يشعر النحال الغزّي “أحمد زعرب” بمرارة شديدة، وهو يمسك ألواحا من الشمع، لن ينساب من عيونها السداسية السائل الذهبي اللون، في موسم جني العسل الذي ينطلق قريبا مع قدوم فصل الربيع في شهر مارس/آذار الجاري.فقد أدى انحباس المطر لأكثر من شهرين، وارتفاع درجات الحرارة في الأسابيع القليلة الماضية إلى تأخر نمو النحل، وموت أعداد كبيرة منه، لانعدام وجود حبوب اللقاح بسبب عدم نمو الأعشاب، والزهور البريّة التي يتغذى النحل على حبوب لقاحها ورحيقها.وتنطق عيون “زعرب” من خلف القناع المثقوب، والملابس الخاصة بتربية النحل، بكثير من الأسى وهو يستعد لموسمِ وصفه “بالجاف جدا”.
ويستعد مئات النحالين والمزارعين في قطـاع غزة هذه الأيام للاحتفال بموسم قطف العسل، مع انطلاق الربيع, والذي يعد فصل الإنتاج الأهم بالنسبة للنحل إذ يجد في الزهور والبساتين موطنا لرحيقه .غير أن فرحة النحّالين بخلاياهم تكاد تتلاشى هذا العام, كما يؤكد زعرب في حديث لـمراسل “الأناضول”، فحصاد العسل لن يكون وفيرا مقارنة بالأعوام السابقة.ويتجول زعرب، في حقله الزراعي، الذي يحتوي على 300 خلية، متفقدا النحل الذي أصاب أكثره الجفاف نتيجة ندرة الأمطار .و يحاول زعرب جاهدا بمساعدة نجليّه، وضع الأدوية التي تكافح الأمراض التي أصابت النحل مؤخرا بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وأدى غياب زهور النباتات الموسمية “البرية” التي تنبت بعد تساقط الأمطار من حولها، والتي تعتبر الغذاء الأساسي للنحل لكي ينتج العسل، لبث الحزن في قلب زعرب وغيره من النحاليّن الذين ينتظرون بفارغ الصبر موسم جني العسل لهذا العام، لكي ينقذهم من لسعات الفقر والبطالة والتي ترتفع وفق إحصائيات حكومية وحقوقية بغزة إلى أكثر من 40% .وبعد منخفض “أليكسا” القطبي، الذي ضرب الأراضي الفلسطينية في ديسمبر/كانون أول الماضي، انحبس المطر، وعاشت فلسطين تغيرات جوية كان أبرزها ارتفاع درجات الحرارة.ويضيف زعرب، وهو نائب رئيس الجمعية التعاونية لمربي النحل في قطاع غزة، أن النحل في هذا التوقيت يبدأ فعليًا بجمع العسل، ووضعه داخل “براويز″ شمعية محاطة بإطار خشبي.وتابع:” للأسف هذا العام الجفاف قضى على تفتّح الأزهار، كما أن ندرة المطر وارتفاع درجات الحرارة تسبب بانتشار أمراض كثيرة للنحل أدت إلى وفاته مثل (الفاروة) وهي حشرة تصيب النحل وتؤدي لقتل اليرقات، كونها تتكاثر في عينها، وتتغذى على دمائها”.ويلفت زعرب إلى أن استخدام الأدوية بشكل مستمر يؤثر على الخلية، ويقلل من عدد “الألواح” المخصصة للعسل، وبالتالي يقلل الإنتاج.وفي كل عام تنتج الخلية الواحدة ما بين “8-10 كجم”، بينما هذا العام لا يتوقع زعرب أن تزيد عن “8كجم” أو أقل من ذلك.واستدرك بالقول:” الجفاف والأمراض يهددان النحل بالانقراض، وتقليص إنتاجه للعسل”.
ويضاف لأزمة هذا العام مشكلة أخرى متعلقة بتسويق العسل، إذ يصطدم المنتج المحلي، بالمستورد المصنوع الأقل ثمنا.ويشير زعرب إلى أن عدد الخلايا في القطاع يقدر بحوالي (20 ألف خلية)، وهذا العام يتوقع لها بأن تتقلص لنحو (14 ألف خلية)، بسبب الجفاف.فيما تقدر كميات الإنتاج سنويًا وفقا لزعرب بحوالي (200 طن عسل)، ستتقلص وفق تقديراته للنصف هذا العام.وعلى بعد أمتار قليل، يشكو شقيقه رائد زعرب من الأرض التي تحولت إلى كتلة من القحط والجفاف، بعدما أن كانت في مثل هذا التوقيت ممتلئة بزهور النباتات البرية.
ويقول زعرب في حديث للأناضول: “أقوم بتنظيف خلايا النحل حليًا ومنع عمليات التطريد (تكاثر النحل)، حتى ينتج كمية أكبر من العسل، لأنه لا يوجد غذاء له عدا الزهر بهذا الموسم، والزهر غير متوفر بكثرة، ويفترض أنه بدأ ينتج عسل، وخلال تفقدي للخلايا لا يوجد بها عسل حتى الآن”.كما وأدى منع الجانب المصري من زراعة الحقول الزراعية على بعد نحو 500 متر من الشريط المحاذي لرفح المصرية إلى مزيد من جفاف النحل إذ كانت تلك المساحات تشكل مصدر غذاء للنحلة، التي بمقدورها قطع مسافة 6كم، للبحث عن رحيقها.وتعتبـر تربية النحل في فلسطين قديمة، فلا زالت توجد كثير من طوائف النحل تعيش في الجبال الشمالية من فلسطين، كما كان قدماء الفلسطينيين يربون النحل في خلايا فخارية تشبه الأنابيب وتوضع فوق بعضها، وقد تصنع من الطين والقش.وينقسم نحـل غـزة إلى قسميـن: الأول أصفر، يسمى حارثي، وهو شرس الطباع، قليل الإنتاج للعسل، والثاني يميل إلى السمرة، وهو أهدأ نسبيا وأكثر إنتاجا للعسل.
الجفاف يلسـع نحل غــزة ويقضي على “رحيـقه”!!
10.03.2014