صفاقس(تونس) ـ من بسام بن ضو ـ من الجلبة التي أحدثها الزبائن استنبط بائع المشروبات اسما له، ومع الزمن نوّع في مكوناته، تبرّك به رياضيو المدينة وبلغت شهرته أنحاء تونس ويتطلع إلى تصديره خارج البلاد.. إنه مشروب “الجواجم” الصفاقسي.مشروب “الجواجم” هو خليط من الفواكه والمثلجات ليس له تاريخ كبير ولكن انتشاره السريع داخل صفاقس (جنوبي تونس) وخارجها يعبر عن قيمته حيث بات يمثل مكوِّنا مهما من مكونات الهوية الغذائية بمحافظة صفاقس التونسية.فما من أحد يقطن مدينة صفاقس أو عاصمة الجنوب كما يطلق عليها التونسيون أو مرّ بها إلا وكان له شرف تذوّق عصير “الجواجم” كما يسميه أهالي المدينة، وما من أحد تذوّق عصير “الجواجم” إلا وأعاد الكرّة مرّة ومرّتين لما يجده في هذا المشروب من خصائص نادرا ما تتوفر في غيره من المشروبات.
فأينما ولّيت وجهك بمحافظة صفاقس إلا وشد انتباهك مشهد المحلات الصغيرة ذات الحركية الكبيرة، هناك يتهافت التونسيون على الظفر بكأس من خليط “الجواجم” الغني بالفواكه الجافة وغيرها من المحتويات التي يطيب للمستهلك تذوقها.مراسل وكالة الأناضول للأنباء كان من ضمن المصطفين أمام محل لبيع “الجواجم” بمدينة صفاقس لاكتشاف هذا الخليط وما يحتويه من خصائص تميزه عن غيره.وعند بلوغ المراسل مقدمة الصف، أجرى حديثا مع صاحب المحل، حمادي الحشيشة، وهو مختص في صنع “الجواجم” لمدة تزيد عن 14 عاما، الذي مكنه من دخول المحل ليكتشف عن كثب مراحل صنع عصير “الجواجم”.تنطلق مراحل تحضير المشروب عادة بتناول كأس كبير الحجم وتزيينه من الداخل بخطوط من السائل المركز حسب النكهة المطلوبة ثم توضع كمية من الياغورت (الزبادي) محلي الصنع بالكأس ليضاف عليها مثلجات بنكهات مختلفة قبل أن يزين أعلى الكأس بذرات من الفواكه الجافة كالفستق واللوز وغيرها ويرش فوقها قطرات من عسل النحل إضافة إلى شرائح من الفواكه كالخوخ والتفاح والموز الطازج أو المجفف ليظهر في الختام خليط غني بالفيتامينات ذو مذاق رائع يبرر تهافت المستهلكين عليه .
وبالعودة إلى تاريخ خليط “الجواجم”، يقول حشيشة: “أنا مستنبط فكرة خليط الجواجم وأنا صاحب أول محل لبيعه بصفاقس وتونس عامة وهو ماركة مسجلة وقد انطلقت في صنع الجواجم منذ ما يزيد عن 14 سنة”.وأردف قائلا: “انطلاقة الجواجم وشهرته داخل محافظة صفاقس وخارجها كانت سنة 2008 خلال تصفيات كأس الكونفدرالية الافريقية لكرة القدم حيث صرح لاعبو النادي الرياضي الصفاقسي بأن سرّ نجاحهم في نيل تلك الكأس هو تناولهم لخليط الجواجم.” ويتابع الحشيشة: “ومنذ ذلك التصريح تهافت أهالي المحافظة على اقتناء خليط الجواجم وكذلك اللاعبون من مختلف النوادي الأخرى الذين يأتون خصيصا لتناول هذا الخليط والاستفادة مما يحتويه من فيتامينات تنشط خلايا الجسم”.
وشهد مشروب “الجواجم” تطورا خلال السنوات الأخيرة حيث تغيرت المواد المكونة له من مجرد استعمال الدرع إلى استعمال الياغورت ثم البسيسة (دقيق الشعير والقمح المحمص) إضافة إلى إعداد خلطات خاصة بمرضى السكري تحت إشراف أطباء في التغذية.وفي حديث لمراسل الأناضول، قالت سهام بيوض، وهي أقدم عاملة بالمحل، إن “الإقبال على استهلاك الجواجم يشهد ذروته خلال فصل الصيف وفي نهاية كل أسبوع أما في فصل الشتاء فالإقبال يكون على خليط الدرع″.ولخليط “الجواجم” فوائد صحية جمة لخصها المتخصص في التغذية هشام مزيد لمراسل الأناضول بقوله: “لقد طورنا نوعا من الجواجم خال من السكر وهو مخصص لمرضى السكري واعتمدنا دقيق الترمس (نبات من فصيلة البقول) في الجواجم الذي يساهم في تنشيط الدورة الدموية إضافة إلى منافعه الإيجابية على القلب”.
وبخصوص أصل التسمية التي تطلق على هذا الخليط فقد أكد حمادي الحشيشة أن التسمية جاءت بفعل تكرار لفظة “الجوجمة” من قبل الزبائن الذين يقصدون محله وهي لفظة من اللهجة التونسية تعني الضجة التي يحدثها الزبائن خلال تدافعهم لتناول هذه الخلطة فاختار لها حمادي الحشيشة هذه التسمية.
وتختلف التسميات التي تطلق على خليط “الجواجم” باختلاف المكونات المستعملة والفترات التاريخية التي مر بها حيث كانت تلتصق به أسماء عديدة على غرار الباشا، السعد، عجب، الجمعية، شمقمق، سكوليو، دحدح… قبل أن تطور هذه التسميات في الفترة الأخيرة وتأخذ بعدا آخر يتماشى ومسلسل حريم السلطان التركي الذي عرض على الشاشات التونسية ولقي رواجا كبيرا خلال شهر رمضان الفارط ونذكر على سبيل المثال هيام، سنبل، فيروز، السلطان.وكان لخليط “الجواجم” عدة مشاركات ضمن معارض محلية وأخرى دولية منها معرض لمطا الدولي بمدينة المنستير التونسية وحصل خلاله على جائزة في الأكلات التقليدية ومعرض الفلاحة بمدينة الكرم التونسية ومعرض المؤتمر الإسلامي بالدوحة ومعرض خاص بدبي وعدد آخر من المعارض بدولة قطر.
ولفت الحشيشة إلى أن خليط “الجواجم” معد حاليا للتصدير وأن مكوناته تخضع لتحاليل طبية ومراقبة حكومية خاصة أنه بصدد إجراء توسعة بالمحل لإعداد مكانين أحدهما للتسويق والآخر للتصنيع نظرا لتدفق العديد من العروض من بلدان عربية وأوروبية للتصدير نحوها وتصل مدة صلاحية هذا الخليط إلى سنة كاملة دون الحاجة للتثليج”.ويزداد الإقبال على مشروب “الجواجم” في الصيف وكثيرا ما يقدم في المناسبات وقد بات هذا الخليط ضمن العادات الغذائية بمحافظة صفاقس والمنافس الرئيسي لعصيدة “الزقوقو” المنتشرة بهذه المحافظة.وقد انتقلت صناعة “الجواجم” إلى باقي المحافظات التونسية ولكن لجواجم صفاقس مكان نشأته تبقى الأفضل وأسرار لذته تبقى أسيرة مدينة المليون نسمة.
مشروب “الجواجم”.. ابتكار صفاقسي!!
16.09.2014