أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41135
العطارة.. ملاذ فقراء غزة للتداوي!!
25.10.2014

غزة ـ من هداية الصعيدي ـ رغم أن الحاج “فايز زين الدين” لم يلتحق بمقاعد كلية الطب طيلة حياته، ولم يرتدِ مريولا أبيضًا، أو يضع حول عنقه سماعة طبيب، إلا أن صيته ذاع بين الناس بوصفاته الطبية الناجعة لأمراض عديدة.ووصفات العطّار زين الدين لم تكن سوى أعشاب طبية يبعها للناس داخل دكانه، “زين الدين للعطارة”، وسط مدينة غزة، التي تزدحم كل يوم بالعشرات ممن يقصده من كل حدب وصوب راغبًا في الحصول على ما يشفى أوجاعه.ويقول زين الدين صاحب العقد الثامن من عمره، إن سوق العطارة رائج بين المواطنين في غزة، وهي ملاذ للفقراء، الذين لا يستطيعون شراء الأدوية”.وأرجع زين الدين، المرتدي لنظارات طبية، لجوء الناس للتداوي بالأعشاب، وبقاء هذه المهنة على “قيد الحياة” إلى “رخص ثمن الأعشاب في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية لهم”.
وتدخل نجله أسامة “37″ عامًا صاحب الرداء البني مضيفًا:” الناس توقن بأن الأعشاب إن لم تنفعهم فهي لن تضر، وليس لها آثار جانبية كما الأدوية الطبية لذلك يقبلون عليها، والأهم من هذا أن الفقر والبطالة تتفشى بشكل كبير بين الفلسطينيين”.ووفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني، فقد ارتفع معدل البطالة، في قطاع غزة إلى 40% في الربع الأول من عام 2014.
وقال زين الدين بعد أن باع لإحدى زبائنه زيت “أكليل الجبل” لعلاج تساقط الشعر،:” الحرب على غزة تسببت بدمار عشرات المصانع، وفقد الآلاف فرص عملهم، ونحن نلاحظ إقبال المواطنين علينا بشكل ملاحظ، في الوقت الراهن”.والعطارة أو كما يطلق عليها البعض “الطب البديل” هي عبارة عن التداوي ببعض أنواع النباتات والأعشاب، من خلال استخدامها بشكل مفرد أو خلط أنواع منها.وتعتبر مهنة العطارة من المهن القديمة جدًا والمتوارثة، إلا أنها في مدينة غزة المحاصرة مازالت تشهد انتعاشًا واقبالا كبيرًا من السكان، كما يؤكد زين الدين.ويشتهر سوق “الزاوية” (أقدم الأسواق)، ذي المحال المتلاصقة ببعضها البعض حتى يكاد الزائر له لأول مرة يظنها متجرًا واحدًا، وذات المساحة الضيقة، بأنه مركز هذه المهنة وبه العديد من متاجر “العطارة”، إضافة إلى محال أخرى لجميع متطلبات الزبائن.
ولفت زين الدين إلى أن “من لديه الخبرة والممارسة في مجال هذه المهنة هو من يستطيع ممارستها، ولا يمكن لمن يرغب في التجارة فقط ممارستها”.
واستدرك العطار المسنّ:” يجب أن يكون لدى العطّار خبرة واسعة في أنواع الأعشاب والأمراض التي تداويها، وما الذي يصلح خلطه مع الآخر وما لا يصلح، فصاحب هذه المهنة يرقى لأن يكون كالطبيب أو الصيدلي”.ومن بعض الأعشاب الطبية ذكر زين الدين “الكافور” وهي نبتة هندية تعالج مرض الربو والسعال الديكي والاحتقان الرئوي ومضادة للفيروسات والبكتيريا.وأكمل: “مغلي بزر الكتان يعالج الحصبة والأورام والتهابات الكلى وقرحة المعدة والإثنى عشر والأمعاء”.ووفقًا لزين الدين فإنه يواجه مشكلة في توفير الأعشاب والنباتات بسبب الحصار الإسرائيلي، قائلا:” كنا نستورد البضائع من الهند ونهربها عبر الأنفاق، وبعد هدم السلطات المصرية لها، لجأنا إلى معبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية ولذلك تضاعفت قيمة الأسعار”.وأغلقت إسرائيل 4 معابر تجارية من أصل 6 تسيطر عليها، في منتصف يونيو/حزيران 2007، وأبقت على معبر كرم أبو سالم معبرًا تجاريًا وحيدًا للقطاع تدخل من خلاله بضائع محدودة، وتغلقه لمدة يومين في الأسبوع، وفي الأعياد اليهودية، وقد يستمر تتذرع بدواع أمنية وتغلقه لأكثر من أسبوع.
واعتمدت إسرائيل معبر بيت حانون “إيريز″ الواقع شمال قطاع غزة، معبرًا لتنقل فئات خاصة من الأفراد “كالمرضي ورجال الاعمال” بين غزة والضفة الغربية.وعلى بعد خطوات معدودة، انشغل الشاب عماد بلبل، بترتيب أكياس الأعشاب والنباتات أمام دكانه الصغير.
وقال بلبل للأناضول إن “العديد من السيدات يزرنني بحثًا عن العلاج لبعض الأمراض، وبعضهن يخبرّنني بأن بيوتهن هدمت خلال الحرب، وأوضاعهن المعيشية سيئة، ولا تسمح بزيارة الأطباء “.ويستذكر بلبل “45″ عامًا، كيف كان يعود من مدرسته في كل يوم إلى دكان والده حتى باتت أذاناه وعقله يحفظان جميع أسماء الأعشاب والبذور والأمراض التي تعالجها، كما يقول للأناضول.واستدرك:” كنت أظن أن هذه المهنة ستنتهي مع تقدم الطب إلا أنها في غزة ما زالت منتعشة، الفقر الذي نعاني منه والحصار هو السبب الرئيس في ذلك”.
واعتبر بلبل النقص الحاد في الأدوية الذي يعاني منه قطاع غزة، يضطر المئات من المواطنين إلى اللجوء للأعشاب في محاولة لتوفير العلاج”.وقاطع الحديث عاطف منصور، أحد الزبائن قائلا “مهما تقدم الطب وتطور فإن النباتات والأعشاب الطبية لن يتوقف استخدمها كأدوية، نحن بالكاد نوفر لقمة العيش، ونعجز غالبًا عن دفع تكاليف الطب”.وبعد أن حصل منصور، صاحب اللحية التي انتشرت فيها بعض الشعيرات البيضاء، على طلبه من “بزة الكتان” و”الحبة السوداء” أضاف للأناضول “ستبقى للأعشاب مكانتها فهي آمنة الاستخدام، وأسعارها في متناول اليد والعديد يميل لها لهذا الأمر”.

1