أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
1 2 3 41120
المقايضة تعود إلى السويداء.. أعطني بطاطا أعطيك خبزا!!
24.03.2022

السويداء (سوريا) - المقايضة أسلوب قديم استخدمه الأجداد منذ عدة عقود ماضية، واليوم يعود هذا النمط من التعامل إلى الحياة مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين في سوريا وندرة النقود لديهم، لتصبح الحل الأجدى لدى بعض الأسر التي أحبت أن تتبادل السلع مع بعضها البعض بطريقة تحقق لهم المنفعة المشتركة وتحل مشاكلهم الاقتصادية.
وتعمل المقايضة على تبادل البضائع أو الخدمات مباشرة بسلع أو خدمات أخرى دون استخدام المال، وهي عادة ما تكون ثنائية ولكن قد تكون أيضاً متعددة الأطراف، حيث تحل مكان المال كوسيلة للتبادل في أوقات الأزمات النقدية، عندما تكون العملة إمّا غير مستقرة أو حتى غير متوفرة لإجراء التجارة، وقد تم تطبيق المقايضة بكثرة منتصف القرن الماضي وما قبله في الأرياف السورية.
وانتشر أسلوب المقايضة في محافظة السويداء جنوب سوريا، منذ مدة وجيزة، ولاقت هذه المبادرة استحسانا لدى الناس الأمر الذي جعلهم يتبادلون السلع بشكل سلس، ويتغلبون على قلة النقود بهذه الطريقة القديمة – الجديدة التي فرضتها ظروف الحياة الصعبة.
وقالت ربيعة زحلان المسؤولة عن مبادرة “معا للاكتفاء الذاتي” لوكالة أنباء (شينخوا)، “عندما بدأنا بفكرة مبادرة (معا للاكتفاء الذاتي) عبر دعم مشاريع منزلية صغيرة منذ عام ونصف العام تقريبا، وبعد أن أصبحت هذه المشاريع تحقق الاكتفاء لإصحابها ببعض المنتجات كان لا بد من البحث عن أسلوب لتسويق الفائض عنها”، مضيفة “من هنا جاءت فكرة المقايضة ما بين الأسر صاحبة تلك المشاريع الصغيرة المنتجة مثلا المكتفي من مادة زيت الزيتون، ممكن أن يقايض على القمح، والمكتفي من مادة العسل ممكن أن يبادلها مع المنظفات وهكذا”.
مبادرة "معا للاكتفاء الذاتي" فكرة لدعم مشاريع منزلية صغيرة منذ عام ونصف العام تقريبا لتأتي المقايضة لترويج فائض المنتجات
وأوضحت زحلان أن فكرة المقايضة لاقت رواجا واستحسانا لدى الناس، معربة عن سعادتها بأن هناك أصحاب بعض المشاريع الاستثمارية رغبوا بالمشاركة وطالبوا بالدخول على خط المقايضة، قائلين إن الأسر التي لا تمتلك نقودا ممكن أن نأخذ منها مؤونة منزلية مثل المربيات والمؤن المنزلية المتقنة ونستبدلها بالبضائع الموجودة في تلك المحلات.
وأضافت، أن “فكرة المقايضة هي فكرة قديمة، وليست جديدة، ولكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد هي التي أعادتها إلى الحياة من جديد”، مشيرة إلى أن الأجداد كانوا يستبدلون البيض مثلا بالحلاوة، مبينة أنه عندما توفرت العملة النقدية بات التعامل أسهل، بحيث يشتري كل شخص كل ما يريده بشكل مباشر، ولكن الضائقة الاقتصادية الحالية التي فرضتها العقوبات الغربية على البلد دفعت بالبعض للجوء إلى هذا الأسلوب.
وأشارت إلى أن فكرة المقايضة “حل ممكن أن يساعد الأسر على تأمين احتياجاتهم، وحتى أصحاب المحلات الكبيرة وبسبب إحجام الناس عن الشراء قرروا أن يقبلوا بالمقايضة وهذا حل جيد”.
وأملت زحلان أن تبقى فكرة المقايضة قائمة حتى وإن تحسنت أحوال البلاد اقتصاديا، لأنها، حسب رأيها، تلغي الهامش الربحي للتجار، وهي فكرة داعمة للمنتج والفلاح معا، بحيث يبيع الفلاح منتجه بالسعر المناسب عبر المقايضة بسلع أخرى يحتاجها وبالتالي في هذه العملية الكل رابح، ولا توجد خسارة.
ولم تقتصر فكرة المقايضة على المنتجات فقط وإنما توسعت لتصل إلى دعم مهني مثل إعطاء دروس مقابل سلع معينة، بهدف تسهيل سبل الحياة وتبسيط الإجراءات.
وقالت زحلان إن “هناك مدرسين دخلوا أيضا على خط المقايضة فكان الدعم مهنيا وليس منتجات، مثل مدرّس لغة إنجليزية قبل بمبدأ المقايضة وأراد أن يعطي دروسا للطلاب مقابل سلع معنية”، مشيرة إلى أن هذا الشيء جيد، ومؤشر إيجابي على تفاعل الناس مع الفكرة.
من جانبها عبرت المهندسة الزراعية فاتنة النمر عن سعادتها بالتعامل على مبدأ المقايضة، مبينة أن هذا الأسلوب فرضته ظروف الحياة الصعبة.
وقالت فاتنة إن “المقايضة فكرة أحببتها، وانطلقت من خلال أشخاص عملوا على مشاريع الاكتفاء الذاتي الذين أثبتوا أنهم يعملون على تنمية المجتمع المحلي وتعزيز ثقافة الاعتماد على الذات”، مؤكدة أن هذه الفكرة “حاليا تحل الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بحكم أن هناك أشخاصا يمتلكون منتجات ذات جودة عالية ولديهم فائض، ومستخرجة من مشاريع زراعية صغيرة، ولكن بحكم قلة النقود لم تستطيع بيعها لتحصل على السيولة النقدية، ومن هنا كانت فكرة المقايضة هي الحل لاستبدال منتج بمنتج”.
أسلوب المقايضة انتشر في محافظة السويداء جنوب سوريا ولاقت هذه المبادرة استحسانا لدى الناس الأمر الذي جعلهم يتبادلون السلع بشكل سلس، ويتغلبون على قلة النقود
وأضافت “أقوم بإنتاج مادة العسل من مناحلنا، وهو منتج ذو جودة ممتازة أستطيع أن أقايضه بمادة أنا أحتاجها، مثل زيت الزيتون، وإذا هذا المنتج موجود عند شخص آخر فبإمكاني أن أستبدل العسل بزيت الزيتون”، مؤكدة أن كل كيلو عسل يقابله 2 كيلو ونصف الكيلو من زيت الزيتون، مشيرة إلى أن هناك فتاة من مدينة السويداء رغبت بمبادلة العسل مع زيت الزيتون.
وحثت المهندسة الزراعية على انتشار هذا الأسلوب بشكل واسع بين أصحاب المشاريع الصغيرة، لأن التسويق هو الخطوة الأصعب على الفلاح قائلة ” أشجع على انتشار فكرة المقايضة وأن يحصل كل شخص على ما يريده من خلال تبادل السلع بأسلوب سلس ومريح خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة النقود، فأنت تحصل على منتج جيد بسعر جيد دون ربح”.
وقالت إحدى السيدات التي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها “ليس كل من قام بالمقايضة بالضرورة محتاج وليس بالضرورة مكتف بماعنده، ببساطة الجميع على اختلاف مستوياتهم المعيشية يستطيعون الاستفادة من مبدأ المقايضة وهي ليست عيبا أو حراما أو أمرا محرجا”.
وعبر عدد من المواطنين عن استحسانهم لفكرة المقايضة التي تعتبر أسلوب أو نمط حياة فرضته الظروف الاقتصادية الصعبة على الناس وغلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، مؤكدين أن هذا الأمر مناسب في الوقت الحالي، ويحل بعض القضايا الاقتصادية لغالبية الأسر.
وقال أبوشاهر وهو فلاح من ريف السويداء “عندي فائض من مادة القمح، وأحتاج إلى عدة سلع أخرى”، موضحا أنه عندما سمع بهذه المبادرة قرر أن يشارك منتجه مع من يحتاج القمح، ليستبدله بالمنظفات، مضيفا “فكرة رائعة وتستحق أن تنتشر على نطاق واسع”.

1