أحدث الأخبار
السبت 27 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
أهالي مدينة تونس يستحضرون "سيدي محرز" في المحن والشدائد!!
14.02.2022

تونس – يحرص وليد حامدي على حمل قميصين بألوان مختلفة لمنتخب تونس في كامل رحلاته، لمتابعة مباريات المنتخب الملقب بنسور قرطاج في البطولات الدولية.
لا يحمل القميصان أسماء لاعبين للمنتخب، بل أسماء لأولياء صالحين من بين الأكثر شهرة في تونس، وهما محرز بن خلف “سيدي محرز” وأبوالحسن الشاذلي.
حمل وليد، الذي هاجر إلى ألمانيا حيث استقر في مدينة بون منذ تسعينات القرن الماضي، القميصان معه إلى روسيا حينما شارك منتخب تونس في كأس العالم عام 2018، وبطولة كأس العرب فيفا في قطر 2021.
ويقول وليد “عندما وضعتنا القرعة بجانب منتخبي بلجيكا وأنجلترا في كأس العالم بروسيا أدركت أننا في وضع صعب. طلبت من ابن عمي أن يجهز قميصين وينسخ عليهما اسمي سيدي محرز وسيدي بلحسن الشاذلي”.
ويتابع وليد “قلت لابن عمي ليس لنا أمل في المجموعة، ونحتاج إلى دعم سيدي محرز. أعترف بأنها كانت مجرد مزحة، ولكننا حملنا القميصين معنا إلى روسيا”. وخلال البطولة خسرت تونس بشق الأنفس ضد أنجلترا بنتيجة 2 – 1 ومنيت بخسارة ثقيلة ضد بلجيكا بنتيجة 5 -2، قبل أن تحرز فوزا معنويا ضد بنما بنتيجة 3 -1.ويقول حسن بوعبدالله، رئيس اتحاد الطرق الصوفية، “يعكس مثل هذا الإقبال على وساطة الأولياء حالة نفسية في الشارع، غير أن الأصل هو ألا وساطة مع الله”. ويضيف بوعبدالله “نسعى لأن نقتدي بسلوكيات الأولياء الصالحين واستقامتهم ولا ننساق وراء الخرافات”.
يتبرك أهل المدينة بشكل خاص بالولي الشهير محرز بن خلف، الذي عاش في أواسط القرن العاشر، والملقب بسلطان المدينة وحاميها. وتروى الكثير من الروايات والكرامات عنه
على مدى أكثر من عقد في تسعينات القرن الماضي يردد اسم الولي الصالح أبوالحسن الشاذلي في صيحات الجماهير بملاعب تونس. ذاع صيت الولي مع انتشار قصيدة محلية صوفية تتغنى بمقامه الواقع على أطراف العاصمة جنوبا، في أعلى هضبة تضم مقبرة الزلاج التي تطل على جزء كبير من المدينة.
يحتوي المقام على حجرات للزوار وعلى قاعة جنائزية مزخرفة دفن بها عدد من أمراء وأميرات العائلة الحسينية، التي حكمت تونس مع بداية القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين.
ويطل على القاعة بهو مفتوح فيه رواقان وصهريج. ويوجد بيت للصلاة ينقسم إلى جزئين، تقام في أحدهما طقوس الطريقة الصوفية يوم الخميس من كل أسبوع حتى ساعة متأخرة من الليل وعشية الأعياد الدينية بعد صلاة المغرب.
ينتسب حوالي مليون ونصف المليون شخص إلى الطرق الصوفية، وفق تقديرات اتحاد الطرق الصوفية، وهو عدد كبير نسبة إلى عدد سكان البلاد (حوالي 11.5 مليون نسمة).
ويحرص عدد كبير من هؤلاء على زيارة المقامات وإحياء الطقوس والاحتفالات والخرجات، التي تتخللها عروض تحظى بشعبية واسعة، مثل المشي على بلور مكسور والتهام الفحم وغرس أعواد حديدية في الجسم.
لكن بوعبدالله يقول “إن مثل هذه العروض والطقوس باتت تشهد العديد من الشوائب التي لا علاقة لها بالتصوف”. ويضيف في تعليقه “تمسيد ثديي المرأة لمساعدتها على إفراز الحليب أمر لا علاقة له بالصوفية. الصوفية مرتبة راقية ويجب أن نخلّصها من البدع والخرافات”.
وليس بعيدا عن مقام أبي الحسن الشاذلي، يشهد الطريق المؤدي إلى أزقة المدينة العتيقة القريبة وما جاورها عددا كبيرا من المقامات والأضرحة للأولياء الصالحين يناهز الثلاثين مقاما.
ويقول بوعبدالله “إذا كانت المغرب تعد بلد الأولياء الصالحين، فإن تونس تعرف بأنها بلد الأضرحة والمقامات”. ويسود اعتقاد على نطاق واسع في مدينة تونس بأن هذه المقامات تعد بمثابة الحزام الحامي للمدينة والبلاد من الأزمات والكوارث.
ويتبرك أهل المدينة بشكل خاص بالولي الشهير محرز بن خلف، الذي عاش في أواسط القرن العاشر، والملقب بسلطان المدينة وحاميها. وتروى الكثير من الروايات والكرامات عنه.
بحسب المؤرخين لسيرة الولي، قضى سيدي محرز حياته يعلم القرآن، ولهذا عرف بالمؤدب، وهو مدفون في المحل الذي كان يلقي فيه دروسه حيث بنيت الزاوية.
ويقول الباحث في الحضارة والإسلاميات غفران الحسايني إن الجاليات اليهودية التي توافدت على تونس كانت تكن التقدير لهذا الولي، لأنه حماها وأسكنها بالقرب من مسكنه، بعد أن كانت مجبرة على السكن خارج أسوار المدينة. كما فرض قانونا بألا يدفع الأجير اليهودي إلى مغادرة مسكنه إلا بموافقته.
بعد وفاته اهتم ملوك الدولة الحسينية في القرون الحديثة بالعناية بمقامه وصيانة المبنى الذي تحول إلى زاوية، يزورها الناس للدعاء إلى الله لتفريج كربهم وإشعال الشموع وشرب مياه من البئر.
يضم مبنى زاوية سيدي محرز قاعة جنائزية فسيحة تغطيها قبة بيضاوية الشكل مزخرفة بالجبس المنقوش. أما الجدران فيطغى عليها الخزف الملون الذي يعلوه إفريز من الجبس المحفور. ويقبل رواد الطريقة الشاذلية على المناسك الأسبوعية في هذه الزاوية أيام الأربعاء صباحا ما عدا شهر رمضان.
يحظى محرز بن خلف بمكانة خاصة لدى سكان مدينة تونس، وانتشر الاعتقاد في كراماته والتبرك به والإقبال على ضريحه في القرن الثالث عشر، في ظل انتشار نزعة الاعتقاد بالأولياء الصالحين وذوي الكرامات في تلك الفترة في ربوع المناطق الإسلامية.
ومن أهم الكرامات الشائعة والمنسوبة إلى الشيخ محرز كما نقلها مؤرخون معاصرون عن المؤرخ ابن ٲبي دينار في القرن السابع عشر، تتعلق بدور سيدي محرز في قرار السلطان العثماني سليم بإنقاذ تونس من الاحتلال الإسباني وإرساله أسطولا حربيا بقيادة سنان باشا.
عرف عن محرز بن خلف مقاومته للمد الشيعي في تونس إبان صعود الصنهاجيين إلى الحكم في القرن العاشر، بعد انتقال الحكام الفاطميين إلى القاهرة، ودفاعه عن المذهب السني الذي تدين به غالبية سكان البلاد.
ولكن أكثر الأساطير التي ترددت حول كرامات محرز بن خلف هي تسببه بدعواته في وفاة أحد الغزاة طعنا بسكين، عندما كان يتهيأ مع جيشه على أطراف المدينة لغزوها. ورسّخت تلك الحادثة لقب “سلطان المدينة” للولي الصالح الذي ينظر إليه كحام للمدينة وحارسها.

1