الرباط – حلو عسلي، مشبك بعناية، مزين بالسمسم، ومعطر بالينسون وماء الزهر والشمر، لا يمكن أن تعبر نهارا في زحمة السوق الشعبي للعاصمة الرباط دون أن تشتم ريحه.داخل البيوت المغربية، وعلى مائدة الإفطار تتقدم هي بكل فخامة على باقي الأطباق لتجاور الحريرة (الحساء المغربي) بدون منافس، ولا يمكن للأسرة المغربية أن تتجاهلها، فإما أن تعدها أو تقتنيها جاهزة، إنها ما يطلق عليه في المغرب “الشباكية”.والشباكية حلو رمضاني بامتياز، يحرص المغاربة على تناوله خلال الإفطار، شربة حريرة وقضمة من الشباكية، حينها يمتزج المالح والحلو.تحكي الحاجة سعاد، 64 سنة، من أصول فاسية (نسبة إلى مدينة فاس بشمال المغرب)، أنه “في زمن بعيد كانت تنفرد العائلات النبيلة خاصة في مدن كالرباط وفاس والمدن الشمالية بإعدادها فكانت وما زالت من الحلويات الراقية والمكلفة حتى أن اسمها كان يختلف من منطقة لأخرى”.
وأضافت أن “تلك الحلوى أطلق عليها اسم “كويلش” وفي الرباط “المخرقة”، لكن الشباكية ظل الاسم الأكثر رواجا لدى المغاربة”.وعن سر اسمها، قالت الحاجة سعاد للأناضول “سميت بالشباكية لأنها تشبك بعناية؛ فبعد إعداد العجين الذي يجتمع فيه الينسون والشمر والسكر والزعفران الحر أو الصناعي، وخلط الكل مع الدقيق وصفار البيض وجمع العجين بماء الزهر بدل الماء، كما يمكن إضافة اللوز″.وتابعت أنه “يتم فرد العجين وتقطيعها وتشبك ثم تقلى في الزيت وترمى في العسل وتصفى منه لاحقا”.وكانت النساء سابقا يحرصن على إعدادها قبيل رمضان، وهو ما ندر لدى الجيل الجديد من النساء تحت ظغط الإيقاع السريع للحياة.ومضت الحاجة سعاد بالقول “رغم عملي سابقا كنت أحرص على إعداد الشباكية لأسرتي قبل رمضان بأسبوع، وكنت أشرك بناتي في ذلك، وها أنا الآن أواصل إعدادها لبناتي ولأحفادي، لكن مع مرور الوقت أصبحت الشباكية تسوق وتباع كباقي أصناف الحلويات بل وأصبح لها متخصصون ذائعو الصيت”.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الشباكية مورد رزق لمن تخصصوا في صنعها كما هو حال خالد السيد، شاب في مقتبل العمر، رباطي الأصل، احترف صنع الشباكية منذ سنوات.وقال السيد في حديث لوكالة الأناضول “ورثت هذه الحرفة عن والديّ اللذين تخصصا في الشباكية لأزيد من 50 سنة”.ورغم صغر دكانه الذي يقع داخل السوق الرئيسي للعاصمة الرباط، إلا أنه أبدع في تأثيثه بعناية، حيث الشباكية مرتبة ومتراصة في صحون كبيرة ومعروضة للبيع.الثمن يختلف حسب جودة المكونات، يقول خالد “كما هو معروف لدى المغاربة فمكونات الشباكية تختلف حسب جودتها؛ لذلك فثمنها يتراوح بين 30 درهما (3 دولارات) إلى 100 درهم (10 دولارات)”.ويعرض خالد إلى جانب الشباكية مختلف أنواع المملحات والحلويات العصرية المغربية، ويضيف “الشباكية أحضرها فقط في رمضان، فهي حلو موسمي يقتنيه المغاربة بكثرة في هذا الشهر، ورغم العادات الغذائية الجديدة في رمضان ما زالت الشباكية في الصدارة”.وعلى مقربة من خالد، نجد دكان الحاج محمد علي الذي تميز عن خالد بعرض أشكال جديدة للحلويات إلى جانب الشباكية، تختلف أسماؤها باختلاف أشكالها.
وقال الحاج محمد علي إن “صاحبة الدكان (لم يحدد علاقته بها) هي التي تقوم بإعداد الشباكية وباقي الحلويات طيلة السنة، وتقوم بهذا العمل لأزيد من 12 سنة، يساعدها في الإعداد مجموعة من الفتيات اللاتي قامت بتعليمهن”.وأثناء حديثنا مع الحاج علي، يتوافد النساء والرجال لاقتناء معروضاته، تقول إحدى زبوناته “لا يمكن لمائدتي أن تخلو من الشباكية والحلويات المعسلة، والتي أفضلها في رمضان”.من حلو راق وخاص بفئات معينة قديما إلى الحلو الأكثر شعبية حاليا، صمدت الشباكية لقرون وانتصرت للعادات والتقاليد التي تلاشت في عصر السرعة واستطاعت أن تجعل من رمضان فرصة للتصالح مع كل ما هو تقليدي في الطبخ واللباس والعلاقات الإنسانية.
“الشباكية” حلو مغربي رمضاني من مطبخ الأسرة إلى محلات الباعة!!
16.07.2014