أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
مجتمع قائم بذاته فوق سطوح القاهرة المكتظة !!
30.01.2014

القاهرة – في أحياء القاهرة التاريخية المكتظة بالسكان، يضطر الكثيرون الى السكن “في السطوح”، حيث تنشأ عوالم أخرى منفصلة عن العالم القائم في الشوارع والطوابق السفلى.في ميدان التحرير، في وسط القاهرة، التي يزيد عدد سكانها رسميا عن 18 مليونا، لم تجد عائلة شكري محمود على غرار آلاف العائلات المصرية، سوى سطح مبنى لتسكن فوقه.ويستعيد شكري ذكرياته في هذا المكان وأخبار الأجيال التي تعاقبت على السكن في طوابق المبنى، من مصريين ويونانيين وبريطانيين “لقد ولدت هنا، ونشأت هنا، وتزوجت هنا”.شيئا فشيئا تمكن شكري من استقدام كل الخدمات اللازمة إلى بيته المقام بشكل عشوائي على سطح المبنى، ويقول “كل شهر أدفع فاتورة الكهرباء والإيجار والمياه والهاتف”.ويرى رومان ستادنيكي من مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية أن ظاهرة السكن فوق أسطح المباني مردها “الأزمة السكنية وتخلي الدولة عن دورها في هذا المجال”.ويقول “بسبب غياب السياسات العامة، أصبح الشيء غير الرسمي هو القاعدة العمرانية في مصر، إذ أن 65 ٪ من المساحات الحضرية تنطوي على مساكن غير رسمية”.
ويشكل “مجمتع السطوح” هذا محور رواية الكاتب المصري علاء الأسواني “عمارة يعقوبيان”، إذ تعمق في روايته هذه في وصف الأصوات والصيحات والضحكات التي تسمع من هنا وهناك، إضافة إلى روائح الشاي والقهوة والفحم المنبعثة من المطابخ، وكذلك رائحة النرجيلة والتبغ المعسل خصوصا.وبينما يستقبل الحاج شكري محمود ضيوفه في غرفة الاستقبال ذات الجدران الخضراء المزينة بآيات قرآنية وصورة للكعبة، تظهر خلف النافذة- المطلة على غرفة الاستقبال- زوجته سيدة التي تعد ما ينبغي إعداده للضيوف.ويقول شكري الذي يعيش مع زوجته فوق السطوح منذ ثلاثين عاما “هنا الكل يعرف الكل، ونحن نفهم بعضنا، واعتدنا على بعضنا منذ زمن طويل. لم يعد ممكنا أن نعتاد على جيران جدد في حي جديد”.ولا يملك هذا الرجل البالغ من العمر 55 عاما، على غرار الكثيرين مثله، حلا آخر للإقامة في بيت “شرعي” وليس فوق السطح.ويقول “المنازل التي يمكن تحمل إيجاراتها بعيدة جدا، إذ أحتاج إلى مسافة 30 كلم للوصول إلى وسط المدينة حيث أعمل”.ويضيف “إذا قررت أن أسكن هناك، معنى ذلك أني سأنفق ربع راتبي في المواصلات، وهذا غير مقبول”.
وظهرت في مصر في العقود الأخيرة مشاريع أنشأت وحدات سكنية في المساحات الصحراوية المتاخمة للقاهرة، بغية تخفيف الضغط السكاني عن العاصمة، لكن هذا المشروع باء بفشل ذريع، إذ لم يتمكن من جذب السكان إليه، وما زال كثيرون يفضلون إيجاد حل ذاتي، كالسكن على السطح أو حتى في المقابر، على أن يقيموا في أماكن بعيدة جدا عن أماكن عملهم.على بعد أمتار قليلة من منزل شكري، وبعد اجتياز ركام من الأغراض ومقصورة عجلات المصعد، يوجد باب خشبي يخفي وراءه بيت جمال هاشم وشقيقه محمود، وهما رجلان ستينيان يقيمان في هذا المكان منذ صغرهما، إذ عمل والدهما ناطورا للمبنى ثم أخذ جزءا من السطح له ولعائلته للسكن فوقه.ويستعرض جمال منزله المؤلف من 4 غرف، منها غرفة “مع شرفة”، وغرفة وصالة وضع فيها جهاز كومبيوتر.ويتسمر جمال أمام التلفزيون ليتابع مباراة كرة قدم، فيما يدفئ شقيقه يديه عارضا إياهما فوق المقود، ويحتسي كوبا من الشاي شديد الحرارة تحت سقف خشبي أتت الرطوبة عليه، وأصبحت مياه المطر تتسرب من خلاله، لكن الشقيقين لا يعبآن بذلك، فالأغراض الثمينة والدقيقة توضع على سرير وتغطى، بحيث لا تصلها المياه ولا تأكلها الرطوبة.ويبدي الشقيقان تمسكا غير محدود ببيتهما ذاك. ويقول جمال “من حين إلى آخر يأتي مالك جديد للمبنى يقول إنه يريد إخراجنا من هنا. ولكن إلى أين نذهب؟؟”.ويضيف “الناس الذين نعرفهم هنا وعلاقتنا بهم تساوي عندنا الدنيا وما فيها”.!!

1