الخليل ـ من قيس أبو سمرة: لم يخطر في ذهن الفلسطيني سليمان عيد الهذالين، أن طابوناً (فرن مبني من الطين)، لصناعة خبز عائلته سيكلفه مبلغ 100 ألف دولار، ويجعله يترافع أمام المحاكم الإسرائيلية منذ نحو العام.
والهذالين (57 عاما) بدوي فلسطيني يقطن خِرْبَة أم الخير (قرية صغيرة) إلى الجنوب من مدينة الخليل في أقصى جنوب الضفة الغربية، تسلّم نهاية العام الماضي إخطارا لهدم هذا الطابون، ثم بلاغا من محكمة إسرائيلية يفيد برفع مستوطن يهودي من مستوطنة «كرمئيل» بطلب تعويض مادي بقيمة 100 ألف دولار أمريكي، لما تعرّض من أذى نتيجة استنشاق دخان «الطابون».
ويضيف متعجباً: «سأدفع مبلغ 100 ألف دولار ثمن رغيف الخبز لعائلتي!» ويقول الهذالين: «منذ ست سنوات ونحن نتعرّض لأصناف المضايقات من قبل المستوطنين الذين سكنوا المنطقة في العام 1982، وتطورت إلى حد الاعتداءات بشكل مباشر ومنعنا من رعي الأغنام».
يتنّهد قائلا «نهاية العام الماضي تسلمت إخطارات بهدم الطابون ومساكن أخرى، ومن ثم تسلمت بلاغا من محكمة الصلح الإسرائيلية يفيد بطلب مستوطن يسكن منذ بضع سنين، مبلغ 100 ألف دولار، تعويضا على أضرار سببها الدخان المنبعث من الطابون».
و«طابون» الهذالين مصنوع من الطين، ويستخدم روث الحيوانات مصدرا للحرارة من الخارج، ويعد النموذج البدائي للفرن الفلسطيني، ويقول الرجل: «من أين جاءت الغازات السامة هذا دخان من نتيجة احتراق روث الحيوانات».
ويوضّح «أن المحكمة الإسرائيلية سلمته صورا جوية لموقع «الطابون» ومدى قربه من المستوطنة، وكذلك البيوت الفلسطينية المقامة دون تحديد موعد لجلسة الحكم في البلاغ المقدم من المستوطن حتى اليوم. ويتابع: «هؤلاء لا مشكلة لديهم في الطابون، هم يريدون طردنا من بيوتنا والاستيلاء عليها، رغم أننا نسكن على هذه الأرض منذ العام 1948، عقب طردنا من قبل الاحتلال الإسرائيلي من منطقة عراد في النقب (جنوب)، ويريدون اليوم تهجيرنا مرة أخرى، لكننا لن نخرج من هنا، ولن نعيد النكبة مرة أخرى».
و»النكبة» وهو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية في العام 1948.
وللهذالين عائلة مكونة من 22 فردا، يعتمدون كما بقية أهالي القرية البالغ تعدادهم 180 فردا على تربية الأغنام ورعيها.
ويعتمد سكان القرية على تربية الأغنام، لكن منع ترحالهم من مكان إلى آخر (كونها أراضي إسرائيلية) من أجل رعيها أدى إلى تراجع عدد الأغنام إلى نسب لا تكاد تصل إلى أقل من عشر ما كانوا يملكونه قبل الاستيطان الإسرائيلي في المنطقة، بحسب سليمان الهذالين.
ويسكن أهالي أم الخير في بيوت من الصفيح، والخيم، وسط انعدام كافة مقومات الحياة، وفي الجانب الآخر مستوطنة كرمئيل التي لا تبعد سوى موضع قدم تتمتع بخدمات كاملة من بنية تحتية ومساكن وملاه وأشجار ومياه، وكهرباء.
ويملك الهذالين أوراقاً رسمية منذ الحكم الأردني للضفة الغربية بملكية الأرض، ويقول طارق الهذالين أحد سكان القرية، هذه الأرض اشتراها جدي بـ100 ناقة (أنثى الجمل)، في العام 1948، وهذه المستوطنة مقامة منذ العام 1982.
ويضيف: «في الدعاوى المقدمة ضد سكان القرية يدعي اليهود أننا استوطنا على أرض المستوطنة، كأننا نحن الدخلاء والمستوطنون».
وعن الدعوى يقول طارق: «الأمر ليس مزحة قد نجد أنفسنا يوما أمام قرار نهائي وعلينا دفع المبلغ وليس باليد حيلة».
وحسب طارق، البالغ من العمر 22 عاما فإن «القرية كافة مخطرة بهدم المساكن باستثناء منزل وحيد بحجة البناء بدون ترخيص، كما أن الجرافات الإسرائيلية هدمت القرية ثلاث مرات في الأعوام 2007 و2008 و2012، وفي كل مرة نعاود بناءها».
وعادة ما تقوم إسرائيل بمنع الفلسطينيين في المناطق المصنفة «ج» حسب اتفاق أوسلو بالبناء، والتوسع، بحجة أنها أراضٍ إسرائيلية.
ووفق اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 1995 تم تقسيم الضفة الغربية إلى 3 مناطق «أ» و»ب» و «ج». وتمثل المناطق «أ» 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنيا وإدارياً، أما المناطق «ب» فتمثل 21% من مساحة الضفة وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.
أما المناطق «ج» والتي تمثل 61% من مساحة الضفة تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة السلطات الإسرائيلية على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.
100 ألف دولار ثمن إعداد رغيف الخبز في فلسطين!!
19.09.2014