يفقد إقليم كردستان العراق نصف ثروته الغابية بسبب الأنشطة البشرية المخالفة للقانون وتبعات التغير المناخي، ويكافح اليوم لإعادة تشجير المنطقة بالصنوبر والسرو والبلوط الذي يعد رمز غابات الإقليم، إضافة إلى أشجار زيتون وكينا وعرعر وتين ومشمش بدعم من برنامج الأغذية العالمي………………….
السليمانية (العراق) - تحت مظلات تحميها من الشمس الحارقة، تنمو ببطء أشجار صنوبر وكينا وزيتون ورمان داخل مشتل في مدينة السليمانية، وهذا يندرج في إطار الجهود التي تُبذل في إقليم كردستان العراق لمواجهة الأضرار الكبيرة التي تتسبب بها إزالة الغابات.
فالإقليم المعروف بجباله ومناظره الطبيعية الخلابة، فقَدَ نحو 50 في المئة من غطائه النباتي خلال أكثر من نصف قرن، ويُعدّ ذلك مأساة كبيرة نظرا إلى أن إقليم كردستان يحتضن أكثر من 90 في المئة من غابات العراق ككلّ الذي يعاني التصحر وتبعات التغيّر المناخي.
ولهذه الخسارة الكبيرة أسباب متعددة، من بينها أنشطة بشرية كقطع الأشجار المخالف للقانون، وحرائق الغابات التي تتزايد مع موجات الحرارة والجفاف صيفا، إضافة إلى القصف والعمليات العسكرية اللذين تشهدهما الحدود مع تركيا خلال السنوات الأخيرة، حيث تنفّذ الجارة الشمالية معظمها.
وفي مشتل سرجنار، وهو الأقدم في العراق، تنكبّ مجموعة من العاملات على نقل براعم صغيرة من عربة ووضعها في أحواض زرع. ويُطوّر المشتل نحو 40 صنفا من براعم الصنوبر والسرو والبلوط الذي يعد رمز غابات الإقليم، إضافة إلى أشجار زيتون وكينا وعرعر وتين ومشمش. وتُزرع هذه البراعم في الغابات أو تُباع للمزارعين.
ويقول المهندس الزراعي روا عبدالقادر إن “للتغيّر المناخي تأثيراً على نموّ الشتلات الصغيرة”. وأضاف “لذلك نفضّل الأشجار التي تتحمل الحرارة العالية وتستهلك قدرا أقلّ من الماء”. وبدعم برنامج الأغذية العالمي، وُضعت مظلات شبكية من أجل حماية الأشجار من حرارة الشمس والحدّ من التبخر، مما يساهم في تسريع نموها. وجُهّزت بيوت زراعية أخرى بمرشات معلقة لتأمين ري أفضل وتقليل استهلاك المياه، وأقيمت بئر تعمل بواسطة منظومة الطاقة الشمسية.
وبفضل دعم الوكالة الأممية، سيزداد الإنتاج السنوي في المشتل سنة 2024 من 250 ألف شجرة إلى مليون ونصف مليون شجرة. ويعتزم برنامج الأغذية العالمي دعم السلطات والجهات المعنية المحلية خلال السنوات الخمس المقبلة لزرع 38 مليون شجرة على أكثر من 61 ألف هكتار في الإقليم، وحماية 65 ألف هكتار أخرى من الغابات.
فوفقا لإحصائيتين رسميين، أزيل بين عامي 1950 و2015 أكثر من 600 ألف هكتار من غابات الإقليم. وتقول مسؤولة مشاريع برنامج الأغذية العالمي في السليمانية نياز إبراهيم “خلال 70 عاما، فُقد قرابة 50 في المئة من غابات كردستان”. ويعود ذلك إلى “قلّة المياه وارتفاع درجات الحرارة وتباين نسب الأمطار وانخفاضها” إضافة إلى “الحرائق الناجمة عن أفعال بشرية”.
وتعرض نحو 290 ألف هكتار لحرائق خلال الأعوام الأربعة عشر الأخيرة، وفق المدير العام للبستنة والغابات في وزارة زراعة الإقليم هالكوت إسماعيل. وأكد المسؤول أن الحرائق “تندلع بشكل رئيسي خلال فصل الصيف الجاف (…) وأكثرها بسبب إهمال المواطنين”.
وذكّر بما تعرضت له الغابات من قطع جائر للأشجار “خلال تسعينات القرن العشرين، بسبب الأزمة الاقتصادية واستحالة حصول المواطنين على وقود تدفئة”. وفي مناطق أخرى من كردستان، تتعرض الغابات لأضرار من جرّاء الاشتباكات المسلحة بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وخلال الصيف، حملت وسائل إعلام كردية ومنظمات محلية في الإقليم قصف قوات أنقرة مسؤولية عدد من حرائق الغابات. وبدورها، اتهمت وزارة الدفاع التركية في نهاية يونيو عبر منصة إكس حزب العمال الكردستاني بإشعال حرائق بهدف حجب الرؤية وإخفاء مواقعه.
ويشير فيم زفايننبرغ من منظمة “باكس” غير الحكومية إلى أن القوات التركية عمدت لدى إقامتها “أكثر من 40 موقعا عسكريا وقواعد” في كردستان في شمال العراق، إلى إزالة الأشجار لشق “عشرات الكيلومترات من الطرق” عبر مناطق مشجرة، وإلى “قطع غابات حول القواعد العسكرية لتتمكن من الرصد”.
ويؤكد الباحث أن “هذه الممارسات تكثفت منذ عام 2020”. ويشرح أن تراجع مراقبة الغابات، وخصوصا جراء الصراع الذي أدى إلى تهجير سكان قرى بأكملها، إضافة إلى “ارتفاع درجات الحرارة والجفاف”، تشكّل عوامل توفّر “أرضا خصبة لحرائق الغابات التي تحدث في هذه المناطق، إما لأسباب طبيعية، أو بسبب القصف والقتال بين تركيا وحزب العمال الكردستاني”.
وبالتالي، يؤدي ضعف إدارة الغابات أو غيابها إلى “اتساع رقعة المناطق التي تصيبها هذه الحرائق”. أما العضو في منظمة “فرق صانعي السلام المجتمعي” كامران عثمان فيقول “عندما تقع ضربات، تشتعل النيران في مناطق متعددة”. ويضيف “لا يستطيع الناس الذهاب إليها لإخماد الحرائق خوفا من تعرّضهم للقصف".
وسعيا إلى إعادة التشجير لتعويض ما فُقِد من الغطاء النباتي، تعمل السلطات المحلية على إنشاء غابات اصطناعية وزيادة إنتاج المشاتل، على ما يشير هالكوت إسماعيل، الذي يعرب عن أسفه لعدم توافر الإمكانات البشرية والتمويل الكافي. كذلك يؤدي المجتمع المدني دورا في هذا المجال، كما في السليمانية، ثاني أكبر مدن كردستان والواقعة وسط التلال. ومنذ عدة أشهر يستنكر ناشطون عمل الجرفات التي تقشط سفح جبل “وية” من أجل إنشاء مشروع سكني جديد.
وفي محيط المدينة، أقيمت أبراج زجاجية ومجمعات سكنية فاخرة نشأت على جوانب التلال. وأطلقت منظمات محلية عدة في أربيل، عاصمة الإقليم، حملة لزراعة مليون شجرة بلوط، وتمكنت منذ عام 2021 من غرس 300 ألف منها، وفقا لمسؤول المشروع غاشبين إدريس علي.
ويحلم الشاب برؤية "غابة كثيفة من الأشجار الأصلية” على امتداد طريق رئيسي في المدينة. ويقول "التغير المناخي يحدث ولا يمكننا إيقافه، لكن يجب أن نتأقلم". ويضيف مبررا اختيار البلوط أنها "أشجار تحتاج كميات أقل من المياه، وتستطيع عزل كميات كبيرة من الكربون داخل التربة". ويتابع "نراقب نموها لأربع أو خمس سنوات، لتبقى بعدها على قيد الحياة لمئات السنين".
كردستان العراق يكافح لإنقاذ غابات الجبال!!
23.08.2024