بين ضجيج المركبات وأصوات الباعة المتجولين وأجواء مدينة جنين الباهتة، تطل الناقة "مزينة" تتحلى بالأجراس وقطع القماش، لتطرب المارين بصوت الجرس الموسيقى وشيخ يعتليها منادياً "يا حليب النوق"."مزينة" واحدة بين (50 ناقة) أخرى يمتلكها المواطن عبد العزيز حنايشة، الذي دفعته الحاجة لحليب النوق لعلاج ابن عمه المصاب بمرض السرطان، ومرارة التنقل على الحواجز الإسرائيلية لإحضار الحليب من أريحا قبل خمس سنوات، لإنشاء أول مزرعة للإبل في شمال الضفة الغربية وتحديدا في جنين. يقول حنايشةإنه بدأ مزرعته بناقتين، وقدم الحليب لمن يحتاجه مجانا، وظل كذلك مدة ستة أشهر، وكان الأهالي يأتون ليحصلوا على حليب النوق للعلاج والوصفات الطبية، وبعد ذلك تعرف حنايشة على عدد من أصحاب مزارع النوق بمناطق بئر السبع والجنوب، فبدأ بتوسعة مشروعه إلى أن أصبح مزرعة نموذجية تضم (50 ناقة).الصحراء والأشجار الملحية التي ترتبط الإبل بها تكاد تكون غائبة في جنين، إلا أن حنايشة يوضح بأن الحرارة المرتفعة وتوفر الجبال والمناطق السهلية في المدينة ووجود بعض النباتات الشوكية ساعدت على تأقلم الإبل.الساعة الثامنة صباح كل يوم تشكل بداية الإنطلاق إلى المراعي، إذ يُسرِّح العمال النوق على جبل تبلغ مساحته حوالي (150 دونما) غني بـ (الصّبر والعاقول والينبوت والخرفيش)، المفيدة لإنتاج الحليب.تربية الإبل في المدينة المشهورة بالزراعة وصناعة الحجر تواجه صعوبات جمة، فخطر الموت يواجهها عند اجتيازها الشارع الرئيسي بين مدينتي نابلس وجنين باتجاه الجبل في الجهة المقابلة، لأن غالبية سائقي السيارات ليسوا على علم بالمنطقة والظروف المرتبطة بعبور الإبل الطريق، بحسب حنايشة، ويوضح "طلبت من وزارة المواصلات وضع إشارات تحذيرية ولكن لا حياة لمن تنادي".ويضيف حنايشة أنه يتم غسلهن كل (15 يوما)، وحَلبهن (3 مرات) يدويا في اليوم الواحد فتنتج (25 لترا) من الحليب، ويوضع في زجاجات بلاستيكية مختومة من المزرعة ومرخصة من وزارة الصحة بسعر (25 شيقلا) للزجاجة ويباع في الضفة الغربية وأراضي عام (48).
ويوضح أن لحليب النوق فوائدا في علاج مرض السرطان وتشمع الكبد والسكري والضعف الجنسي لدى الرجال ويقول: "ولبول الإبل أهمية صحية في إعادة إنبات الشعر".توزيع البوسترات والنشرات التوعوية كان الحل الأمثل لإقناع الناس بحليب النوق ولحومها، فيقول حنايشة: "لا يوجد من يأكل لحم الإبل هنا بشكل كبير، والذبح أصبح حسب الطلب، فعندما أجمع الوزن المطلوب والعدد الكافي من الأسماء أقوم بالذبح في ملحمتي الخاصة في بلدة قباطية".للناقة مزينة حكاية مميزة عن بقية قطيع الإبل، ففي الصباح يقوم وجيه حمدوني مسؤول المزرعة بتزيينها بالقماش والأجراس وتحميل ما أنتج من حليب، ليتوجه منذ ساعات الصباح حتى الظهيرة إلى جنين، ليبيع الحليب للوافدين إلى المدينة من الداخل الفلسطيني والسياح.حمدوني الذي يبدو بهيئة رجل دين، يرتدي اللباس الباكستاني ويطلق ذقنه على راحته، يبدو خبيرا بحليب الإبل، الذي يأتي به من مزرعة حنايشة ويضعه في إحدى الثلاجات داخل محل تصليح مركبات، إذ يقدم تفصيلا مدعما بأحاديث نبوية لإقناع الناس بشراء الحليب.مزينة ارتبطت بحمدوني في المناسبات السعيدة والأفراح لزفاف العروسين بالقرى والمناطق القريبة من جنين.وبين الناس في السوق أثناء تجولنا معه التقت عدستنا بعض الرجال ممن داعبوا حمدوني في إشارة إلى قيادته للناقة، وأغانيه الفكاهية.نغمات الشبابة وأبيات العتابا واللهجة البدوية طقوس يمارسها حمدوني يوميا آخر النهار لتجهيز النوق للحلب، إذ يخرج أبناءها من منطقة تعزلها سياج عن الأمهات، لدرّ الحليب وتصفيته وتجهيزه للبيع ووضعه في زجاجات.
مزينه :حليب النوق..سفينة الصحراء ترسو في جنين!!
13.11.2013