أحدث الأخبار
الاثنين 07 تشرين أول/أكتوبر 2024
1 2 3 41131
البدو الرقميون يهجرون مدن الغرب المكتظة!!
24.11.2022

قلبت جائحة كورونا الكثير من الموازين وأذنت ضمنيا بهجر المدن المكتظة التي لم تعد تستهوي خاصة العاملين عن بعد، أولئك الذين صاروا رحّلا لا يعرفون الاستقرار خاصة في المدن المكتظة، وبعد أن كانت لندن وباريس ونيويورك تعج بهم، صارت تجذبهم دبي وأبوظبي ومدن أخرى في آسيا وأفريقيا.
واشنطن ـ غيرت جائحة كورونا بشكل كبير علاقتنا مع المدن، وهذا ما يعرفه الجميع، لكن التغييرات ستكون لها آثار طويلة الأمد على الاقتصاد العالمي، وربما الأهم من ذلك، على إنتاج الثقافة. ففي الغرب، تعد المدن مراكز لا غنى عنها لممارسة التجارة والنشاط الفكري، من المكاتب إلى مطاعم الزوايا، وتتطلب المدن كما كبيرا من العمال للعمل بكامل طاقاتهم. لكن العمل عن بُعد وظهور البدو الرقميين قد غير من تلك المعادلة، والآن تجاهد العديد من المدن الغربية لمعرفة سبب وجودها في حقبة ما بعد الجائحة.
وقالت عالمة المدن الأميركية الشهيرة جين جاكوبس “نحن نتوقع الكثير من المباني الجديدة ونتوقع القليل جدا من أنفسنا”.
وفي أعقاب الوباء، كانت ملاحظتها في الصميم، فلا يوجد حل سهل للبنية التحتية لأزمة الهوية الحضرية وتدهور المدن الغربية، إن بناء مبان جديدة لن يعيد العمال والمثقفين إلى الغرب، وهذا أمر أكثر إلحاحا بالنظر إلى التوقعات المذهلة للنمو الحضري في أجزاء أخرى من العالم. ويقول البنك الدولي إن سبعة من كل 10 أشخاص في العالم سيعيشون في مدن بحلول عام 2050 وسيتواجد معظمهم في الأسواق الناشئة مثل أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
وفي حين أن العديد من الشركات تعمل بلا كلل أو ملل لجذب الموظفين مرة أخرى إلى المكتب، لكن يبدو أن العديد من العمال في جميع أنحاء العالم راضون حتى بتخفيض الراتب مقابل المزيد من المرونة من خلال العمل عن بعد.
وفي الوقت نفسه، أخذ البدو الرقميون ركنا جميلا من سوق العمل يمكنهم من العيش في جميع أنحاء العالم مع الحفاظ على العمالة الكاملة بعقود مميزة.
إذا كان بإمكانك كسب راتب أميركي أثناء إقامتك في المكسيك أو إندونيسيا، فلماذا ستعود إلى الولايات المتحدة؟ ولا نعرف كيف سيحول ذلك أسواق العمل في مدى العقد المقبل، ولكن من الواضح أنه سيكون له تأثير كبير.
إن صعود البدو الرقميين وتراجع المدن ليس بفضل الجائحة فقط، ففي بداية الوباء أشارت “بوليتيكو” إلى أنه “لأول مرة منذ ظهور أقدم المدن في الهلال الخصيب قبل حوالي 6000 عام، لم تعد المراكز الحضرية مدنا تحتكر الروابط الاقتصادية والثقافية التي تجعل الحضارات تمضي قدما” وما هو مفقود في هذا التقييم هو المدن التي فقدت احتكارها، إن الاضمحلال البطيء للمدن واضح في الغرب ولكن ليس كذلك في الأسواق الناشئة، فهناك مراكز جديدة لرأس المال الاقتصادي والثقافي تتشكل بسرعة من لاغوس إلى دبي.
إن المخططين والسلطات البلدية لتلك المنارات الإخبارية للنشاط الحضري يفهمون جيدا التحول التاريخي الذي هو في طور التشكيل، وعليه بذلت مدن مثل تالين ودبي وسنغافورة وريكيافيك جهودا ملموسة لجذب البدو الرقميين من خلال التأشيرات الميسرة وخطط التوظيف، ويمكن للبدو الرقميين الأذكياء تسجيل أعمال افتراضية في دبي والسفر بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومختلف المدن الكبرى في أفريقيا بسهولة.
وعندما تخفت الأضواء في الغرب، فإنها تشع أكثر في الشرق، وهناك العديد من الديناميكيات الرائعة في العمل من المنظور الثقافي. ويحدث كل ذلك النشاط الجديد في المدن الناشئة، ولم تبرز العديد من مدن الأسواق الناشئة إلا في العقود القليلة الماضية. إذا نظرنا إلى أبوظبي، فإن التحول قد حدث بسرعة، فما كان ذات يوم قرية صيد هادئة أصبح الآن موطنا لمؤسسات ثقافية قوية مثل متحف اللوفر. وهناك أسس ثقافية تدعمها الدولة، وتم إنشاء مناطق ثقافية جديدة بسرعة غير عادية، مما طرح سؤالا حول كيف سيتفاعل الفنانون والمثقفون مع كل ذلك.
وقالت جين جاكوبس في عملها الفني “موت وحياة المدن الأميركية العظيمة” إن المدن تحتاج إلى النمو بصورة طبيعية عضوية من خلال التخطيط الحضري الحكيم الذي يأخذ في الاعتبار دور الفرد.
ومع وجود البنية التحتية المناسبة، ستنمو الثقافة مثل البذور الصحية المزروعة في التربة الخصبة، وفي حين تم استثمار مبالغ لا تصدق من المال في مدن مثل أبوظبي، فمن غير الواضح كيف سيزدهر الإنتاج الثقافي، خاصة بالنظر إلى الاختلاف في وجهات النظر بين المواقف الثقافية المحلية وتلك الموجودة في الغرب، وبعبارة أخرى، هل سيتمكن الفنانون المقيمون سابقا في نيويورك من التعبير عن أنفسهم بشكل كامل في أبوظبي أو لاغوس؟
لقد حان الوقت لوقف حالة البكاء على أطلال تلك المدن والتحسر على ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى الإنتاج الثقافي. وتجاهد بعض المدن لأسباب كثيرة بما في ذلك جائحة كورونا ولكن هناك مدن جديدة آخذة في الصعود، وستترك تلك المراكز الحضرية الجديدة من الخليج إلى أميركا الجنوبية بصمتها على الموجة التالية من الثقافة، والتي سيتم تحديدها من خلال الترابط غير المسبوق بين الناس بفضل الإنترنت والسفر، فبدلا من التفكير فيما كان، حان الوقت للبدء في التخطيط لما سيكون.

1