أحدث الأخبار
الثلاثاء 03 كانون أول/ديسمبر 2024
1 2 3 41135
"خلايا ذكية" لإنقاذ النحل في تونس!!
22.05.2022

تستور (تونس)- يتنقل إلياس لتفقد “خليات النحل الذكية” قرب قريته في شمال تونس بعد تلقيه إنذاراً على هاتفه الجوّال من تطبيق إلكتروني مطور بالكامل في بلاده ورائد في شمال أفريقيا، يساعد على تفادي النفوق الزائد للنحل وتحسين إنتاج العسل.
عند هضبة في أرضه العائلية في منطقة تستور شمال غرب تونس العاصمة، يقول مربي النحل إلياس الشابي (39 عاما) خلال فتحه منافذ الخلية وتثبيته جهازا أبيض صغيرا مع مجسات ومستشعرات، إن هذه التقنية تمنحه “راحة البال” وتبقيه “على علم عن بعد بما يحصل” لحوالي مئة خلية نحل يملكها في المنطقة.
وقد أسست مجموعة من خريجي معاهد الهندسة في تونس عام 2020 الشركة الناشئة “بي كيبر تيك” التي تقدم حلولا لتفادي نفوق النحل وانهيار خلياتها فجأة، وقد أثبتت هذه التكنولوجيا فاعلية في تونس ودول أخرى.
يعتمد التصوّر العام للمشروع على جهاز يُوظف أساسا الذكاء الاصطناعي، يوضع في خلية الملقحات ويجمع عن طريق مستشعرات معلومات عن درجة الحرارة والرطوبة والوزن وكثافة الملقحات، ويرسل إثر ذلك لاسلكيا هذه الإحداثيات إلى لوحة تحكم في جهاز كمبيوتر مركزي يحلّل بدوره المعلومات. وفي حال تم تحديد خلل ما، يُرسل الجهاز تنبيها في شكل رسالة قصيرة إلى صاحب المنحل يلفت انتباهه إلى ضرورة التدخل لحماية النحل.
يمسك إلياس ببعض ملكات النحل النافقة في كف يده بالقرب من خلية ويستذكر كيف تكبد في العام 2013 “خسائر كبيرة مع فقدان 26 خلية بسبب الرطوبة والتغير المفاجئ لدرجات الحرارة”. لكن منذ أن بدأ في مراقبة الخليات في العام 2017 بفضل التكنولوجيا الحديثة، باتت حالات النفوق تطال ما لا يزيد من 10 في المئة من النحل الموجود لديه.
يبيّن المدير العام للشركة خالد بوشوشة أن الجهاز يعتمد على خوارزميات “لجمع المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب لكي يتمكن المزارع من أخذ القرار الصائب ويتفادى تلف الخلية أو انهيارها”.
ويوضح بوشوشة (34 عاما)، أن جهاز “سمارت بي” (النحلة الذكية) وسيلة لجمع “كمّ هائل من المعلومات حول مردود النحل والمخاطر التي تهدده”. وقد تمكّن إلياس بفضل ذلك من زيادة الإنتاجية بواقع ما بين كيلوغرامين وثلاثة كيلوغرامات من العسل لكل مملكة بفضل حسن استغلال المعلومات الآنية المتوفرة لديه.
وقد أصبحت دورة الحياة للنحل المسؤول عن تلقيح حوالي ربع ما يستهلكه الإنسان من غذاء يوميا، مهددة بعوامل عدة يتعلق بعضها بالاستعمال المفرط للمبيدات في الزراعات، فضلا عن تقلبات درجات الحرارة، ما يسرّع في تلف الخلية قبل أن يُجمع محصول العسل.
وحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإن ثلاثة من كل أربعة أنواع رئيسية من المحاصيل الغذائية في مختلف أنحاء العالم تعتمد على الملقحات. غير أن هذه الحشرات في تراجع من حيث عددها وتنوعها في مناطق عدة في العالم. ومعظم الدوافع الكامنة وراء ذلك من صنع الإنسان.
ويفصح إلياس المنشغل دوما بالبحث عن مراع جديدة لنحله “كانت النحلة تضعف وتتآكل وتموت تدريجيا من دون أن أتفطن إلى ذلك سريعا”.
ويضيف وهو يقرأ رسالة نصية على هاتفه الجوّال وصلته عبر جهاز المراقبة “لم نعد نفهم الطقس، فاضطرابات المناخ متواترة. أصبح هناك مناخ جاف في غالب أجزاء السنة وبذلك تقلصت مساحات المرعى والغذاء للنحل”.
وقد باعت الشركة، وهي الوحيدة من نوعها في منطقة شمال أفريقيا، أكثر من ألف جهاز خصوصا في تونس والبلدان المجاورة. كما يعمل المهندسون والتقنيون على تجهيز طلبات بـ1500 جهاز إضافي لمربين في دول مثل ليبيا والجزائر والسعودية ونيوزيلندا.
وتنتج 250 ألف خلية لتربية النحل في تونس سنويا نحو 2800 طن من العسل، حسب إحصاءات نقابة محلية، كما ينشط في هذا القطاع نحو 13 ألف مربي موزعين في كل محافظات البلاد.
ولا تقتصر المعلومات التي يجمعها الجهاز على تحديد المخاطر، بل تتيح أيضا معرفة دقيقة ومفصلة بأداء كل معسكر وكل ملكة من حيث مقاومتها للمناخ، سواء الحار والجاف أو شديد البرودة، وزيادة كميات العسل المنتجة وصلابة الخلية، وهذا ما يسمح بتحديد “الخلية – النموذج” والعمل على إكثارها، أو ما يعرف علميّا بتجويد السلالات وتنقيتها.
ويوضح رئيس مختبر الموارد الجينية الحيوانية والغذائية بالمعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس (حكومي) منوّر الجمّالي والذي انضم إلى فريق العمل في شركة “بي كيبر تيك”، أن “المعلومات التي يتم تجميعها من الخلية تؤخذ وتحلل وتعالج وتمكّن من تقييم مردودية الملكات لكونها المسؤولة الأولى عن وراثة الخلية”.
فإذا تمكن مربي النحل إلياس من انتقاء أحسن الملكات في المنحل من خلال “المعلومات التي يحصل عليها، يمكن وضع تصنيف بين السيئ والمتوسط والجيّد للسلالات من حيث كمية إنتاج العسل ومقاومة العوامل المناخية”.
فضلا عن ذلك، يساعد تنوع السلالات الحيوانية التي تأقلمت في بيئتها الأمّ على “تحصين أمننا الغذائي وسيادتنا، وما أحوجنا إلى ذلك في عالم تسوده الأمراض والحروب”، وفق الجمّالي.

1