية والعقلية في إقناع من يستهدفهم فيتحول في نظرهم إلى ملهم ديني”.
من جانبه، اعتبر الدكتور فكري حسن اسماعيل عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (يتبع وزارة الأوقاف المصرية) نجاح الدولة الاسلامية في استقطاب الشباب المصري “إنذار بفشل كل مؤسسات الدولة الدينية والتعليمية والتربوية والإعلامية”.
وأضاف في تصريحات لـ”لأناضول”، أن قانون تطوير الأزهر الشريف الذي صدر عام 1961 “كان بداية لعزل الناس عن وسطية الدين الإسلامي والسماح لهذه الأفكار المغلوطة بأن تتوغل بينهم للحد الذي جعل والدة أحمد الدروي تظن أن نجلها شهيد لأنه قتل وهو يحارب لصالح الدولة الاسلامية”.
وفي عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر صدر القانون 103 لعام 1961 والذي نص على حل هيئة كبار العلماء واستبدالها بمجمع البحوث الإسلامية؛ كما نص على تعيين شيخ الأزهر وليس انتخابه كما كان يتم سابقاً، وتراجع صلاحياته بحيث يصبح تابعاً إدارياً لوزارة شؤون الأزهر التي يعين وزيرها رئيس الجمهورية.
وأوضح اسماعيل أنه وفقاً لهذا القانون تم تحويل جامعة الأزهر الشريف لـ”جامعة مدنية” شأنها شأن باقي الجامعات وفرغها من المحتوى الديني المميز الذي كانت تقدمه لطلابها من المصريين وغيرهم؛ ومن ثم تم تحويل باقي المعاهد الأزهرية لمدارس إعدادي وثانوي شأنها شأن باقي المؤسسات التعليمية التي لا تهتم بتلقين تلاميذها صحيح الدين وتجعل من درجات مادة التربية الإسلامية غير مضافة لمجموع الدرجات النهائية وتدرس في حصة أسبوعية لا تتجاوز مدتها الساعة فقط.
ودعا عضو المجلس إلى إعادة النظر في التعليم الديني بمصر محذراً من أن حتى الأزهر الشريف “بات مخترقا من أصحاب الفكر المعوج” على حد تعبيره، بعدما كان يخرج لمصر بل وللعالم بأسره علماء عظام يدعون إلى طريق الله بصحيح دينه.

1