أحدث الأخبار
الأحد 16 آذار/مارس 2025
1 2 3 41143
نيجيريات يتحدين القواعد الاجتماعية بقيادة الحافلات وسيارات الأجرة!!
15.03.2025

لاغوس (نيجيريا) - في لاغوس، العاصمة الاقتصادية لنيجيريا، تمتهن أماكا أوكولي قيادة الحافلات منذ ثلاث سنوات بعد أن فقدت وظيفتها كمصرفية في المدينة. هذه المرأة البالغة من العمر 38 عامًا، تبدأ يومها في الخامسة والنصف صباحًا للاستفادة من ساعة الذروة في الصباح، وتنتهي من عملها في وقت متأخر بعد الظهر لممارسة مهامها الأخرى كأم مسؤولة عن رعاية أطفالها الثلاثة. تقول أوكولي “كان من النادر رؤية سائقة مركبات تجارية في لاغوس، لكن الأمر بدأ يتغير لأننا في حاجة إلى كسب المال”.وتجربة أوكولي هي جزء من ظاهرة أكبر بدأت في الظهور في نيجيريا، حيث تخوض النساء غمار قيادة الحافلات وسيارات الأجرة في ظل تحولات اقتصادية واجتماعية مستمرة. ففي السابق، كان العمل كسائقة حافلة في نيجيريا حكراً على الرجال، لكن الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي ضربت البلاد قد سرّعت من هذا التحول، حيث أصبحت النساء أكثر إقبالًا على هذا القطاع بحثًا عن مصدر دخل. وبحسب الخبراء، فإن هذه التحولات تعكس الحاجة الملحة إلى تغيير الصورة التقليدية للمرأة في نيجيريا.
وقيادة الحافلة في لاغوس ليست مهمة سهلة، إذ تتطلب من السائقين القدرة على التعامل مع فوضى المرور في المدينة، فضلاً عن ضغوط العمل المستمرة، إذ يشكل نظام النقل الصاخب شريان حياة رئيسي للعديد من العمال الذين يعتمدون على وسائل النقل العام للوصول إلى أماكن عملهم. وفي هذا السياق، تقوم الحافلات الخاصة، التي يطلق عليها في نيجيريا “كوروب” أو “دانفو”، بنقل حوالي 10 ملايين راكب يومياً، وفقًا لدراسة أجرتها هيئة النقل في لاغوس في عام 2015.
وتوضح أوكولي أن “العدوانية جزء من الوظيفة” حيث غالباً ما يتعرض السائقون لمحاولات خداع من قبل زملائهم في المهنة أثناء توقيتات النقل. كما تتعرض النساء السائقات لتحديات إضافية مثل التحيز الجنسي، إذ يُعتقد أن النساء في هذا المجال يمكن أن يكنَّ أكثر حذرًا وأقل عدوانية في قيادتهن، مما يجعل البعض يفضل ركوب الحافلات التي تقودها النساء.
ويشير أستاذ التخطيط والسياسة في مجال النقل في جامعة ولاية لاغوس صامويل أوديوومي إلى أن التوسع في حضور النساء في مجال قيادة الحافلات يعود إلى التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده نيجيريا. ففي ظل ارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقها الرئيس النيجيري بولا تينوبو، مثل تعويم العملة ووقف سياسة دعم المحروقات، أصبحت العديد من الأسر غير قادرة على الاعتماد على دخل واحد فقط. ففي بعض الحالات، أصبح النساء يقمن بدور المعيل الرئيسي للأسرة، مما دفعهن إلى استكشاف مجالات العمل التي كانت مخصصة في السابق للرجال.
والحكومة أيضًا تلعب دورًا في هذا التغيير، حيث كرست سلطات ولاية لاغوس حصة مخصصة للنساء في أدوار القيادة ضمن برنامج النقل الجماعي العام، بما يعزز من التوجه نحو مشاركة النساء بشكل أكبر في هذا القطاع. كما أن هناك ملاحظات تشير إلى تزايد عدد النساء اللاتي يعملن في نقل الركاب عبر تطبيقات الأجرة مثل “أوبر” و”بولت”، مما يساهم في تغيير الصورة التقليدية للمرأة في المجتمع النيجيري.
من جانبها، أكدت فيكتوريا أوييمي، رئيسة جمعية “سيدات على عجلات في نيجيريا”، أن هذه الجمعية بدأت في عام 2018 بست نساء فقط، والآن تضم أكثر من خمسة آلاف عضو. وتقول أوييمي “شعرنا بالحاجة إلى الاهتمام بأنفسنا، خصوصًا في مدينة مزدحمة مثل لاغوس حيث نعمل جميعًا بجد.” ويتبادل النساء في الجمعية النصائح المهنية وفرص العمل، ويدرن مجموعات لتجميع الأموال لمساعدة بعضهن البعض في تلبية الاحتياجات المعيشية، مثل دفع الرسوم المدرسية.
ورغم أن العمل في هذا المجال يحمل العديد من المخاطر، مثل التوقيف من قبل الشرطة ودفع الغرامات أو الرشوة، فإن العديد من النساء في القطاع يفضلن مواصلة العمل في هذا المجال نظرًا إلى الفرص التي يوفرها. وفي هذا السياق، قالت أوكولي “بسبب طبيعة العمل الشاقة، لا أقوم إلا بسبع نقلات يومياً، وبالتالي فإن المال لا يكفي لتلبية حاجاتي، لكن هذا أفضل من البقاء عاطلة عن العمل”.
وتواجه النساء السائقات تحديات نفسية إلى جانب التحديات البدنية التي يفرضها العمل. مثلًا، أوكولي توضح أن العمل كسائقة حافلة يتطلب منها توجيهها يوميًا للكثير من الضغط الاجتماعي والمهني. كما تضطر إلى دفع مبالغ مالية كبيرة، بما في ذلك غرامات الشرطة ورسوم الوقود، ما يعني أن غالبية دخلها يذهب لتغطية التكاليف المختلفة. ومع ذلك، تبقى هذه الوظيفة بالنسبة إليها أفضل خيار في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد.
وبالمجمل، فإن تجربة النساء السائقات في نيجيريا تبرز كيف أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية قد تسهم في كسر الحواجز التقليدية التي كانت تحد من مشاركة النساء في بعض القطاعات. وعلى الرغم من التحديات، إلا أن التغيير جار، والنساء في نيجيريا يثبتن يومًا بعد يوم أنهن قادرات على تحقيق النجاح في مجالات كانت تقتصر سابقًا على الرجال.

1